بينَ السلامةِ والصمودِ “لَمى” وشقيقاتُها

بقلم: الكاتبة الصحفية دعاء عمار
أيُّهما أكثرُ تأثيراً وقوةً القلمُ أَم البندقيةُ؟، رُبما يظنُّ صاحبُ البندقيةِ أنه أقوى وأقدرُ على الفعلِ والتأثيرِ؛ خاصةً في ظلِّ حاضرِنا المحتلِّ المليءِ بالقنابلِ الساقطةِ على رؤوسِنا، والحواجزِ التي تمنعُ الكبيرَ والصغيرَ من المرورِ؛ حتى لو كان الممنوعُ صاحبَ فكرةٍ، وحاملَ قلمٍ! كيف يمرُّ؟ وكيف يؤثّرُ؟
هذا التساؤلُ يَخطرُ كثيراً في ذهنِ أصحابِ الأقلامِ أنفسِهم في بعضِ لحظاتِ التفكيرِ أو اليأسِ، هل تتركُ كلمتُه أثراً؟ وهل يمكنُ أنْ يغيّرَ شيئاً من هذا العالمِ؟ أو يُزحزحَ الاحتلالَ شبراً من أرضِه؟ مرَّ بي قبلَ فترةٍ شخصٌ يَحملُ سلاحاً؛ فحملتُه عنه، استثقلتُه جداً، فقالَ مازحاً طبعاً أثقلُ من القلمِ!
وقعَ في قلبي أنّ لهجتَه الساخرةَ تقولُ لي: ماذا يفعلُ قلمُك في مقابلِ سلاحي؟ سألتُ نفسي: أليس هذا وذاكَ في إطارِ المقاومةِ؟ لكُلٍّ منّا سلاحُه فعلاً، وأثَرُه.
لم تمضِ أيامٌ حتى اعتُقلتْ الكاتبةُ الصحفيةُ “لَمى خاطر” في مشهدٍ تفاعلَ معه كثيرٌ من الناسِ تماماً؛ كما كانوا يتفاعلونَ مع حروفِها التي عكستْ روحَ الوطنِ ومقاومتَه دوماً في وجهِ المحتلِّ وأعوانِه من أربابِ التنسيقِ الأمنيِّ المقدّسِ؛.
ذلكَ التنسيقُ الذي طالَما واجهتْه “لَمى”؛ وكشفتْ عورتَه مراراً؛ كان متواطئاً ضدَّها هذه المرةَ أيضاً؛ عندما دخلَ الاحتلالُ يمرحُ في منطقةِ “ألِف” التابعةِ أمنياً للسلطةِ الفلسطينيةِ؛ بحيثُ لا يجبُ أنْ يَدخُلَها الاحتلالُ لولا ذلك التنسيقُ!
فدخلَ وعاثَ فساداً دونَ أنْ يَلمحوا خيالَ شرطيٍّ فلسطينيٍّ واحدٍ! في خيانةٍ لكُلِّ المقدساتِ والثوابتِ الوطنيةِ والدينيةِ والأخلاقيةِ! لم تكنْ هذه محاولةَ الاعتقالِ الأولى لــ” لَمى خاطر”؛ فقبلَ أشهرٍ حاوَلوا اعتقالَها؛ لولا تعلُّقُ “يحيى” الرضيعِ بحِضنِها، تركوها ولم يتركوا عائلتَها التي تعرضتْ للسَّجنِ والاستجوابِ والتضييقِ مراراً؛ لإجبارِها على تركِ ما تكتبُ ضدَّ المحتلِّ، وضدَّ كلابِه، كبرَ “يحيى” وحانَ وقتُ إسكاتِ القلم.
الآنَ أُحاولُ التفكيرَ في التهمةِ التي ستوَجَّهُ “لِلَمى”، من المؤكدِ أنها ذاتُ التهمةِ التي اغتِيلَ على إثرِها “ناجي العلي”، أو تلكَ التي أدّتْ لمقتلِ “غسان كنفاني”، ورُبما هي نفسُها التي أزعجتْ المحتلَّ من الدكتورِ “إبراهيم المقادمة”؛ الكاتبِ المفكّرِ المقاوِمِ؛ وأدّتْ لاستهدافِه، وقبلَ ذلك ملاحقتِه هنا وهناك. حمَلةُ الأقلامِ في بلدي كثُرٌ؛ ولكنهم قِلّةٌ الذينَ لم يبيعوا أنفسَهم لشياطينِ الهوَى، وأربابِ الأموالِ، والسفراتِ والتنسيقاتِ والمؤتمراتِ.. وغيرِها ممّا يُغري أيَّ شخصٍ يعطي لنفسِه الحقَّ في أنْ يحملَ لقبَ مُفكّرٍ وكاتبٍ، وأنْ يحملَ القلمَ..
قلّةٌ من أمثالِ “لمى خاطر” التي قرّرتْ أنْ تخاطرَ، ألا تبقَى أسيرةَ السلامةِ عن سَبقِ إصرارٍ ووعيٍّ، لم تركنْ لظِلِّ الحائطِ، وتتخفَّى من الآذانِ المتلصصةِ والأعينِ المتربصةِ، لم تستكِنْ في ظلِّ الخوفِ الطبيعي من الإنسانِ، أو من المرأةِ تحديداً على زوجِها وأبنائها، خاصةً في ظلِّ التهديداتِ المستمرةِ لها ولعائلتِها.
هي امرأةٌ عرفتْ هدفَها، واختارتْ شريكَ حياتِها الذي يؤمنُ بها وبقُدراتِها، ويدفعُها في مشوارِها الطويلِ نحوَ التحريرِ، امرأةٌ شاركتْ أسرتَها وعيَها وثقافتَها حتى غدتْ ابنتُها “بيسان” خيرَ ناطقٍ باسمِها في مواجهةِ المتخاذلينَ، فدافعتْ عن مبدأ والدتِها بقوةٍ وإصرارٍ لا يقِلُّ عمّا قامت به والدتُها من قبلُ.
في الضفةِ المحتلةِ فرضتْ المرأةُ المقاوِمةُ بكلمتِها خوفاً مضاعَفاً على الاحتلالِ، وأقامت حُجَّتَها على شقيقِها الرجلِ، فها هي “سوزان عويوي، وعُلا مرشود” وغيرُهنَّ من الأسماءِ اللامعةِ في سماءِ المجدِ والتحريرِ، بالقلمِ أو بالبندقيةِ، لا فرْقَ..
المُهمُّ الوعيُّ والإصرارُ عليه، والثباتُ في مواجهةِ كلِّ المُثبِّطاتِ والمتاعبِ، لا سلامةَ تحتَ الاحتلالِ، ولا سلامةَ من دونِ وعيٍّ، ولا تحريرَ من دونِ ثمنٍ.