الانغماسُ في الواقعِ

بقلم : مهيب أبو القمبز
الناظرُ إلى كثيرٍ من الشبابِ اليومَ؛ يرى أنهم ينغمسونَ في واقعِهم إلى حدٍّ يكادُ يصلُ إلى مرحلةِ الهَوسِ! فما أنْ يخرجُ خبرٌ ما؛ حتى تجدَه يُعلقُ على مواقعِ التواصل، يداهمُه شعورٌ جارفٌ بأنّ متابعتَه للأحداثِ أولاً بأول ضرورةٌ حتميةٌ؛ بل ومشاركتَه في الحديثِ عنها أيضاً، هذا الانغماسً المَرضي في الواقعِ عبّر عنه الباحثُ “إبراهيم السكران” في كتابِه “الماجريات” بأنه واقعٌ أليمٌ يتصاعدُ كلما سخنتْ الأحداثُ.
اللافتُ في هذا الأمرِ أنّ ذلك الانغماسَ يعني هدْراً للوقتِ، إضاعةَ فرصِ التعلّمِ، إضاعةَ فرصِ العملِ، وخلقَ أجيالٍ مدمنةِ معلوماتٍ؛ وفي نفسِ الوقتِ مُجردةٍ من الآلةِ النقديةِ اللازمةِ.
أشدُّ المتضررينَ من ذلك الانغماسِ؛ هم طلبةُ العلمِ، والشبابُ المُفعَمونَ بالطاقةِ، فتجدُ طالبَ العلمِ قد تشتّتَ وقتُه، وتشوّشَ ذهنُه، ولم يَعدْ ذلك الطالبَ الذي كان مُنكبّاً على طلبِ العلمِ في السابقِ؛ بل غدا مُجردَ آلةٍ كاتبةٍ، وعينِ نَهمةٍ لرؤيةِ التعليقاتِ والإعجاباتِ بمنشوراتِه.
الشبابُ المعطّلُ عن العملِ؛ بات يجدُ ضالتَه في ذلك أيضاً؛ فبدَلاً من البحثِ عن طرقٍ مبتكَرةٍ للخروجِ من دوّامةِ البطالةِ، ينغمسُ في قراءةِ كلِّ موقعٍ إخباريِّ، والتعليقِ على كلِّ خبرٍ، والخوضِ في معاركَ يوميةٍ مع مخالفيهِ ، يتكلّسُ عقلُ ذلك الشابِّ مع مرورِ الوقتِ، ويصعبُ عليه الخروجُ من القوقعةِ، وبعضُهم يقرّر أنْ يُطلقَ على نفسِه ناشطاً سياسياً أو شبابياً أو سحابياً.
ارأفوا بأنفُسِكم!