كتاب الثريامدونات الثريا

حينما تنضُجُ الروحُ

تُوحي الطبيعةُ البشريةُ  أنّ الإنسانَ  يكبَرُ عُمراً وروحاً؛ كما أنها تُوجِبُ  التزامنَ بينهَما؛ ولكنْ  كما لكُلِّ قاعدةٍ  شواذٌ؛ تجدُ هناك عدمَ تزامنِ زيادةِ تعدادِ السنينَ مع النضوجِ الروحي  لذاتِ الشخصِ .

كثيرونَ مَن تزيدُ أعدادُ سني أعمارِهم؛ ولكنّ النضجَ الروحي قد يتأخرُ لديهِم سنةً ضوئية ً أو أكثرَ! وهناك الأشخاصُ المُغايِرةُ  التي تنضحُ الروحُ لديهِم  قبلَ نضوجِ  الأعمارِ،

فحينَ نضوجِ الروحِ تتغيرُ  الأفكارُ، و كذلك المزاجاتُ، وتتعمقُ الرؤى لديكَ؛ فترَى الوجهَ الآخَرَ من كلِّ شيءٍ.

حينما تنضجُ  ستجِدُ حُسنَ تربيةِ الزمانِ في مَمشاكَ وسكونِك،  في سفرِك وحضرِك،  في معاملتِك  لعدوِّك أو صديقِك،  وفي صمتِك وكلامِك .

سيذهبُ بريقُ قشورِ الأماكنِ والأشخاصِ من عينيكَ،  وروحُك حينَها ستبحثُ في مَكنوناتِ الموجوداتِ؛ وذلكَ  حينما تنضُجُ .

حينما تنضجُ  ستَرى الخيرَ في كلِّ أمورِك؛ لأنّ النصفَ المليءَ من كوبِك الخاصِّ بك؛  سيُغطّي النصفَ الفارغَ،  وروحَك الناضجةَ ستَجدُ لها معادلةً كونيةً خاصةً فيها؛  وهي ( لو حُصِرَ عنّي  هذا ؛ ما منَحني اللهُ  ذاك ) وهي نظريةُ الرضا التامِّ .

حتى تَمرُّدَك على المواقفِ  التي لم تَرُقْ لكَ  سيَتغيرُ؛ ستصبحُ  لديكَ القدرةُ على تحمّلِ واستيعابِ  تفاصيلَ كثيرةٍ،  ومقاومتِها بالقوةِ  الناعمةِ  التي اكتسبتَها؛ وذلكَ  حينما  تنضجُ .

حينما تنضجُ سيكونُ لديكَ  الفُرَصُ  الأكثرُ للتفكيرِ بالآخَرينَ،  وهمومِهم وحوائجِهم و… ، وستَمنحُ نفسَك بأنْ تكونَ سَهماً في الخيرِ أينما حلَلتَ .

وذاكَ الوجهُ الذي كنتَ تُغمِضَ عينيكَ حينما تراهُ، وتَعبسُ نظراتُك أمامَه،  ستَمنَحُك  بصيرتُك  فرصةً للنظرِ إليه من جديدٍ؛ عسَى أنْ  تَجدَ بصيصَ جمالٍ فيه ، ويَسقطَ من السماءِ شيءٌ من القَبولِ له؛  وذلك حينما تنضجُ .

حينما تنضجُ؛  ستَبقَى في محاولاتٍ جادّةٍ  ومتكرّرةٍ؛ لتتصالحَ مع تفاصيلِ حياتِك،  ستُحاولُ أنْ  تدَمِّرَ كلَّ الحُفرِ القديمةِ التي واجهتْكَ في طرُقاتِها، ستَنثُرُ الوردَ  في طريقِ مَن أحبَبتَ، و وتحاولُ  أنْ تَنزِعَ الشوكَ من طريقِ مَن لم تستطعْ أنْ تُحِبَّ .

ستصبحُ  حاجاتُك لمَن حولَك  حاجاتٍ روحيةً ؛ ولن  يَعنيكَ  أنْ تَراهم، أو أنْ يكونَ لديكَ الفراغُ لمُجالستِهم ، فروحُك ستشعرُ بحُبِّهم  ودعائهم  لك؛  وذلك حينما تنضجُ .

حينما تنضجُ ستَجدُ نفسَك محفوفاً بالعلاقاتِ الاجتماعيةِ  من أقاربَ وأصحابٍ و زملاءِ مِهنةٍ؛  ولكنّ مَن تستأنسُ بهم  روحُك قِلالاً .

لن تفرحَ بهديةٍ؛  ولو كانت  فائقةَ الثمنِ والجمالِ؛   إنما فرحتُك  ستكونُ بتلكَ المشاعرِ الناضرةِ التي  جلَبَتْها ولو كانت وردةً جافةً؛  وذلكَ حينما تنضجُ .

حينما تنضجُ  ستُسعِدُك  سعادةُ وفرحةُ غيرِك،  وتَحمدُ اللهَ أنّ هناك أناساً سعداءُ،  ويكونُ لسانُك داعياً لهم بدَيمومةِ  السعادةِ والفرحِ؛ عندَها  سيَصِلُكَ  الجوابُ  من السماءِ (ولكَ بالمِثلِ) .

ستَفرحُ بوقتِ الفراغِ  النادرِ؛ الذي كنتَ في قِدَمك تتأفّفُ منه؛  بل ترسمُ لذاتِك جَدولةً  لاستثمارِه  في الراحةِ  والاستمتاعِ فيه؛  وذلك حينما تنضجُ .

حينما تنضجُ؛  سيُؤلِمُك  مواقفُ غيرِك  الساقطةُ معك؛ فلن تتحمّلَ أنْ تكونَ   ذبيحاً أو جريحاً  بسكينِ قريبٍ أو بعيدٍ؛  فالقلبُ الموجوعُ حينَها يحتاجُ إلى زمنٍ أطولَ في التداوي  والشفاءِ .

ستَعشقُ المطرَ وصوتَ الريحِ؛  ليس لدِفءِ الجلساتِ العائليةِ؛  والالتفافِ حولَ مَوقدِ نارٍ أو مِدفأةٍ؛   إنما  لذاك الخيرِ الذي سيَلحَقُ بالناسِ  طوالَ العام ِ؛ وذلك حينما تنضجُ.

حينما تنضجُ؛ ستَكثُرُ خبراتُك ومهاراتُك،  ويلجأُ إليكَ الكثيرونَ ليَستدِلّوا بنورِهِما؛   ولكنكَ أنتَ  ستَبقى في حاجةٍ إلى جدارٍ مَتينٍ؛ تسندُ ظهرَك إليه  عندَ حيرتِك و خِياراتِك، وسيَصعُبُ عليك  حينها أنْ تلاقيهِ .

ستَحرِمُ  قلبَك  وذَويكَ  فرحةً  لم تَصِلْ أشِعتُها إلى قلبِ غيرِك،  و يعيشُ  كَدَرُ حرمانِها ، وحريقُ انتظارِها؛  وإنْ سمحتَ لها بوصولِها  إليك؛ ستَعيشُها  بصمتٍ؛  وذلكَ  فقط حينما تنضجُ .

حينما تنضجُ؛  ستخافُ من ذلكَ الجسدِ الذي غادرتْهُ الروحُ؛ لا لخَوفِك  من ملامحِه  التي فقدتْ الحياةَ؛  وإنما لخَشيَتِك  من عاقبةٍ ستَمرُّ بكَ؛ وتكونُ حينَها  جسداً مُسجَى على لوحٍ  خشبيٍّ،  وستسقطُ  عليك علاماتُ الاستفهامِ عن حالِك؛  وعلاماتٌ  أخرى  عن حالِ تلكَ الأعيُنِ  التي ستقتلُها دموعُ الفِراقِ .

ولكي تَصِلَ  روحُك إلى هذا السمُوِّ؛ أَعِدَّ لها الحاضنةَ  المناسبةَ  من الظروفِ  والأشخاصِ؛ حتى لا تتأخّرَ في الوصولِ،  وتفوتَ  سُنُو عمُرِك  نضوجَ رُوحِك .

 

.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى