فلسطينيات

“مسارُ إبراهيمَ الخليل” .. جولاتُ مَشيٍّ سياحيةٌ على دروبِ فلسطينَ التاريخيةِ

أحمد مصطفى – الخليل:

انطلاقاً من الأوديةِ والتلالِ في مدينةِ بيتَ لحمَ؛ ومروراً بالسهولِ والجبالِ في نابلسَ وجنينَ؛ وصولاً إلى مدينةِ الخليلِ جنوبَ الضفةِ الغربيةِ؛ تنطلقُ مجموعاتٌ من الفلسطينيينَ والسائحينَ والنشطاءَ الأجانبِ، لِقطعِ مسافاتٍ طويلٍة مَشياً على الأقدامِ في رحلةٍ سياحيةٍ واستكشافيةٍ؛ للتعرّفِ إلى الطبيعةِ في الأراضي الفلسطينيةِ، واستكشافِ المعالمِ الأثريةِ والتاريخيةِ في المناطقِ التي يصِلونَ إليها، فضلاً عن الانخراطِ مع مختلفِ الفئاتِ في المجتمعِ المَحلي؛ للتعرُّفِ إلى عاداتِ الحياةِ لديهِم من مأكولاتٍ ومشغولاتٍ تراثيةٍ.

جولاتُ المَشي هذه تصلُ إلى ما يقاربُ (400) كيلو متر! وذلك ضِمنَ أنشطةِ مؤسسةِ “مسار إبراهيم الخليل” في الضفةِ الغربيةِ، والتي تجوبُ جميعَ مناطقِ الضفةِ؛ في رحلةٍ تمتدُّ على مدارِ 22)) يوماً متواصلاً، مُتحَدّينَ كلَّ أشكالِ المعاناةِ التي تواجِهُهم بفِعلِ القيودِ الإسرائيليةِ عبرَ الحواجزِ، وحدودِ المستوطناتِ، وبوابةِ جدارِ الفصلِ العنصريّ؛ الذي يمرُّ عبرَ الأراضي الفلسطينيةِ، ويشتّتُ الأهالي فيها.

ومسارُ إبراهيمَ الخليلِ؛ هو نتاجُ فكرةٍ وُلدتْ في عامِ( 2013) بينَ اتحادِ ثلاثِ جمعياتٍ فلسطينيةٍ؛ هي الروزانا، ومركزُ سيراج للدراسات، وجمعيةُ الحياةِ البريّةِ، إذ تهدفُ إلى تطويرِ السياحةِ في فلسطينَ كمشروعٍ سياحيٍّ مجتمعيّ، وبالتحديدِ في الضفةِ الغربيةِ المحتلةِ من أقصى شمالِها إلى جنوبِها، وهي المناطقُ التي يستطيعُ الفلسطينيونَ التحرّكَ فيها؛ لأنّ إسرائيلَ تسيطرُ على ما تَبقَّى منها.

سياحةٌ مجتمعيةٌ

“السعادة” التقتْ مديرَ مؤسسةِ “مسار إبراهيم الخليل” جورج ريشماوي، والذي يوضّحُ أنّ فكرةَ أنشطتِهم هي عبارةٌ عن مسارٍ ثقافيٍّ طويلِ المسافةِ؛ يبلغُ طولُه (330) كيلومتراً؛ إذ يمتدُّ من قريةِ “رمّانة” شمالَ غربِ جنين؛ إلى بيتَ مرسم جنوبَ غربِ المسجدِ الإبراهيميّ في الخليلِ.

يمرُّ المسارُ _بحسبِ ريشماوي_ عبرَ (54) مدينةً وقريةً، حيثُ يمكِنُ للمتجوّلينَ والمُشاةِ والمسافرينَ تَجرِبةَ الضيافةِ الفلسطينيةِ الأصيلةِ؛ لينتهي المسارُ بقريةِ بيت مرسم؛ حيثُ يتمُ الاحتفالُ بانتهاءِ المسارِ في كلِّ جولةِ مَشيٍّ كاملةٍ تصلُ إلى ثلاثةِ أسابيعَ متواصلةٍ.

يقولُ مديرُ مؤسسةِ مسار إبراهيم الخليل:” أنشطتُنا هي ضِمنُ السياحةِ المجتمعيةِ، التي تهدفُ إلى دعمِ المجتمعِ المَحليّ بشكلٍ عام، والمجتمعاتِ الرّيفيةِ المُهمَشةِ بشكلٍ خاص؛ من خلالِ دعوةِ السياحِ لزيارةِ هذه المجتمعاتِ، والسيرِ بمجموعاتٍ صغيرةٍ في قرى فلسطينَ؛ لإتاحةِ الفرصةِ لاكتشافِ الطبيعةِ الخلّابةِ، والتاريخِ، والتراثِ الثقافي، وكذلك الأكلاتِ الشعبيةِ”.

ويشيرُ إلى أنّ “مسار إبراهيم” هو أكثرُ من مجردِ مسارِ مشيٍّ لمسافاتٍ طويلةٍ؛ فهو يُعدُّ وسيلةً للالتقاءِ، وخَلقِ علاقاتٍ مع الفلسطينيينَ والمتجولينَ من جميعِ أنحاءِ العالمِ؛ وذلك من خلالِ استضافةِ المشاركينَ داخلَ منازلِ المجتمعاتِ المحليةِ، لإنشاءِ صداقاتٍ دائمةٍ بينَ الفلسطينيينَ والأجانبِ، في إطارِ تجربةِ تنوُّعِ الثقافاتِ.

يهدفُ القائمونَ على “مسار إبراهيم الخليل” إلى فتحِ بابٍ جديدٍ من أنواعِ السياحةِ المجتمعيةِ؛ الذي يعودُ بالفائدةِ على المجتمعِ الفلسطينيّ، وتحقيقِ المنفعةِ الاقتصاديةِ بكُل أشكالِها، وليس فقط الاكتفاءُ ببرنامجِ السياحةِ الذي تُحدّدُه شروطُ سلطاتِ الاحتلالِ، على أساسِ زيارةِ أماكنَ دينيةٍ فقط في الضفةِ الغربيةِ المحتلةِ.

يشيرُ “ريشماوي” إلى أنّ عددَ المشاركينَ في أنشطةِ مسار إبراهيم الخليل هو (10) آلافِ مشاركٍ من المجتمعِ المَحلّي والنشطاءِ والأجانبِ، مُبيّناً أنّ المسارَ مفتوحٌ للجميعِ طوالَ العامِ، وينطوي على جميعِ الخدماتِ من أدِلّاءَ مَحليّينَ، وغيرِها من الإرشاداتِ، إضافةً إلى أماكنَ للإقامةِ، حيثُ يمكنُ للمتجوّلينَ الاستمتاعُ بحُسنِ الضيافةِ الفلسطينيةِ .

يتابعُ مديرُ مؤسسةِ إبراهيم الخليل:”نجَهّزُ كلَّ الإمكاناتِ من تحديدِ الطريقِ، وتعليمِها، وتزويدِها بإشاراتٍ ولوحاتٍ معلوماتيةٍ، وإصدارِ الخرائطِ الخاصةِ بها، والذي يُعَدُّ جزءاً من تأسيسِ البنيةِ التحتيةِ للمسارِ؛ ما يسهّلُ على المتجولِ، ويعطيهِ الطمأنينةَ”.

طرُقُ المستوطناتِ

وفيما يتعلّقُ بخطِّ المسارِ الذي يمرُّ بالقربِ من حدودِ المستوطناتِ، يقولُ ريمشاوي:” يتمُ إعلامُ المشاركينَ قبلَ البدءِ بالجولةِ بأنّ المسارَ سيَمُرُّ بالمناطقِ التابعةِ للسيطرةِ الإسرائيليةِ، والتي تمثلُ جزءاً من الأراضي التي يمرُّ بها المسارُ، بدءاً من الشمالِ إلى الجنوبِ، فبعضُ هذه المناطقِ توجدُ فيها مجتمعاتٌ بدويةٌ تعكسُ أنماطَ الحياةِ الفلسطينيةِ المختلفةِ، التي يسلَّطُ الضوءُ عليها من خلالِ مسارِ إبراهيم؛ لجلبِ السيّاحِ إلى هذه المناطقِ”.

ويضيفُ”: وجودُ المسارِ في هذه المناطقِ يعطيها الحيويةَ، بعدَ تركِ أهلِها لها بسببِ ممارساتِ وضغوطِ إسرائيلَ؛ لذلك نشجّعُ المشاركينَ على الوجودِ والسيرِ فيها؛ لأنها جزءٌ لا يتجزأُ من أراضي فلسطينَ التاريخيةِ”.

الأجانبُ يشاركونَ

يشاركُ في المساراتِ سائحونَ أجانبُ، ومَحليونَ فلسطينيون، إذ تقومُ الفكرةُ العامةُ لأنشطةِ المسارِ على خلطِ الأجانبِ مع الناسِ المَحليينَ، والتناولِ من طعامِهم، كي تخلقَ الفرصةَ والمنفعةَ الاقتصاديةَ للناسِ.

وفي هذا الإطارِ التقتْ “السعادة” أميرة جابر؛ إحدى الموظفينَ والمشاركينَ في جولاتِ المسارِ السياحيةِ، تقولُ:” فضلاً عن تشجيعِ السياحةِ في فلسطينَ، وتطويرِها، يمكنُ لكُل المشاركينَ في المسارِ، خصوصاً السائحينَ الأجانبَ، أنْ يَلمسوا المعاناةَ الفلسطينيةَ من خلالِ زيارةِ مناطقَ عِدّة، والتعرّفِ إلى ما يفرضُه الاحتلالُ الإسرائيلي من معاناةٍ على الفلسطينيينَ، وقتلِ الحياةِ هناك من خلالِ الحواجزِ، وجدارِ الفصلِ العنصري، والمستوطناتِ، والطرُقِ الالتفافيةِ، وغيرِها من مقوّماتِ الحياةِ الأساسيةِ الفقيرةِ، بفعلِ سيطرةِ الاحتلالِ الإسرائيلي”.

تضيفُ :” إنّ النشطاءَ الأجانبَ يستمتعونَ بهذه الجولاتِ، وبجمالِ الطبيعةِ، والتعرّفِ إلى عاداتِ الفلسطينيينَ، ومشاركتِهم لهم في إعدادِ وتناولِ المأكولاتِ التراثيةِ، وهذا ما يظهرُ على انطباعاتِهم الشخصيةِ، وملامحِ وجوهِهم، وما تعكِسُه ردودُهم وكتابتُهم التي تُظهِرُ مدَى تأثيرِ هذه التجربةِ على حياتِهم، ونظرتِهم للشعبِ الفلسطينيّ وقضيتِه”.

وتوضّحُ المشارِكةُ في جولاتِ المسارِ أنّ استقطابَ النشطاءِ الأجانبِ للمشاركةِ في جولاتِ المسارِ؛ يتمُ من خلالِ الترويجِ له دولياً، أثناءَ المشاركةِ في معارضَ ومؤتمراتٍ سياحيةٍ، إضافةً إلى فتحِ الفرصةِ أمامَ الأجانبِ الموجودينَ في الأراضي الفلسطينيةِ.

وتشيرُ “جابر” إلى أنّ النشطاءَ الأجانبَ المشاركينَ في أنشطةِ المسارِ، يدعمونَ الوجودَ الفلسطينيَّ بالمشاركةِ في السيرِ معه في المناطقِ التي تخضعُ لسيطرةِ إسرائيل؛ ما يُسهّلُ مرورَهم في الأراضي المجاورةِ للمستوطناتِ، وصولاً إلى أراضيهم ومنازلِهم، خصوصاً في المناطقِ البدويةِ في تلك المناطقِ.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى