“الفَضفَضة” على مواقعِ التواصلِ؛ هل تُغني أو تُسمِنُ من جوعٍ؟

لا تكادُ تَدخلُ مجتمعَ غزةَ الأزرقِ؛ إلا ويُصادفُك مئاتُ “البوستات” والتعليقاتِ التي تُصنّفُها عيناكَ على أنها خصوصيةٌ شخصيةٌ؛ كتبَتْها بالعادةِ امرأةٌ من بابِ ” الفضفضةِ الإلكترونيةِ “؛ والتي انتشرتْ في الآوِنةِ الأخيرةِ على شبكاتِ التواصلِ الاجتماعي بمجموعاتِها النسائيةِ المغلَقةِ .
لا اختلافَ أنّ هذه الفضفضةَ_ وإنْ كانت عابرةً_ فإنها تكشِفُ الكثيرَ من تفاصيلِ الحياةِ اليوميةِ لنساءِ القطاعِ؛ وفى بعضِ المرّاتِ تكشفُ أسرارَ البيوتِ، وبعضَ الأمورِ الخاصةِ، والمشاكلِ الأسريةِ وما يتعلقُ بالحياةِ الزوجيةِ، فما هو الهدفُ من هذه الفضفضةِ؟ وهل هناك حلولٌ تدفعُ النساءَ لطرحِ قضاياها على الآخِرينَ؟ وهل فعلاً تستفيدُ النساءُ من تجاربِ الأُخرياتِ، أَم أنّ الأمرَ برُمّتِه “فضفضة” ووقتُ فراغٍ، وجهلٌ نسائي، وسوءُ استخدامِ للتكنولوجيا .
“وردة ضبان” مديرةُ مركزِ learn to be)) للتدريبِ والتطويرِ، تقولُ ” أنا ضدُّ “الفضفضة” داخلَ المجموعاتِ المغلَقةِ؛ فهي غيرُ مفيدةٍ، ومَضيَعةٌ للوقتِ؛ خصوصاً أنها تَجمعُ أشخاصاً بأشكالٍ وألوانٍ وأذواقٍ وأنماطِ تربيةٍ مختلفةٍ؛ وهذا يعني أنّ الحلَّ الذي قد تَطرحُه أحداهُنَّ على مشكلتي لا يفيدُ؛ فعلى سبيلِ المثالِ هي تعيشُ في “دُبي”؛ بينما أنا أعيشُ في غزةَ المحاصَرةِ.
وتضيفُ: هناك بعضُ “الفضفضة” التي يمكنُ استيعابُها؛ إذا كانت في الإطارِ العام، ولا تتعرضُ للحياةِ الزوجيةِ وتفاصيلِها؛ لاسيّما إذا أخذْنا بعَينِ الاعتبارِ أنّ المجموعاتِ النسائيةَ هي في الغالبِ مُخترَقةٌ من رجالٍ عَديمي الأخلاقِ؛ من الممكنِ أنْ يستغِلّوا هذه المعلوماتِ من أجلِ ابتزازِ النساءِ أو “عَكنَنَةِ” حياتِهنَّ ببعضِ المشاكلِ والتطَفُلِ.
وتتابعُ “ضبان”: أعتقدُ أنّ السببَ الذي يدفعُ النساءَ إلى هذا السلوكِ؛ هو وقتُ الفراغِ والجهلِ باستخدامِ التكنولوجيا بشكلٍ مفيدٍ يطوّرُ من قدراتِها وممتلكاتِها، وجميعُنا نعرفُ أننا لدَينا أصدقاءً حقيقيّينَ قادرونَ على أنْ نمارسَ معهم “الفضفضة” بشكلِها الحقيقِ، ونطلبَ مشورتَهم وآراءَهم، فنحن مجتمعٌ مترابطٌ ومتواصلٌ.
أمّا “زهرة ثابت الغصين” أستاذُ تربيةِ أطفالٍ، فتقولُ: ” أنا لا أثِقُ مُطلقاً بالعالَمِ الافتراضي ، فكيف أُفضفِضُ داخلَ المجموعاتِ؛ حتى وإنْ كانت مغلَقةً! وخصوصاً في المشاكلِ الأسريةِ والاجتماعيةِ في ظِلِّ انعدامِ الثقةِ فيها ، فنحن لا نعرفُ الهدفَ من الفضفضةِ ومع أشخاصٍ وَهميّينَ، و نفضحُ أنفُسَنا ونكشفُ أسرارَنا ” .
وتضيفُ “زهرة” : ” إنّ المجموعاتِ المغلقةَ ذاتُ طابَعٍ نسائيّ يغلبُ عليه عنصرُ الكُرهِ و الغيرةِ والتنافسِ، والضغائنِ، ونصبِ المكائدِ ، و إثارةِ المشاكلِ من خلالِ كلامٍ غيرِ مُتّزِنٍ “.
وتتابعُ: ” قد تُسببُ الفضفضةُ مشاكلَ و عواقبَ وخيمةً للشخصِ الذي يُفشي أسرارَ بيتِه، و يتحدثُ بأمورِه الخاصةِ؛ خصوصاً لو تمَّ توجيهُ الانتقادِ اللاذعِ له من أشخاصٍ وهميّينَ؛ إضافةً إلي التعليقاتِ الجارحةِ التي قد تُسبّبُ له مشاكلَ نفسيةً واجتماعيةً؛ هو في غِنَى عنها منذُ البدايةِ ” .
أمّا الناشطةُ الإعلاميةُ “نسمة النزلي” تقولُ: ” بشكلٍ عام الفضفضةُ الإلكترونيةُ ما هي إلّا كشفٌ لخبايا اجتماعيةٍ أو فضائحَ إلكترونيةٍ _إنْ صحَّ التعبيرُ_ ” .
وتشيرُ النزلي: ” في الآوِنةِ الأخيرةِ بدأتْ بعضُ المشارِكاتِ يستخدِمنَ المواقعَ بطريقةٍ مُخِلّةٍ بالعاداتِ والتقاليدِ ، و من وِجهةِ نظري كإعلاميةِ أرفضُها بشكلٍ تامٍّ؛ حيثُ بدأتْ بعضَ النساءِ تَعرضُ خصوصياتِها بشكلٍ عام على هذه المجموعاتِ!! فعَلى سبيلِ، المثالِ إحداهُنّ في ذاتِ مرّةٍ عرضتْ بعضَ المشاكلِ النسويةِ التي تعاني منها كامرأةٍ في بدايةِ حملِها! وثانيةٌ عرضتْ مشاكلَها مع زوجِها وحماتِها! وأخرى عرضتْ خيانةَ زوجِها! بل وتَعدّتْ المشارِكاتُ إلى نشرِ بعضِ الملابسِ التي ترتديها النساءُ في بيتِها كوسيلةٍ للترفيهِ! مضيفةً أنّ هذا مُخِلٌّ بالأدابِ والعاداتِ والتقاليدِ والمبادئِ الدينيةِ، ومُنافٍ لتعاليمِ الإسلامِ .
في حين تؤيدُ “شيماء العشي” الفضفضةَ عبرَ مواقعِ التواصلِ الاجتماعي وتقولُ: “أنا _كامرأةٍ مُغتربةٍ_ أعاني الأمَرَّينِ في التأقلُمِ ومواجهةِ المشاكلِ الحياتيةِ، وكثيراً ما تساعدُني الصديقاتُ _عبرَ مواقعِ التواصلِ الاجتماعي_ في الوصولِ إلى حلولٍ، بَيدَ أنّ الأمرَ يتوقفُ على نوعِ الأسئلةِ والاستشاراتِ التي تطرحُها النساءُ، وأعتقدُ أنّ الذكاءَ الاجتماعي لأيِّ امرأةٍ؛ يساعدُها على تجاوزِ الوقوعِ في مشاكلَ جرّاءَ ما تمارِسُه من فضفضةٍ إلكترونيةٍ.
من جهتِه يقولُ الدكتور “حاتم بدر الأدغم” الاختصاصي الاجتماعي والنفسي: “المرأةُ الشرقيةُ تعيشُ في مجتمعٍ مَحمومٍ بالعاداتِ والتقاليدِ، بالإضافةِ إلى الثقافةِ الموروثةِ، وحُكمِ الرجلِ والسلطةِ الأبويةِ التي عايشَتْها في طفولتِها المبكرةِ؛ وهي من أهمِّ فتراتِ العُمرِ؛ حيثُ تتشكّلُ خلالَها الشخصيةُ “.
ويضيفُ: ” الفضفضةُ جزءٌ من العلاجِ النفسي؛ إذا كان أمامَ مختصٍّ في الإرشادِ والتوجيهِ النفسيّ؛ أمّا إذا كان من خلالِ ما يُسمّى (بالجروبات المغلقة)؛ فلا أعتقدُ أنها تُثمِرُ على الإطلاقِ؛ وإنما على العكسِ تماماً؛ فقد تزيدُ من الأزمةِ النفسيةِ التي تعايِشُها المرأةُ صاحبةُ المشكلةِ، فضلاً عن التقييماتِ الخاطئةِ بينَ المشاكلِ المطروحةِ، فقد تُقارِنُ إحداهُنّ نفسَها بالأُخرياتِ؛ فتَجدُ أنّ مشكلتَها أكثرُ تعقيداً؛ ولا يمكنُ حلُّها؛ ما يرفعُ من وتيرةِ الصراعاتِ النفسيةِ الداخليةِ بينَ “الهُو، والأنا”، وبينَ الأنا، والأنا الأعلى “.
ووجّهَ د. “حاتم” بعضَ الإرشاداتِ_ لمَن تعاني من مشاكلَ نفسيةٍ وضغوطاتِ الحياةِ، أو ما يسمّى بالأمراضِ العصبيةِ_ أنْ تذهبَ للأخصائي النفسي؛ وتطلبَ المساعدةَ، وأنْ تتعلّمَ كيف تعزّزُ ثِقتَها بنفسِها من خلالِ المطالَعةِ، وتتحلّى بالشجاعةِ، وتحاورُ الخصمَ _مَهما كان_ بطريقةِ توجيهِ الأسئلةِ؛ حتى تصلَ إلى حلٍّ لمشكلتِها، و أنْ تكونَ بالفعلِ قادرةً علي تحديدِ مشكلتِها الأساسيةِ، ووصفِها وصفاً دقيقاً؛ ما يساهمُ بحلِّها نهائياً لا بزيادةِ تعقيداتِها .
أمّا النساءُ اللواتي يبحثنَ عن حلولٍ سريعةٍ من خلالِ الآخَرينَ، فبإمكانِكِ البحثُ عن ذلكَ عبرَ الشبكةِ العنكبوتيةِ؛ وستَجدينَ أُخرياتٍ قد طلبنَ المشورةَ قبلَكِ ؛ وبالتالي توَفّرينَ على نفسِك عناءَ سماعِ الآخَرينَ وتعليقاتِهم ، وكذلكَ تتحاشينَ ذِكرَ تفاصيلِ حياتِك لأشخاصٍ غيرِ معروفينَ.