دُورُ أزياءٍ بلَمساتٍ فلسطينيةٍ تُحاكي العصرَ

ينافسُ المستورَدَ والجاهزَ
دُورُ أزياءٍ بلَمساتٍ فلسطينيةٍ تُحاكي العصرَ
تحقيق : ميادة حبوب
قِطعٌ من القماشِ؛ تمَّ اختيارُ ألوانِها وخاماتِها بفنٍّ وذوقٍ.. وتُقَصُّ إلى أجزاءٍ بدِقّةٍ وحِرفيةٍ؛ ليُعادَ تركيبُها وحياكتُها بإبداعٍ وإتقانٍ.. ويُضافَ عليها لمساتٌ وتفاصيلُ تعطيها زَخماً وغِنىً لتنتجَ قطعةً فريدةً لا مثيلَ لها ..! قطعةٌ تنافسُ الجاهزَ المستورَدَ .. قطعةٌ تناسبُ صاحبَها؛ وتتماشَى مع ذوقِه ورغباتِه؛ وتتطابقُ مع مقاسِه مَهما كبِرَ.. قطعةٌ يضعُ فيها صانُعها الكثيرَ من روحِه وذوقِه وخبرتِه ..إنه تصميمُ الأزياءِ الذي انتشرَ في قطاعِ غزةَ في الآوِنةِ الأخيرةِ. حاورتْ “السعادة” مجموعةً من المُصمِّمينَ؛ للتعرُّفِ على تفاصيلِ هذا النوعِ من التصميمِ.
إنّ تصميمَ الأزياءِ من المُصطلحاتِ التي دخلتْ القطاعَ حديثاً؛ ولم ينتشرْ إلّا بانتشارِ العَولمةِ والانفتاحِ؛ الذي نقلتْهُ الدولُ الغربيةُ التي تشتهرُ بهذا النوعِ من التصميمِ؛ ولكنه لم يُنقَلْ بشكلٍ حِرفيٍّ؛ بل تمَّ مَزْجُ العاداتِ والتقاليدِ وحِشمةِ الدّينِ الإسلامي بخطوطِ الموضةِ العالميةِ؛ لتتناسبَ مع أخلاقياتِ المجتمعِ الغزي؛ وتَدمجَ أصالةَ الماضي بحداثةِ الحاضرِ؛ وتُدخِلَ من روحِ التراثِ الفلسطينيّ فتصبحَ بصمةً.
فنٌّ أَم علمٌ؟:
توضّحُ المهندسةُ “منار البنّا” _مُصمّمةُ أزياءٍ؛ وصاحبةُ مشروعِ (ميكس فاشن)_ بأنّ تصميمَ الأزياءِ مزيجٌ بينَ العلمِ والفنِّ؛ فهو يتطلبُ دراسةً كغَيرِه من علومِ التصميمِ؛ كالهندسةِ، والديكورِ، وتصميمِ الإعلاناتِ، وتصميمِ “الجرافيك”؛ فكلٌّ له أدواتُه الخاصةُ؛ ولا بدَّ من معرفةِ طرُقِ استخدامِ هذه الأدواتِ، واكتسابِ الخبرةِ في استخدامِها، وإتقانِ قواعدِ ومبادئِ التصميمِ؛ ثُم يأتي دَورُ الحِسِّ الفنيّ والذوقِ؛ بل وحتى الفنونِ المعروفةِ يجبُ أنْ تُدرّسَ؛ فعلى سبيلِ المِثالِ عندما نَوَدُّ تنسيقَ الألوانِ لفستانٍ مُعيّنٍ؛ وعلى الرغمِ من أننا نعتمدُ على الذوقِ بشكلٍ تلقائيّ؛ إلّا أنّ للعِلمَ قواعدَه في اختيارِ الألوانِ؛ وتناسُقِها وِفقَ ما يسمَّى بعَجلةِ الألوانِ؛ ونفسُ الفكرة تُطبَّقُ على اختيارِ الخاماتِ والإكسسوارِ والإضافاتِ.
ترَى مُصمِّمةُ الأزياءِ “نرمين الدمياطي” _صاحبةُ مشروعِ (فايول مودا)_ بأنّ الذوقَ شيءٌ نِسبيّ؛ فما أراهُ جميلاً يُمكِنُ أنْ يراهُ غيري عادياً أو قبيحاً؛ لذلك كلّما ربطْنا الفنَّ والذوقَ بالعلمِ؛ استطَعْنا إقناعَ الزبونِ بجمالِ القطعةِ المُصمَّمةِ، وبالنسبةِ لتصميمِ الملابسِ؛ هناكَ أمورٌ لابدَّ من تَعلُّمِها وممارستِها حتى تُتْقَنَ؛ مِثلَ الغُرزِ وأنواعِها، وأنواعِ (الباترون)، وأنواعِ الأقمشةِ، واستخداماتِ كلِّ نوعٍ، ومدَى ملاءَمةِ الأنواعِ مع بعضِها البعضِ، ومدَى ملاءَمتِها مع الموديلِ المُرادِ تفصيلُه، كما أنّ طريقةَ تركيبِ الأجزاءِ معاً وتجميعِها؛ تحتاجُ مجموعةً من الحساباتِ الدقيقةِ، وأغلبُ هذه الأمورِ تحتاجُ إلى خبرةٍ وممارسةٍ وعلمٍ لإتقانِها، كما أنّ التصميمَ بشكلٍ عامٍّ علمٌ متجدّدٌ، ومتطوّرٌ، ولا حدودَ له.
بَصمةٌ وشَغفٌ :
يُعَدُّ تصميمُ الأزياءِ بصمةً خاصةً لكُلٍّ من المُصمِّمِ والزبونِ، وتوضّحُ العشرينية “سناء الحاج” _إحدى الزبائنِ الدائمينَ للتصميمِ المَحليّ_ بأنّ تصميمَ الأزياءِ يُعَدُّ عملاً خاصاً بالنسبةِ للمُصمِّمِ؛ فهو يضعُ لمساتِه الخاصةَ وإبداعَه وذوقَه في القطعةِ؛ ويكونُ ذلكَ وِفقَ ما يتماشَى مع متطلّباتِ الزبونِ ورغباتِه؛ حيثُ تُعدُّ القطعةُ المصمَّمةُ بصمةً خاصةً بالنسبةِ للزبونِ أيضاً؛ وقطعةً مميّزةً لا مثيلَ لها في السوقِ الجاهزِ؛ وبالتالي يتميّزُ الزبونُ بما يرتدي؛ ويتفرّدُ عن غيرِه؛ كما أنه يجدُ مقاسَه مَهما كبرَ، ويجدُ الموديلَ الذي يُخبّئُ عيوبَ جسمِه مَهما كانت.
تتحدثُ م.”البنا” عن شغفِها بتصميمِ الأزياءِ قائلةً: “طالَما كان تصميمُ الأزياءِ شغفاً بالنسبةِ لي منذُ الطفولةِ؛ حيثُ كنتُ أرسمُ خربشاتٍ لملابسَ وأزياءٍ تَخصُّ دُميتي؛ وعندما كبرتُ اخترتُ تخصُّصاً قريباً من هذا الشغفِ؛ وهو تخصُّصُ الهندسةِ المعماريةِ؛ حيثُ أنها تحتوي على الكثيرِ من الخيالِ والابتكارِ؛ وفيها التصميمُ واختيارُ الألوانِ والخاماتِ؛ ولكنّ تصميمَ الأزياءِ يختلفُ في تفاصيلِه عن الهندسةِ المعماريةِ؛ ما فرضَ عليَّ مجموعةً من الدوراتِ الفنيةِ في الحياكةِ، وفي التقنياتِ والبرامجِ المختلفةِ لتصميمِ الأزياءِ”.
روحُ التراثِ :
ترى الخمسينيةُ “باسمة زاهر” _إحدى المؤمناتِ بتصميمِ الأزياءِ مَحلياً_ أنّ مجتمعَنا الغزيَّ مجتمعٌ محافظٌ؛ يحاولُ دائماً ربْطَ الأشياءِ بتراثِه الفلسطينيّ المليءِ بالتفاصيلِ الجميلةِ؛ خصوصاً فيما يتعلقُ بالأزياءِ؛ فالثوبُ الفلسطينيّ _لوَحدِه_ بأنواعِه وقصّاتِه، ونقلاتِ التطريزِ الفلاحيّ؛ كلُّها غنيةٌ بالكثيرِ الكثيرِ من الجمالياتِ التي يمكنُ استخدامُها في تصميمِ الأزياءِ، ودمجِ خطوطِ الموضةِ الحديثةِ بأصالةِ الماضي، وعراقةِ التراثِ الفلسطينيّ، مع المحافظةِ على عاداتِ وتقاليدِ المجتمعِ، وحِشمةِ الدِّينِ الإسلاميّ.
قَبولٌ وإقبالٌ :
لقد انتشرتْ في الآوِنةِ الأخيرةِ تصاميمُ الأزياءِ، وتُعزي م. “البنا” سببَ هذا الانتشارِ حديثاً إلى مواقعِ التواصلِ الاجتماعيّ والإنترنت، والانفتاحِ على العالمِ العربيّ والغربيّ، فباتت الفتياتُ يتابِعنَ آخِرَ صيحاتِ الموضةِ في كلِّ موسمٍ؛ ولكنهنَّ في المقابلِ لا يجِدْنَ هذه الصيحاتِ في السوقِ الغزي؛ فيلجأنَ إلى مصمِّماتِ الأزياءِ لتفصيلِ ما يجولُ في خواطرِهنَّ، ومن الجديرِ بالذّكرِ أنّ الجامعاتِ أصبحتْ تدرّسُ هذا التخصُّصَ كعِلمٍ وفنٍّ؛ ما أدّى إلى انتشارِ الوعيِّ والنضجِ في المجتمعِ تُجاهَ تصميمِ الأزياءِ؛ بل وأصبحَ يعترفُ به كمجالٍ ذي مستوى عالٍ، وباتوا واعينَ إلى أنّ خرّيجةَ هذا التخصّصِ مُصمِّمةُ أزياءٍ؛ وليست مُجرَدَ “خياطة” على عكسِ ما كان سابقاً، وتؤكّدُ “الدمياطي” بأنّ الصورةَ الذهنيةَ الحاليةَ عن تصميمِ الأزياءِ كانت مفقودةً في المجتمعِ الغزيّ قبلَ (4) سنواتٍ من الآن، وقد بدأتْ الكلياتُ والجامعاتُ والمعاهدُ تُولي هذا التخصُّصَ اهتماماً أكبرَ من حيثُ المنهجِ الذي يُدرّسُ، ونظامِ التدريبِ والتطبيقِ العملي، واستخدامِ البرامجِ والأدواتِ الحديثةِ التي تُستخدمُ في التصميمِ، وأصبحتْ تُخرِّجُ أفواجاً من مصمِّماتِ الأزياءِ المدرَّباتِ والجاهزاتِ للانغماسِ في سوقِ العملِ، ولم يَعُدْ مصطلحُ “الخياطة” هو المصطلحُ الدارجُ كما في السابقِ.
ممّا لا شكَّ فيه، أنّ الصعوباتِ تحيطُ بكُلِّ المشاريعِ في قطاعِ غزةَ؛ نتيجةَ الحصارِ، وانقطاعِ التيارِ الكهربائي، وترى م. “البنا” بأنّ إغلاقَ المعابرِ، وقلّةَ دخولِ بعضِ الخاماتِ؛ هي من أكبرِ المشاكلِ التي تواجِهُ هذه المهنةَ، بالإضافةِ للوضعِ الاقتصادي المُترَدّي للمواطنِ الغزي؛ الناتجِ عن تقليصِ الرواتبِ؛ ما كان له أكبرُ الأثرِ على مشاريعِ الناشئةِ. وتضيفُ “الدمياطي” إلى هذه المعوّقاتِ قائلةً: “وكذلك هناك معوِّقاتٌ على الصعيدِ الشخصي للمُصمِّم؛ فهو يحتاجُ لصَقلِ خبراتِه بالاطّلاعِ على التقدّمِ الحاصلِ في عملِه؛ وذلك من خلالِ السفرِ للدولِ التي تشتهرُ بتصميمِ الأزياءِ، وجلْبِ برامجَ جديدةٍ وأدواتٍ حديثةٍ تُستخدمُ في التصميمِ؛ لم تصِلْ إلى قطاعِ غزةَ بعدُ، ولكنْ يبقَى الأملُ والعزيمةُ والإصرارُ هي خِيارَنا لتَكمِلةِ المشوارِ، وللوصولِ إلى العالميةٍ في يومٍ من الأيامِ”.