وجودُ المرأةِ في الدراما المَحليةِ بينَ المطلوبِ والمحظورِ والتمَنّي

أدوارٌ هشّةٌ ومُهَمّشةٌ
لا اختلافَ أنّ حضورَ المرأةِ في عَجلةِ الدراما الفلسطينيّةِ؛ أمرٌ لافتٌ ومثيرٌ في ظِلِّ منظومةِ المجتمعِ المُنغلقِ، بَيْدَ أنّ الغالبيةَ العُظمى ترى أنّ حجمَ تواجدِها وأدوارِها غيرُ متوازنٍ مع واقعِها ودورِها الحقيقِ على الأرضِ، وأنّ ما يُسنَدُ إليها من أدوارٍ هشٌّ وغيرُ متكافئٍ.
“السعادة” غاصتْ هذه المرةَ في تجاربِ كُتّابِ السيناريو؛ للبحثَ عن الأسبابِ وراءَ إغفالِ جهدِ المرأةِ في الدراما المَحليةِ، ومحاولةِ البحثِ عن أُسسِ القصورِ في إيجادِ أدوارٍ حقيقةٍ للمرأةِ في الدراما المَحليةِ؛ تتساوَى ودورَها الحقيقَ في معركةِ البناءِ والتحريرِ.
“أحمد داوود” كاتبُ سيناريو، يقولُ لـ”السعادة”: إنّ نسبةَ تواجدِ المرأةِ في الدراما ضعيفةٌ بالمُقارنةِ مع دورِها في المجتمعِ؛ أمّا في أعمالِنا فهي تكميليةٌ وليست أساسيةً؛ وينبعُ ذلك من خوفِ القائمينَ على الإنتاجِ من التعرّضِ لبعضِ محظوراتِ الثقافةِ المجتمعيةِ.
العوائقُ الماديةُ و البشريةُ
ويضيفُ: هناك الكثيرُ من العوائقِ الماديةِ و البشريةِ؛ تعيقُ من تطوّرِ الدراما؛ أهمُّها شُحُّ المالِ الذي يوجَّهُ لإنتاجِها، و افتقارٌ للكوادرِ البشريةِ المطوّرةِ سواءٌ كانت في الكتابةِ أو التصويرِ أو الإنتاجِ أو المعالجةِ أو التمثيلِ أو إدارةِ الإنتاجِ؛ بالإضافةِ إلى عدمِ وجودِ مدينةِ إنتاجٍ، ومرجعيةٍ تمثيليةٍ، فكُلٌّ يغني على ليلاهُ، والقدراتُ كثيرةٌ ومهدورةٌ.
في حين يقولُ “سليمان أبو سِتّة” كاتبُ مسلسلِ “الروح”؛ الذي أنتجتْهُ فضائيةُ الأقصى:” إنّ الدراما الفلسطينيةَ ما زالت ضعيفةً بشكلٍ عام، ومن الطبيعي أنْ يكونَ دورُ المرأةِ فيها ضعيفاً؛ ليس لكونِها امرأةً، أو لأنّ النساءَ يرفضنَ العملَ في الدراما؛ بقَدْرِ انعدامِ البيئةِ التي تصنعُ كوادرَ فنيةً.
تبديلُ دورٍ مَركزي
ويرى “أبو سِتة” أنّ الدراما الفلسطينيةَ ما زالت ناشئةً؛ ولا يمكنُ الحُكمُ على مستوى تغطيتِها لدورِ المرأةِ بشكلٍ دقيقٍ، ولكنْ أعتقدُ أنّ المسلسلاتِ الأخيرةَ أعطتْ المرأةَ دوراً جيداً، رُبما يحتاجُ إلى مزيدٍ من التطويرِ على مستوى النصوصِ والكوادرِ النسائيةِ.
كاشفاً لـ”السعادة” أنه اضّطرَ أثناء إنتاجِ مسلسلِ “الروح” لتبديلِ دورٍ مركزيٍّ جداً لإحدى النساءِ برجلٍ؛ لعدمِ وجودِ سيدةٍ تؤدي الدورَ بالشكلِ المطلوبِ .
من جهتِها ترى “تسنيم المحروق” الإعلاميةُ والكاتبةُ أنّ المرأةَ فرضتْ نفسَها كوجودٍ مؤثّرٍ وفعالٍ، وهي العنصرُ الأساسُ للعملِ الدرامي، وركيزةُ القصةِ والسيناريو، ونسبةُ تواجدِها في التمثيلِ جيدةٌ مقارَنةً بحداثةِ التجربةِ، وانعدامِ المعاهدِ، وتواضعِ الموهبةِ، وانغلاقِ المجتمعِ ومحافظتِه.
متواضعةٌ ومحدودةٌ
وترى “المحروق” أنه ليس هناك إغفالٌ لدورِ المرأةِ في الدراما إطلاقاً! فالأعمالُ الدراميةُ تتّجِهُ بقوةٍ نحوَ تعزيزِ وجودِها الموجودِ أصلاً، وتنميتِه وتطويرِه.
لكنّ الصعوبةَ تَكمنُ في وجودِها خلفَ الكواليسِ؛ ويرجعُ ذلك لتعقيدِ المَهامِّ التي تقومُ بها، وتشَعُبِ التفاصيلِ، وتمدُّدِ فريقِ العملِ، وتداخُلِ المراحلِ.
وهذا يتطلبُ قدْراً كبيراً من التركيزِ والوقتِ والتعبِ والتواصلِ، والحقيقةُ هناك توَجُّهٌ كبيرٌ لإشراكِ المرأةِ في مراحلِ العملِ الدرامي؛ لِما تتميّزُ به من دقّةِ الملاحظةِ، والاهتمامِ بالتفاصيلِ، واللمسةِ الإنسانيةِ والشعوريةِ.
وتستدركُ: إنّ هناك الكثيرَ من العوائقِ، كنقصِ التدريبِ والتعليمِ الخارجي، و نقصِ الخبرةِ والكفاءةِ نسبياً، إضافةً إلى قلّةِ الأدواتِ والمُعدّاتِ، وضعفِ الإمكاناتِ، ومحدوديةِ مساحةِ القطاعِ والأشخاصِ فيه، ويختصُ مجالُ الدراما بعوائقَ خاصةٍ أهمُّها؛ عدمُ وجودِ مَعاهدَ تعليمٍ لأيٍّ من مراحلِ العملِ الدرامي، بدءاً من كتابةِ السيناريو، حتى تصميمِ مواقعِ التصويرِ، فضلاً عن التمثيلِ والمؤثراتِ البصريةِ والإخراجِ، وغيرِها من المَهام التي وصلَ العالمُ فيها إلى مراحلَ خرافيةٍ .
سُكّرُ الحياةِ، ومِلحُ الدراما
في حين يختلفُ الكاتبُ “أحمد عيسى” مع “المحروق”؛ ويرَى أنّ أدوارَ المرأةِ قليلةٌ جداً، و تابعةٌ وتكميليةٌ، وهذا لا يتناسبُ مع دورِها، فهي الحاضنةُ للعملِ المقاومِ، و المربّيةُ ،والمقاوِمةُ… فمثلاً لم نجدْ من يروي لنا –درامياً- قصةَ “دلال المغربي” أو “أم نضال فرحات”، ولم نجدْ بطولةً مُطلَقةً للمرأةِ في أيِّ عملٍ مَحلّي، وفي الحقيقةِ أنه يتمُ الاستعانةُ بالمرأةِ على مَضَضٍ.
ويضيفُ: المرأةُ سُكّر الحياةِ، وملحُ الدراما، ولا يكونُ الشعرُ شِعراً دونَها، ولا تستقيمُ الأوطانُ إلّا بسواعدِها ، لكنْ هناك صعوباتٌ ومحدّداتٌ أمامَ ممارسةِ أدوارِها الطبيعيةِ، ورغمَ كلِّ ذلك انتزعتْ انتصاراتِها في ميادينِ العملِ والنضالِ، لكنها مُهمّشةٌ تعمُّداً في الأدبِ الفلسطينيّ ، إلّا أنّ حجمَ هذا التهميشِ أقلُّ من حجمِه في الدراما، فأغلبُ الرواياتِ الفلسطينيةِ تعطي مساحةً واسعةً للمرأةِ، وقد تصدّرتْ البطولةَ في أعمالِ كُتّابٍ كثيرةٍ.
وحولَ معيقاتِ الدراما المَحليةِ، يقولُ عيسى :” إنّ الدراما المحليةَ غيرُ موجودةٍ تقريباً، هي مجردُ محاولاتٍ بدائيةٍ، تَحكمُها نظرةُ المجتمعِ التي تفرضُ صورةً نمطيةً عن الفلسطينيّ؛ تُخرِجُه عن إطارِ البشرِ إلى تأليهِه، أو جعلِه معصوماً من الخطأ، لهذا تتجِهُ الجهاتُ المنتِجةُ لوصفةٍ جاهزةٍ مجربةٍ: إنتاج أعمالٍ عن بطولاتِ المقاومةِ وحسبُ.
وصفةٌ غيرُ مُجرَّبة
أمّا العملُ الكوميدي والاجتماعي وصفةٌ غيرُ مجرّبةٍ، وقد تفشلُ، أذكرُ أنّ منتجي مسلسلي الكوميدي كانوا متحفّظينَ جداً عليه، كأنه من العارِ أنْ يَتمَّ عرضُ مسلسلٍ كوميديّ لشعبٍ مقاومٍ!، لهذا تمَّ إيقافُ المسلسلِ؛ ثُم قصُّ الكثيرِ من المَشاهدِ منه، بل وسحبُ الحلقاتِ أكثرَ من مرةٍ من اليوتيوب.
في العملِ الدرامي الكوميدي المرأةُ حاضرةٌ في صورةِ الزوجةِ المتسلّطةِ وابنةِ الأصولِ ، و الابنةِ الذكيةِ ، أوَدُّ أنْ أشيرَ أنّ الكوميديا تَعني المفارقةَ، والمفارقةَ ليست إساءةً أبداً، وبالتالي فإنّ تناولَ المرأةِ الفلسطينيةِ بهذه الصورةِ كان هدفُه تعزيزَ مكانتِها أكثرَ وليس السخريةَ منها.
أمّا “رياض محمد سليم حلايقة” كاتبٌ روائيّ، وقاصٌّ، فيقولُ لــ”السعادة” : إنّ وجودَ المرأةِ في الدراما عادةً موجودٌ لكي ينجحَ العملُ، وليس اهتماماً بها، أو تمثيلاً لواقعِها ودورِها الريادي في الحياةِ, وهذا يعني حقيقةَ أنّ الدراما المحليةَ بفلسطينَ لم تُعطِ المرأةَ المساحةَ المطلوبةَ والمتساويةَ مع قدراتِها وإمكاناتِها .
ويضيفُ: العيبُ ليس في النصوصِ؛ فالأدبُ الفلسطيني أزليًا يعطي للمرأةِ أدوارَها الحقيقةَ، وهى تكادُ تستحوذُ أدوارَ البطولةِ في كثيرٍ من الرواياتِ والأعمالِ الأدبيةِ، والدواوينِ الشعريةِ ، لكنّ قصورَ الدراما يعودُ إلى تحكُّمِ ذكوريةِ المجتمعِ فيها في كلِّ النواحي، إضافةً إلى غيابِ المؤسساتِ الدراميةِ الحقيقةِ، وشركاتِ الإنتاجِ الفاعلةِ .
منوّهاً: إنّ أبرزَ مشكلاتِ العملِ الفنيّ بشكلٍ عام؛ عدمُ دعمِها مادياً، فنحن نملكُ الأدبَ الجيّدَ, الممثَّلَ الجيدَ, المُخرجَ الجيدَ, لكنّ عنصرَ المالِ، والتقنياتِ المتطورة، وأجهزةَ المونتاجِ والتصويرِ؛ تكادُ تكونُ مُعدَمةً وبالتالي جودةُ الإنتاجِ المَحلّي ضعيفةٌ للغايةِ، ومُعدَمةٌ تقريباً.