تهويدٌ للمدينةِ ، وأَسرَلةٌ للتعليمِ !

في القدسِ إطلالاتٌ حزينةٌ ذاقتْ من ويلاتِ الاحتلالِ؛ ما تَنوءُ منه الجبالُ الرواسي ، احدَودَبَ ظهرُها لطولِ عُمرِ الاحتلالِ فيها ، وتلَطّخَ بدماءِ الشهداءِ شالُها ، ولا تزالُ تُقاوِمُ بكلّ ما أوتيَتْ من بأسٍ شديدٍ وقوّةٍ؛ لتحافظَ على رَونقِ العزّةِ الذي تفوحُ رائحتُه منها؛ ما إنْ سرّحتَ إليها بصرَكَ، أو مرَرتَ على صورةٍ من صورِها ، فكيف بكَ وأنت تسيرُ بشوارعِها؟ .
القدسُ عاصمةُ الدولةِ التي حرّكَ لأجلِها “صلاح الدين الأيوبيّ” جيوشاً جرّارةً ، وأفنَى بخُطّة تحريرِها عُمراً، وحرّمَ على وجهِه الابتسامَ ما دامت بالأسرِ؛ إلّا ملامحَ الحزنِ والمرارةِ ، القدسُ ذاتُ التاريخِ الذي يدرَّسُ بمناهجِ العالمِ لعَظمَتِها ، القدسُ التي تعيشُ اليومَ ظلاماً يكادُ يخنُقُها ، فهي تواجِهُ مع خطرِ المحتلِّ، وخطرَ محاولاتِ التهويدِ ؛ خطراً ممنهجاً استشرى فيها؛ يسمَّى بخطرِ “أسرَلة التعليمِ”.
فحينَ أدركَ الاحتلالُ أنّ التعليمَ يكونُ خطراً عليه؛ كلّما نشأ طفلٌ متعلّمٌ يفهمُ أنّ الأرضَ المحتلّةَ لا تعودُ إلّا بالمقاومةِ والدمِ ، وأنّ المَسارَ لا يكونُ إلّا كما حدّدَه كتابُ اللهِ وسُنّةُ نبيِّه _صلى الله عليه وسلم_ ، أو شابٌ يافعٌ يستلُّ سِكينَه في وجهِ الاحتلالِ؛ إنْ لم يجِدْ باروداً ، أو شيخٌ ينامُ على عتبةِ الأقصى؛ إنْ حُرمَ الدخولَ إليه في رباطٍ عظيمٍ ، حينَها مدَّ أياديهِ الآثِمةَ إلى كلِّ ينابيعِ التعليمِ الصافيةِ؛ ليُغلِقَها بحجارةِ الخوفِ والعوزِ والحاجةِ .
فبدؤوا بالسيطرةِ على المناهجِ التي تدرَّسُ في المدراسِ، وتطعيمِها بشيءٍ من المناهجِ الإسرائيليةِ شيئاً فشيئاً؛ وسحبِ كلِّ ما يُمكِنُ أنْ يكوّنَ من الطفلِ فرداً قادراً على فهمِ عقيدتِه، ومواجهةِ مُحتلِّه ، ثمّ أنشأوا مدارسَ مجّانيّةً لهم في كلّ مكانٍ ؛ لتكونَ مأوى لكُلّ طفلٍ لا يملكُ تكاليفَ التعليمِ، أو يجدُ صعوبةً في الوصولِ لمدارسَ أخرى، في ظِلّ وجودِ جدارِ الفصلِ العنصريِّ ، وحوّلوها مَراتعَ للفجورِ، وتعليمَ الطلابِ كلّ ما يجبُ ألّا يتعلّموه !.
وحينَ صارَ أولياءُ الأمورِ يخشونَ على أبنائهم الذين يتوجَّهونَ للمدارسِ الإسلاميّةِ _في البلدةِ القديمةِ، والمسجدِ الأقصى المباركِ_ من خطر الاحتلالِ الذي تزايدَ بعدَ هبّةِ تِشرين ، والتشديداتِ الأمنيّةِ الممنهجةِ المتزايدةِ على الطلابِ ، ومنعِهم من الوصولِ لمدارسِهم في كثيرٍ من الأحيانِ ، فإنهم رضَخوا تحتَ خوفِهم على أبنائهم ، وانساقوا للواقعِ الذي يفرضُ أنْ يسجّلَ أبناؤهم بأقربِ مدرسةٍ من البيتِ ، والتي لا بدّ أنْ تكونَ مدرسةً يهوديّةً؛ ذاتَ منهاجٍ يتفنّنُ بطمِسِ هويّةِ الطفلِ الإسلاميّةِ والوطنيّةِ؛ لنصِلَ إلى نسبةٍ تُقاربُ (53%) من الطلابِ المَقدسيينَ؛ يَدرسونَ في المدارسَ التي تشرفُ عليها سلطاتُ الاحتلالِ!.
وحتى لا يحاولُ البعضُ إنشاءَ مدارسَ خاصّةٍ؛ تدرّسُ منهاجاً نظيفاً راقياً للطلابِ ؛ فقد صعّبتْ سلطاتُ الاحتلالِ إجراءاتِ الحصولِ على ترخيصٍ لبناءِ المدارسِ؛ لأقصى درجةٍ ممكِنةٍ! ، لتُقامَ الكثيرُ من المدارسِ في مبانٍ مستأجَرةٍ غيرِ مؤهّلةٍ لأنْ تكونَ مدرسةً! ، ومعظمُها يفتقرُ للتهويةِ، وآيِلٌ للسقوطِ في أيّ لحظةٍ !.
كثيراً ما يستوقِفُني سعيُ الاحتلالِ الجادُّ والمُمنهَجُ لتنفيذِ خُطّتِه؛ وبسطِ سيطرتِه على فلسطينَ بشكلٍ عام ، وعلى القدسِ المحتلّةِ بشكلٍ خاصٍّ ، وأفكّرُ بالوقتِ الجادِّ، والسعي الدؤوبِ الذي قضاهُ الهالكُ (ثيودور هيرتزل) لإقامةِ دولةِ الفئرانِ على أرضِ الأُسودِ في فلسطينَ! ، وأبحثُ عن رجالٍ صادقينَ يكتبُ التاريخُ أنّهم بذلوا كلَّ ما في وُسعِهم لمواجهةِ هذا الخطرِ ، وحَرموا أجفانَهم النومِ؛ للوصولِ إلى المُبتغَى الأعظمِ ؛ لتكونَ كلمةُ اللهِ هي العُليا ، فلا أجدُ إلاّ بضِعةً من المقاوِمينَ الذين بدَلَ أنْ يقفَ الشعبُ في صفِّهم ؛ يقفَ في صفٍّ مقابلٍ؛ ويبحثَ لهم عن هَفوةٍ وثَغرةٍ ! .
يا قارئَ كلماتي ، باللهِ فانظُرْ إلى وقتِكَ وجهدِك فيمَ أفنيَتَه؟
ولا تقُلْ ما دَوري كفردٍ واحدٍ في مواجهةِ دولةٍ وخُطةٍ ممنهجةٍ لبرمجةِ عقولِ الأطفالِ على هوَى الاحتلالِ!، بل قُمْ وسُدّ بجسدِكَ ثغرةً تَحولُ بينَ الاحتلالِ وبينَ دِينِك ، فأهلُ الحقِّ أحقُّ بِبَذلِ الجهدِ ، ولا تُواجِهْ الخُططَ الممنهجةَ إلّا بفِكرٍ مُمنهَجٍ ، فلن تعودَ الأرضُ إلّا برجالٍ صادقينَ ، فانهضْ بربِّكَ لا تزِغْ !