كتاب الثريامدونات الثريا

أقبِلْ ولا تَخَفْ

بقلم: الكاتبة الصحفية دعاء عمار

(يا موسى أقبِلْ ولا تَخفْ إنكَ من الآمِنين)، كثيرةٌ آياتُ الطمأنةِ وتهدئةَ الرّوعِ التي ذُكرتْ في قصصِ “موسى” عليه السلام، سؤالٌ دائماً يتردّدُ: هل كان “موسى” عليه السلام أكثرَ الأنبياءِ خوفاً؛ حتى يُعيدَ اللهُ تعالى مراراً عليهِ أنْ لا تَخفْ؟ لا أظنُّ..، بقَدْرِ ما هو تأكيدٌ من اللهِ _تعالى_ لنا نحن ألّا تخافوا ولا تحزنوا، فما أكثرَ ما نَمُرُّ به من مواقفَ مشابِهةٍ! وما نعيشُه من أحداثٍ تعيدُ تكرارَ المَشهدِ الفرعوني بكاملِ تفاصيلِه!.

“موسى” عليه السلامُ من بينِ الأنبياءِ؛ كان في مواجهةٍ مباشرةٍ مع أكثرِ الأقوامِ بطشاً، قومُ فرعونَ الذي علا في الأرضِ؛ وجعلَ أهلَها شِيَعاً، يقتلُ، يسرقُ ويبطشُ بلا حسيبٍ ولا رقيبٍ؛ فإنما هو ربُّهم الأعلى! وكلُّ شيءٍ مُلكٌ له! وتلكَ الأنهارُ تجري من تحتِه! “فرعون” ليس شخصاً؛ بل فكرةً تُعيدُ تكرارَ نفسِها كلّما وجدتْ بيئةً مواتيةً؛ حتى وإنْ كانت بِتَسوُّلِ الدعمِ من الخارجِ، بينما كان لفرعونَ عِزّتُه وقوتُه الخاصةُ التي بطشَ بها ونَكّلَ.

بينَ كلِّ ذلك، جاء “موسى” عليه السلامُ، وكلُّنا يُمكنُ أنْ يكونَ في زمانٍ ما استنساخاً له _دونَما النبوة طبعاً_، يرى الخوفَ والقتلَ والاسترقاقَ لقومِه أمامَ عينَيهِ؛ فيَحملُ عِبءَ التغييرِ والإصلاحِ، وأكثرُ الأعباءِ هي تغييرُ العقولِ واستخلاصُها من فِسقِها المؤدّي إلى التبعيةِ العمياءِ لأربابٍ يتكرّرونَ على مرَّ العصورِ؛ حتى لا يستخِفونَها فيَضعونَ _طواعيةً_ أحذيةَ الحُكامِ والمحتلِّ فوقَ رؤوسِهم وحياتِهم.

في ظِلِّ ذلكَ البطشِ والسحلِ والسجنِ، وتقطيعِ الأوصالِ، وتشريدِ الأُسر وغيرِها من المساوئِ..؛ يأتي “موسى” فيحملُ في داخلِه الخوفَ الطبيعي هل سأبلّغُ؟ هل سأنجحُ؟ هل سأتمكنُ من التغييرِ؟ فيكونُ الجوابُ المرافقُ في كلِّ المراحلِ؛ بِدءاً من الانبعاثِ الأولِ في النفسِ التي أبتْ الذُّلَ والاسترقاقَ، في السَّندَ والظَّهرِ الأولِ، ألقيهِ و لا تخافي ولا تَحزني، فلولا سَنَدُ الأهلِ والدعمِ؛ ما كان ثباتُ المقاومِ ولا عزيمتُه.

يتكررُ الدعمُ ثانيةً في تلكَ الأَعيُنِ التي تبحثُ لك عن الأخبارِ التي تُمكّنُكَ من إمكانِ قوتِك المعلوماتيةِ، وتهدئةِ روعكِ، قُصِّيهِ، فبَصُرَتْ به، وهم لا يشعرون.. من جديدٍ يتسرّبُ الخوفُ للنفسِ؛ فيأتي الدعمُ ثالثاً سنَشُدُّ عَضُدِكَ، ابحثْ عن مَن يؤازِرُك، يُفصحْ ما اختلطَ عليكَ، يُعيدُ تذكيرَك بما تنسَى أو تسهو عنه، ابحثْ عن قبَسَ الضوءِ في طريقِك المُظلِمِ، إذْ لا ينفعُ سيرُ العميانِ؛ وإلّا كان التخبطُ والنكوصُ بصيرةً من طريقِك ومن رفقتِك، ثُم لا تَخفْ، فقد نجوتَ حتى الآنَ.

ثم تأتي لحظةُ المواجهةِ، أقبِلْ ولا تَخفْ، فلا شيءَ يَضُرّكَ بعدُ، إنني معَكما أسمعُ وأرى، اللهُ _تعالى_ الذي نَثِقُ في قوّتِه وقدرتِه وحكمتِه؛ يُعيدُ بثَّ السكينةِ في نفوسِنا؛ بتأكيدِ أنه يَعلمُ ما نحن فيه من ضيقٍ وقلقٍ، من قِلّةٍ وضَنْكٍ، يسمعُ ويرَى بطشَهم وجبروتَهم؛ رغم َكلِّ ذلك أقبِلْ إذْ لا ينفعُ الترَدُّدُ في الطريقِ، إنكَ من الآمِنينَ، ولن يَضرُّوكم إلّا أذَى.

ألقُوا ما في أيمانِكم من حُجَجٍ تسلّحتُم بها، واجِهوا سحرةَ الشيطانِ وبطانتَه، في ضُحَى الوقتِ حيثُ الاختيارُ المناسبُ تماماً على ملأِ الناسِ، إذ لم يَعُدْ يُجدي الخفاءُ نفعاً، فهو أدعَى لاستنهاضِ النفوسِ وما تَبقّى فيها من رفضٍ للشرِّ والظلامِ.

لا تَستَقِلّ قوةَ عصاكَ في مواجهةِ عصيِّهم، فالعبرةُ بالثباتِ دونَ الكثرةِ، فهي قادرةٌ يوماً على شقِّ طريقٍ في وسطِ المِحنةِ؛ إنْ لم يكنْ بيَدِكَ، فقد تكونُ بِيَدِ مَن استخلَصْتَهم يوماً من الجهلِ والاستعبادِ، ويُكتبُ لك َطريقُكَ وأجرُك حتى وإنْ لم تَشهدْ، فكلُّ شيءٍ بيَدِه، له الحُكمُ وعليه الاعتمادُ، وإليه المصيرِ.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى