المصاريف الجامعية .. أعباء إضافية تثقل كاهل الآباء وتضع الأبناء على المحك

تحقيق : أنوار هنية
أزمة اقتصادية تبدو في كثير من البيوت والجيوب و تظهر جليا حينما يدور الحديث عن المصاريف الجامعية، فهي الوجع الرابض عند كثير من الآباء والتي ترهق كاهل الأسرة، وتستقطع من أساسيات احتياجاتهم، فما هي الأسباب التي تؤدي إلى أزمة المصروف؟ وما هي الآليات التي يتبعها الأهل بحيث لا تكون المصاريف الجامعية عبئا عليهم؟ وما هي الخطط، والمشاريع التي يمكن أن يقوم بها الطلبة لتوفير مصروفاتهم الشخصية؟ وكيف يمكن أن نحقق البركة في الرزق مع قلة الموارد المتاحة؟
على أعتاب السنة الثانية من الجامعة وقف الطالب الجامعي، عمر أحمد( 19عاما)، يضع جدولا دراسيا للتوفيق بين دراسته وعمله الجديد الذي سعى إليه كثيرا معتمدا على مهاراته الإذاعية الجيدة، في كلماته لـ “الثريا” يقول عمر: “أرفض أن أتناول مصروفي الشخصي من والدي، فحرصت جاهدا على البحث عن عمل بسيط كي أوفر نفقاتي الجامعية، كما أنني لا أقبل على نفسي أن أتناول مصروفي من والدي”.
كذلك الحال للشاب العشريني محمد خالد، الذي أخذ على نفسه عهدا بعدم إرهاق والديه بمصروفاته الجامعية، حيث يشارك عمر في شعوره بالخجل من مد يده لوالده كي يطلب منه مصاريفه الجامعية، خصوصا و أن والده لا يعمل، وكما يقول محمد: “بحثت عن عمل وبعد عناء عملت في احد محلات الملابس من الساعة الرابعة وحتى الساعة التاسعة مساء، والحمد لله أجد التوفيق في كل خطوة أخطوها رغم أن معدلي الدراسي تراجع عما كان عليه إلا أنني أرفض رفضا قاطعا أن أطلب مصروفي من والدي خصوصا أن الراتب لا يكفي إلا لسد احتياجات البيت”.
ومن زاوية أخرى يرى الطالب (لؤي.ص) أن العمل هو آخر ما يفكر فيه في هذه الآونة لأنه يعطي أولويته للدراسة، كما أن المشاريع الصغيرة تحتاج إلى رؤؤس أموال غير متوفرة لديه.
ويرى (فادي، ع) أن المصاريف الجامعية هي من الاحتياجات الضرورية وليست الكماليات الأمر الذي يجعل الإنفاق عليه وتناول مصروفه الجامعي هو أمر اعتيادي وطبيعي ولا يجد حرجا في ذلك، و يقول: “ما أدخره من مصروفي أصرفه في احتياجاتي الشخصية فلكل شاب احتياجاته لكن ذلك لا يمنع أن آخذ مصروفي من والدي”.
بينما لجأ الشاب عصام راضي، (22 عاماً)، إلى الادخار أثناء عمله في الإجازة الصيفية، لتوفير مصروفاته الدراسية وهو الأمر الذي شجعه عليه والده، لأنه لا يملك الكثير من الخيارات حيث لا راتب عال لسداد متطلبات البيت، بل وأصبح يساعد والده في نفقات البيت حيث أن والده لا يجد عملاً.
ولا ترى الطالبة عبير رفيق، أي حرج في طلب مصروفها الجامعي من والدها، الذي يعمل أستاذا، حيث تقول: “لا أرى في مصروفاتي عبئا على والدي لأنني لا اطلب سوى احتياجاتي الضرورية فقط، ولا أرى أن العمل مناسب للفتاة خصوصا وهي طالبة جامعية، لكنني ادخر من مصروفي الجامعي من خلال عمل جمعيات، وبالتالي تقل طلباتي من والدي، إلا في الضرورة القصوى”.
وبين راغب من الطلبة الجامعيين في العمل لتوفير المصروف الجامعي، وغير راغب نظرا لوجود من يسد احتياجاته الجامعية، قال بعض الآباء أن مصاريف البيت في كفة والمصاريف الجامعية في كفة أخرى، حيث طلبات الأبناء الكثيرة.
ويقول(س، ع) أن ابنه (يتحجج) بالكتب وغير ذلك ليأخذ النقود ويضيعها على العزائم والمطاعم مع أصدقائه، الأمر الذي دفعه إلى اتخاذ قراره بعدم إعطائه أية مصاريف وطلب منه أن يعتمد على نفسه ويجد له عملا بديلا حتى يتعلم قيمة المال وتحمل المسئولية.
ويشاركه الشكوى أبو محمد الذي يرى عدم كفاية الراتب لكل تلك المتطلبات من مصروفات واحتياجات، ويتمنى أن يأتي اليوم الذي ينهي ابنه دراسته ليتخلص من مصاريفه الجامعية.
أما الرجل الخمسيني عوني الكومي فإنه عبر عن ذلك بالقول: “لا أملك من المال ما يعينني على مصاريف ابني الجامعية فدبر نفسه بنفسه وعمل في احد محلات الملابس وهو يكفي احتياجاته”.
بينما يرفض حسن عياش (45 عاما) عمل ابنه حتى لا يؤثر على دراسته، ويقول: “صحيح أن الراتب بالكاد يكفي للاحتياجات لكنني أجد البركة في الرزق والحمد لله، فلا أدخل بيتي المال الحرام وأتقى الله في كل تصرف، كما أنني لا أقطع رحمي مطلقا، وأرى أثر ذلك في بيتي ورزقي والحمد لله”.
الصرف بطريقة عشوائية
وفي سياق الحديث عن عبء المصاريف الجامعية، ما زال سؤال يلوح في فضاء الدراسة والاحتياجات، فما الأسباب التي تجعل من المصاريف الجامعية عبئاً على الأب؟ يجيب د. محمد الدباغ أستاذ الاقتصاد الإسلامي في جامعة النجاح الوطنية أن الأسباب مجتمعة في عدم كفاية الراتب الشهري، بحيث يسد فقط الاحتياجات الأساسية، ووجود خلل في ميزانية الأسرة بحيث يتم الصرف بطريقة عشوائية وبدون وضع خطط مناسبة للصرف، وعدم وجود أولويات في الصرف، بالإضافة إلى اختلاط الكماليات بالضروري، كذلك لا يمكن إغفال أن وجود أكثر من طالب جامعي في نفس الأسرة يتطلب المزيد من النفقات يتم اقتطاعها من مصروف الأسرة واحتياجاتها.
ويضيف د. الدباغ: “المشكلة الأساسية تكمن في عدم تفكير الكثير بالمشاريع الصغيرة الخاصة واعتمادهم فقط على الراتب الشهري الذي اختلف موعد صرفه في الآونة الأخيرة ما زاد الأعباء المادية على كاهل رب الأسرة، فتصبح المصاريف الجامعية كما غيرها من المتطلبات عبئا ماديا ومرهقا على الأسرة”.
أما على صعيد الأبناء فيعقب د. الدباغ: “إن خاصية التوفير لدى الطلبة ليست كبيرة فهناك البعض يلتزم بطلب المصاريف التي تسد حاجتهم فقط وهناك من الأبناء من يمتصون رواتب ذويهم بالطلبات غير المنتهية بحجة المصاريف الجامعية وشراء كتب، في حين يلجأ بعض الطلبة للتوفير وإيجاد عمل إضافي وهذا الأمر يرتبط بشخصية الطالب ومصداقيته، ومدى شعوره بالمسئولية اتجاه نفسه واتجاه ذويه، غير أن كثير من الآباء يرفضون عمل الطالب الإضافي حتى لا تؤثر سلبا على دراسة أبنائهم، ويضغط على نفسه بتحمل النفقات الجامعية”.
ويضيف: “هناك من الآباء من أرهقته المصاريف والنفقات المتعلقة باحتياجات الأسرة ولا يستطيع مجاراة المصاريف الدراسية، الأمر الذي يجعل البحث عن عمل لابنه ضمن الخيارات المتاحة”.
ضمن خطة
وفي قراءة سريعة للموقف يضع د. الدباغ مجموعة من الحلول ويقول: “إذا عُرف السبب بطل العجب،يجب كتابة الميزانية في بنود و كتابة مصدر الدخل، و بنود الصرف، و التوفير و جيب ان نحقق توازناً بين ما تم توفيره، وما تم إنفاقه، ومن المهم أن تكون ملامح ما نود تحقيقه واضحة المعالم، وطريقة سيرنا في اتجاه تحقيقها معقولة، فإذا نجحت الميزانية في شهرها الأول، نقوم بإعادة الكرة في الشهر التالي مع تعديل ما يلزم حتى تأخذ الميزانية شكلها الثابت ومعادلتها المتناسقة الخاصة بتلك الأسرة”.
وكما يبين د. الدباغ: “فإذا تم تحقيق ذلك فإن الأسرة تستطيع توزيع احتياجاتها والادخار لمستقبل الأبناء دون أن يكون مستقبل الأبناء ودراستهم عبئا على الأسرة، بل تكون ضمن خطة معدة مسبقا، الأمر الذي يمكِّن الأسرة من المرور بتلك المرحلة دون خوف، كذلك فإن لجوء الوالدين للمشاريع الصغيرة أمر ضروري جدا فلا يجب أن يعتمد الشخص كليا على الراتب بل يجعل إيجاد مشروع صغير من أولوياته، ويسأل ويستفسر من أهل الخبرة وذوي الاختصاص ولتكن لديه الجرأة على فعل ذلك، لأن الجهل بالشيء لم يعد مبررا وهناك العديد من المشاريع الصغيرة التي يمكن القيام بها، لأن الراتب الأساسي لا يكفي إلا الاحتياجات الأساسية خصوصا لمن لديه أكثر من طالب جامعي في نفس العائلة”.
وعلى صعيد الأبناء ينبه د. الدباغ إلى ضرورة رصد احتياجاتهم ومصروفاتهم الحقيقية وعدم استغلال تلك الاحتياجات بطلب نفقات كثيرة ترهق كاهل الأهل، والشعور بالمسئولية اتجاه ذويهم، وعدم الجري وراء الولائم والعزائم المتكررة خلال الأسبوع و الشهر الواحد (طشات الصحبة) لأن هذا المال يستقطعه الأب من احتياجات أسرته.
ويقول د. الدباغ: “ليس من الخطأ أن يعمل الطالب الجامعي أثناء الإجازة الصيفية، ويدخر ذلك المال لنفقات دراسته، والبحث عن مشاريع فردية أو جماعية (مجموعة من طلبة الجامعة مع بعضهم البعض) لتوفير نفقاتهم، فإن الأمر يحتاج إلى البحث والمعرفة والتوكل على الله والسعي، وسوف يكون الرزق واسع لديه، كما أن الادخار وسيلة من الوسائل التي تعين الطالب على تلبيه نفقاته و لو باليسير لمساعدة ذويه”.