كتاب الثريامدونات الثريا

النقدُ الشعبَوي

أنا أنتقدُ إذن أنا موجودٌ؛ هذا نوعٌ من الفلسفةِ الجديدةِ التي ساعدَ في انتشارِها انتشارُ منصّاتِ التواصلِ الاجتماعي، فالنقدُ ظاهرة ٌجميلةٌ؛ لأنها تشكّلُ صدمةً دوماً لدى المُنقودِ سواءٌ أخذَ بالنقدِ أمْ لا، لكنّ النقدَ وصلَ إلى مستوياتٍ خطرةِ يمكنُ وصفُها بالنقد الشعبَوي.

والنقدُ الشعبوي هو الذي يقومُ فيه شخصٌ له أصدقاءٌ ومتابعونَ كثُرٌ بنقدِ الظواهرِ بشكلٍ تسطيحيٍّ؛ ما يجذبُ عطفَ الناسِ له دونَ أنْ يكونَ نقدُه يقدِّمُ شيئاً؛ بل على العكسِ قد يهدمُ به أعمالاً جليلةً!.

صديقٌ على “الفيسبوك” ينتقدُ كلَّ خطوةٍ تقومُ بها أيُّ وزارةٍ!، وآخَرُ ينتقدُ تطبيقَ فرضِ غرامةٍ على مخالفينَ، فيقولُ “سرقونا!”، وأخرى تنتقدُ ظاهرةً اجتماعيةً ما؛ فتصفُ المجتمعَ الذي تنتمي إليه بالنفاقِ والدجلِ و…  .

هذا أمرٌ لذيذٌ وسهلٌ.. انتقِدْ أيَّ شيءٍ؛ فتصبحَ إنساناً مفكّراً لكَ مريدون! انتقدْ كلَّ عملٍ حكوميٍّ جيدٍ أمْ سيءٍ ؛ فتصبحَ ناشطاً رائعاً!. انتقدْ الأغنياءَ شرَّهم وخيرَهم؛ فتصبحَ نصيراً للفقراءِ!. وهكذا يتمُ صناعةُ الرموزِ الجُددِ التي تنتقدُ كلَّ شيءٍ.

ويقومُ الناقدُ الشعبَوي باستخدامِ مصطلحاتٍ شعبويةٍ فيها بكائياتٌ كثيرةٌ؛ تجعلُ من السهلِ على من يتابعُه أنْ يعلّقَ له ب”أنت تمثلُني” أو يضغطُ على زرِّ الإعجابِ.

جديرٌ بالذكرِ أنّ النقدَ الشعبوي لا علاقةَ له على الإطلاقِ بالتفكيرِ الناقدِ؛ فالأخيرُ هو تفكير منظَّمٌ مبنيٌّ على أصولٍ فكريةٍ رصينةٍ؛ تجعلُ من نقدِه لظاهرةٍ ما نقداً فذّاً يفيدُ بالدرجةِ الأولى المنقودَ.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى