غير مصنف

مساعدةُ الزوجِ زوجتَه… هل هو المحكومُ ؟

تحقيق: السعادة

هي دائماً متذمرةٌ متوترةٌ… كلُّ المسئولياتِ تقعُ على عاتقِها ( طبيخٌ، غسيلٌ، ترتيبٌ، تدريسُ الأبناءِو تلبيةُ مطالبِهم، زياراتٌ، استقبالٌ) فهي كعقربِ الساعةِ تلفُّ على مدارِ اليومِ… والزوجُ يرفعُ يدَه! فالأمرُ ليس من شأنِه! فهو ينظرُ أنها من صميمِ عملِ الزوجةِ، وهو غيرُ مكلّفٌ بها !! “السعادة” دارتْ في فلكِ الأزواجِ وسألتهم، هل تساعدُ زوجتَك في الأعمالِ المنزليةِ ؟ وهل مساعدةُ الزوجِ لزوجتِه ينتقصُ من مكانتِه ؟ ونحن بالألفيةِ الثانيةِ، هل ما زالت تعيشُ تحتَ عباءةِ سي السيد؟.

محمود دعليس ،( 33) عاماً، يعملُ موظفاً، يحرصُ على مساعدة زوجته في الأعمالِ المنزلية، فهي تعملُ مُدرِّسةً، وتغيبُ عن البيت في الفترةِ المسائيةِ؛ ما يضطّرُ إلى توَلَي مَهامها في غيابِها  فيقول:” الحياةُ الزوجية عبارةٌ عن مشاركةٍ في كل صغيرةٍ وكبيرةٍ، فمن تلقاءِ نفسي أنجزُ بعضَ الأعمالِ (كالجَلي أو تحضيرِ العَشاءِ، وتدريسِ الأبناءِ) وأحياناً أساعدُ في تجهيزِهم للمدرسةِ، فأشعرُ بِرضى زوجتي وتقديرِها لتلكَ الأعمالِ، والتخفيفِ من الأعباءِ المُلقاةِ على عاتقِها .

ويضيف :”الأمرُ يأتي من باب الإحساسِ وتحمُّلِ المسؤوليةِ والمشاركةِ، ففي النهايةِ الزوجةُ ليست موكلةً في كلِّ البيتِ لوَحدِها .

في حين يرجعُ تيسير عوض_ موظفٌ( 30 )عاماً_ أنّ الخلافَ بينه وبين زوجتِه إلى عدمِ مساعدتِه في أمورِ البيتِ، فيقول :”أقدّرُ أنّ زوجتي موظفةٌ، وتتعبُ في أمورِ البيتِ،  وتطلبُ مني مساعدتَها ؛ فأحاولُ قدْرَ الإمكانِ أنْ أساعدَها، ولكنْ ليس بشكلٍ متواصلٍ، وفي أمورٍ بسيطةٍ؛ كجَلي أو نشرِ الغسيلِ، ولكنّ اعتراضَها لا يتوقفُ! فلا يعجبُها عملي، وتبدأ تعليقاتُها التي لا تنتهي؛ بأنني لا أتقنُ العملَ، فتبدأ المشاكلُ والتعليقاتُ؛ ما يدفعني إلى عدمِ مساعدتِها، فلا حمداً ولا شكوراً ! فامتنعتُ عن تقديمِ أيّ مساعدةٍ لها! .

فيما يرفضُ إسلام منذر (40) عاماً الموضوعَ جُملةً وتفصيلاً قائلاً:” لا أتخيّلُ نفسي وأنا أجلي أو أرتّبُ البيتَ!، فالطبخُ والترتيبُ والتنظيفُ أعمالٌ نسائية خالصةٌ، لا دخْلَ لي فيها! فأنا بمجردِ وصولي البيتَ؛ أريدُ كلَّ شيءٍ جاهزٍ! .

ومن جهتِها تقول ربّة المنزلِ “أم وسام العراوي”  لها خمسةُ أطفالٍ، أنّ زوجَها لا يقومُ بأيِّ عملٍ داخلَ المنزلِ؛ مَهما كان صغيرًا أو كبيراً! وأنها تتحملُ أعباءَ المنزلِ وحدَها! ما يُشعرُها بالتعبِ الشديدِ والإرهاقِ، وخصوصاً بوجودِ الأطفالِ، وتوضّح أنها تحاولُ طلبَ المساعدةِ من زوجِها ؛الاّ أنه يرفضُ ذلك تماماً؛ بحُجةِ الإحراجِ، وأنّ الأعمالَ المنزليةَ مرتبطةٌ فقط بالزوجاتِ، ولا علاقةَ للرجلِ بها إطلاقاً! فالروتين أصبح قاتلاً في المنزلِ، وقد أرهقني العملُ المنزلي.

عاداتٌ متوارثةٌ :

وترى الأخصائية “عروب الجملة” أنّ لمجتمعِنا تقاليدَ وعاداتٍ اجتماعيةً متوارثةً، لا يمكنُ الانسلاخُ عنها، فالمجتمعُ أبوَيٌّ يهتمُ بكلِّ ما يتعلقُ بالذكرِ، وهذا ما نَلاحظُه عندَ ولادة الولدِ، والفرحةِ التي تصاحبُه، والانتكاسةُ التي تصاحبُ ولادةَ الأنثى.

ويضيف: “كلما كان الرجلُ قويَ الشكيمةِ، وصوتَه عالٍ، كانت صورتُه مكتملةً في الأذهانِ، وإذا ما لاحظَ المجتمعُ أنه يختلفُ عن هذه الصورةِ ؛ عدُّوه إنساناً مائعاً تابعاً لزوجته، وخاصة في الوضعِ الاقتصادي المتردّي، ورجوعِ الرجلِ إلى أحضانِ عائلتِه الممتدة، حيث أصبحتْ تصرفاتُه محسوبةً عليه”.

وتقول”في الماضي كانت صورةُ “سي السيد” محبّذةً جداً، وتعبّرُ عن نمطِ الحياة آنذاك، حتى بدأ التأثيرُ الثقافي، والتمازجُ بين العائلاتِ، والمشاريعُ التي تدعو إلى التسامحِ وعدمِ قهرِ المرأةِ، ولكنّ هذا كلَّه لا يعني تغييرَ الصورةِ كاملةً، فما زلنا مجتمعاً قبلياً عشائرياً، وهذا المُناخُ القائمُ يجعلُ من صورة الذكَرِ صاحبِ الكلمةِ هي الصورةُ الراسخةُ”.

وتسترسلُ في الحديثِ قائلة:” الجذورُ مازالت متشعبةً في أعماقِ الذكرِ والأنثى، وليس من السهلِ تبديلُ العاداتِ التي ترَبّوا عليها في مجتمعِنا القَبليّ، لكنْ ليس بالضرورةِ أنْ نلتزمَ بكلِّ حيثياتِه، وقد نلجأُ إلى معارضتِه في بعضِ الأحيانِ؛ حتى يرتقي الإنسانُ بحياتِه، لذلك يجبُ على الرجلِ أنْ يعتمدَ على ذاتِه، ويتصرفَ وِفقَ قرارِه الشخصي؛ لأنه من غيرِ الممكنِ أنْ نُرضيَ الجميعَ، لذا المطلوبُ من الرجلِ أنْ يتصرّفَ وِفقَ العُرفِ الاجتماعي أولاً ثُم ذاتِه ثانياً، فلا يمكنُ أنْ يكونَ منسلخاً عن مجتمعِه، وفي ذاتِ الوقتِ يُرضي نفسَه بطريقةٍ لا تثيرُ حفيظةَ المجتمعِ المحيطِ”.

وتستنكرُ الرجلَ الذي لا يستطيعُ أنْ يفرضَ شخصيتَه المستقلة، فلا يكونُ مائعاً لا رأيَّ له، ولا يكونُ ديكتاتوراً يطبّقُ رأيَّه سواءً كان صحيحاً أمْ خاطئاً.

وتضيف: “رسولنا الكريمُ_ صلى الله عليه وسلم_ كان يستشيرُ زوجاتِه، ويلاطفُهنّ ويلاعبُهنّ، ولم ينقصْ هذا من قدْرِه، لذا نحن بحاجةٍ إلى من يُحيي سيرةَ الرسولِ _صلى الله عليه وسلم_ بالصورةِ الصحيحة، وخاصةً مع وجودِ ثقافةِ “القيل والقال”؛ التي تفشّتْ في مجتمعِنا، فإنْ كان الزوجانِ متفاهمَينِ؛ قيلَ عنه كذا، وإنْ كان متسلّطاً؛ قيلَ عنه كذا، لذا ما يهمُّ أنْ يتصرفَ الرجلُ حسبَ ما يراهُ مناسباً وصحيحاً ، دونَ التعدي على تقاليدِ المجتمعِ وأعرافِه”.

القُدوة :

ويتفقُ دكتور الشريعةِ في جامعة النجاحِ “عصام بدران” مع الأخصائيةِ “عروب الجملة”  في أنّ مجتمعَنا بحاجةٍ إلى التعرفِ _من قُربٍ_ على سيرةِ الرسولِ القدوةِ، وتعامُلِه بهذا الشأنِ مع زوجاتِه.

ويقول د.بدران: “الزواجُ قائمٌ على التعاونِ والمحبةِ والرأفةِ بين الزوجين، ومسألةُ التعاونِ في أعمالِ البيتِ سبَقنا إليها أكرمُ الخلقِ _صلى الله عليه وسلم_، حيثُ كان يقومُ على خدمةِ زوجاتِه وتمريضِهنّ، ويقدّمُ لهنّ الطعامَ إنْ مرِضْنَ، وعليه فإنّ مسألةَ إعانةِ الزوجةِ من صميمِ تعاليمِ الإسلامِ، وهو مبدأ قائمٌ في الشريعةِ، ولا يحطُّ من قدْرِ الرجلِ بالمُطلق”.

ويضيف: “يجبُ أنْ تُصحَّحَ جُملةٌ من المفاهيمِ الخاطئةِ في هذا الأمرِ، فالتفاهمُ بين الأزواجِ ضرورةٌ حياتية، وعلى كلا الزوجينِ أنْ يتفِقا على سائرِ أمورِ حياتِهما؛ حتى لو وصلَ الأمرُ إلى كيفيةِ إعالةِ الأطفالِ أو شئونِ المنزلِ، ما دام الأمرُ لا يسيءُ إليهما؛ بل يساهمُ في زيادةِ الروابطِ فيما بينهما”.

ويوضّحُ إلى بعضِ الأحاديثِ الصريحةِ التي شدّدتْ على ضرورةِ الرفقِ بالنساءِ؛ لقولِ رسولِنا الكريمِ صلى الله عليه وسلم: “استَوصوا بالنساءِ خيراً”. وكذلك قولُه: “خيرُكم، خيرُكم لأهلِه، وأنا خيرُكم لأهلي”. وكذلك ما جاء في مَشاهدَ كثيرةٍ؛ حيثُ كان الرسولُ _صلى الله عليه وسلم_ يكنسُ بيتَه، ويخصفُ نعلَه، ويمرّضُ زوجتَه.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى