احتراقٌ

قد تمرُّ علينا مواقفُ من الصعوبة، ما يجعلُها شرارةً لحريقٍ محتملٍ ، لكننا نغضُّ الطرْفَ عنها متقلّدين بالصبر ومتجمّلين بالأناةِ ، فلو وقفنا على كل صغيرةٍ؛ لَما سلمَ لنا شيءٌ، ولَما بقي لنا شيء، فنختارُ لأنفسِنا موقفاً نائياً عن كل هذه الجلبةِ المحتملة ، وليس هذا ضعفٌ منا؛ بل على العكسِ من ذلك ، فأنت حين تحوّلُ عودَ الثقاب الأحمرَ الجاهزَ للاحتراقِ لنقطةِ سلامٍ زرقاءَ؛ فإنك بلا شك تقومُ بعملٍ بطوليٍّ كبير.
حدّثني أحدُهم شاكياً منذ أيام، بأنّ الناسَ يتهمونه بالضعفِ؛ لأنه اختارَ الترفُعَ عن بعض الصغائرِ اليومية ، فهززتُ رأسي مؤيدةً : هذا ما يحصلُ معي أيضاً ، لكنْ في نظري لا بدّ لنا أنْ نستمرَّ ، فلو أفنينا طاقاتِنا في السفاسفِ؛ لن يبقى لنا طاقةٌ لمَعالي الأمورِ .. أرثي كثيراً لحالِ أولئك الذين اختاروا العيشَ على السطحِ، ونسوا كيف أنّ لكلِّ أمرٍ عمقاً لا يدركُه الآخَرون ، حتى المواقفُ وردودُ الأفعالِ تشابهتْ بأشكالٍ تلقائية، فلم يعدْ هناك مواقفُ مميزةٌ أو نظرةٌ متفردةٌ … طبعاً لا أذكرُ هذا على وجهِ التعميم ، فلا بدَّ أنّ الحياةَ تحملُ من النفوسِ والعقولِ الكريمةِ ما أعجزُ عن إدراكِه .. لكنه الغالب..
للحياةِ وجهٌ آخَرُ ، ولأيامنا مضمارٌ ممتدٌّ ، وللحظاتِنا قيمةٌ ثمينةٌ ، علينا حماية أنفسِنا مما قد يصيبُها من حزنٍ ونصَبٍ وتعبٍ لأمورٍ لا تستحقُّ ، فنحن أحوجُ لطاقتنا فيما ينفعُنا ويحققُّ ذواتنا ، ويهبُ لنا ولمن حولَنا السعادةَ في ابتسامةٍ أو متعةٍ أو فعلٍ كريم …دعونا نمتلكُ قلوباً تشملُ كلَّ شيء، وترضى عن كل شيء، حتى عن الإساءةِ؛ لأنها لا بدّ مرتدةٌ على من بدأ بها .. وصدقَ الشاعرُ إذ يقول:
اصبر على كيدِ الحسودِ فإنّ صبرَك قاتلُه كالنارِ تأكلُ بعضَها إنْ لم تجدْ ما تأكلُه
مشاركة / فداء الجيار