شكاوَى المراهقينَ بوابةُ اعتراضاتٍ لا تنتهي.!

تحقيق: السعادة
الاعتراضُ… التذمرُ… المزاجيةُ … التوترُ … الترددُ … الحيرةُ …عدمُ الانضباطِ … والصراعُ الداخلي صفاتٌ ترافقُ الشبابَ او الفتياتِ في مرحلةِ المراهقةِ، فهي بحاجةٍ إلى من يحتويهم ويتفهمُ طبيعةَ المرحلةِ التي يمُرّونَ بها .
فهي أصعبُ المراحلِ العمريةِ التي يمرُّ بها الإنسانُ، إمّا أنْ تقودَ إلى إنسانٍ منحرفٍ؛ إذا ما تُرِكَ له الحبلُ على الغاربِ، أو إنسانٍ قويمٍ؛ إذا ما حظيَ بالرعايةِ والتوجيهِ ، لكنْ بين هذا وذاك تختلفُ أساليبُ التوجيهِ، فهل تقودُ القسوةُ إلى ضبطِ الميزان؟ أَم أنّ الِّلينَ هو الأسلوبُ الأمثلُ؟
إلهام العمري (34) عاماً، تتجسدُ مشكلتُها مع ابنتِها سحر (15) عاماً، أنها دائمةُ الغيرةِ والغضبِ من أخواتِها اللواتي يكبُرنَها سِناً ويصغُرنَها كذلك!، وتفتعلُ معهنَّ المشاكلَ بصورةٍ مستمرةٍ!، وعندما أقتربُ منها لمحاولةِ إفهامِها أخطاءَها؛ فإنها سرعانَ ما تدخلُ في حالةٍ من الصمتِ والبكاءِ الطويلِ، وتمرُّ أيامٌ دونَ أنْ تحادثَ أحداً من أفرادِ المنزلِ!، لدرجةٍ أشعرُ فيها أننى أمٌ قاسيةٌ لا رحمةَ في قلبي تُجاهَها!، لذا كلّما حَاوَلَتْ افتعالَ المشاكلِ؛ أضغطُ على أخواتِها حتى يترُكنَها تفعلُ ما تريدُ!.
تقول: “اعتقدتُ أنّ الأمورَ معها لن تَطولَ؛ لكنها مع مرورِ الوقتِ تزدادُ غضباً وغيرةً وافتعالاً للمشاكلِ!، فهي تريدُ “جوالاً” من أحدثِ نوعٍ تقليداً لأختِها! وأنْ يكونَ لها حسابٌ على “الفيس بوك،” وتدخلَ في نقاشاتٍ عقيمةٍ وكأنها في قمةِ الوَعي والأدراكِ! وأننا نستقِلُّ بشخصيتِها… وحين أخبرُها بأنكِ ما زلتِ صغيرةً على استخدامِ الجوالِ ووسائلِ الاتصالِ؛ فلا استجابةَ من طرَفِها… ونبقَى نَدورُ في فلكِها دونَ الوصولِ إلى حلٍّ معها! فهي تريدُ أن ننفّذَ ما تريدُ .
مفتاحُ التعاملِ :
أمّا من وِجهةِ رأيِّ المراهقِ علاء محمد( 18) عاماً؛ أنّ العلاقةَ بين أيِّ مراهقٍ وأهلِه تَحكمُها طبيعةُ التربيةِ التي تلقّاها، فهناك عائلاتٌ لا تعطي أيَّ مساحةٍ لأبنائها في المشاركةِ والتعبيرِ عن الذاتِ، فيقول:” إنّ مفتاحَ التعاملِ معنا هو الحوارُ والتفاهمُ، وهذا ما افتقدناهُ في البيتِ والمجتمعِ، حيثُ إنه في أغلبِ الأوقاتِ يَفرضونَ رأيَّهم علينا؛ لذا نرى أنّ أغلبيةَ المراهقينَ يرفعونَ أصواتَهم؛ لأنهم يريدونَ أنْ يُثبِتوا ذواتِهم، ويوضِّحوا للجميعِ أنهم أصحابُ قرارٍ.
ويوضّحُ أنّ المراهقَ في هذه الأيامِ يشعرُ أنه أصبح كبيراً، ولم يَعُدْ طفلاً يسيِّرُه الكبارُ كيفما شاءوا، وعلى الجميعِ احتواءُ المراهقينَ واحترامُ أفكارِهم ورغباتِهم قدْرَ الإمكانِ، فهذا الاحترامُ سيخلقُ نوعاً من المَودّةِ التي تسهّلُ توجيهَ المراهقِ إلى طريقِ الصوابِ.
في حديثٍ “للسعادة” مع الأخصائي النفسي “محمود عبد العزيز منصور” حولَ فترةِ المراهقةِ؛ وصَفَها بأنها قدراتٌ شِبهُ مُكتملةٍ، ونشاطٌ متدفِقٌ يحاولُ في ثناياهُ أنْ يرمي بالطفولةِ في مساحاتٍ بعيدةٍ عن فكرِه وحياتِه التي يعيشُها اليومَ، وهي مرحلةُ صراعٍ نحوَ الدخولِ إلى عالمِ الكبارِ، ولهذا يجبُ علينا أنْ نستثمرَ هذه المرحلةَ بالأسلوبِ الأمثلِ، وأنْ نحاولَ توجيهَها… وإلاّ ضاعتْ أروعُ الفُرصِ، وأكبرُ الطاقاتِ.
ويرى أنّ حاجاتِ المراهقينَ لا تَخرجُ عن ثلاثةٍ، منها الحاجةُ النفسيةُ؛ فهم بحاجةٍ إلى العبادةِ بفِعلِ الفطرةِ في العبادةِ، لقولِه صلى الله عليه وسلم: “كلُّ مولودٍ يولَدُ على الفطرةِ”، وهذه الحاجةُ في مرحلةِ المراهقةِ أشدُّ نمُواً، وأكثرُ هيجاناً، وتبدو لدَى المراهقِ في عدّةِ صورٍ؛ أهمُّها التساؤلُ عن القضايا الكونيةِ والنفسيةِ، والتساؤلُ عن بداياتِ الإنسانِ وغاياتِه، ونرَى المراهقَ شديدَ التساؤلِ؛ لأنّ عواطفَه جيّاشةٌ، وأحاسيسَه مرهَفةٌ جداً، فهو كثيرُ الخوفِ، كثيرُ الرجاءِ، سريعُ الشعورِ بالذنبِ، عطوفٌ على الفقراءِ والمساكينِ والمظلومينَ، لذا تَجِدُه يتبنّى حاجاتِهم، ويسعى لمواساتِهم، ويحاولُ المساهمةَ في تخفيفِ معاناةِ البائسينَ، توّاقٌ للعملِ التطوعيّ، مُحِبٌ للروحِ الاجتماعيةِ التعاونيةِ، تجتذِبُه ساحاتُ الجهادِ وتستهويهِ، وتأخذُ بشَغافِ قلبِه؛ لِما فيها من صوَرِ إبرازِ القوةِ والبطولةِ والتضحيةِ، ولِما فيها من الاستعراضِ والحركةِ والمغامرةِ.
ويتابعُ :”يقومُ المراهقُ بتصرفاتٍ عنيفةٍ أو عدوانية، فهو يريدُ أنْ يُثبتَ لنفسِه أنّ بإمكانِه التخلصَ والإفلاتَ من سُلطةِ الأهلِ، وفي المقابلِ لا يَجدرُ بالأهلِ القلقُ من هذا التصرفِ؛ لأنّ المراهقَ يعلنُ أنه من الآن فَصاعِداً لا يريدُهم أنْ يعاملوهُ كالطفلِ، فيحاولُ بشتَّى الوسائلِ إظهارَ رغبتِه هذه، خصوصاً إذا أبدوا له عدمَ رضاهم عن مَيلِه إلى الاستقلاليةِ”.
وينصحُ الأخصائي “منصور” أنه من الأفضلِ للأهلِ أنْ يَبقوا على مسافةٍ بينهم وبين أبنائهم المراهقينَ، أيْ يمنَحوهم بعضَ الخصوصيةِ؛ مَثلاً لا يجوزُ للأمِّ أنْ تَدخُلَ إلى غرفةِ ابنِها فُجأةً ؛ بل عليها طلَبُ الإذنِ، وفي حالِ توتُرِ الأجواءِ بينهما؛ يُمكِنُ للأهلِ أنْ يعملوا على تلطيفِ الأجواءِ، أمّا إذا نشبَ شجارٌ عنيفٌ؛ فيَجدُرُ بالأهلِ أنْ يبتعدوا… وألاّ يُحاولوا إخضاعَ ابنِهم المراهقِ لرغبتِهم… في لحظةِ الشجارِ، بل عليهم الابتعادَ قليلاً حتى يهدأَ الطرَفانِ، وينظرَ كلٌّ منهما إلى الأمرِ بواقعيةٍ.
ويستدركُ حديثَه قائلاً: “هناك إشاراتٌ لدخولِ المراهقِ في أزمةِ المراهقةِ؛ كالاهتمامِ بمَظهرِه الخارجي؛ مِثلَ تغييرِ قَصّةِ شَعرِه، وإتباعِ أسلوبٍ مُعيّنٍ في لباسِه، وأحياناً يصابُ المراهقُ بحالاتِ الاكتئابِ النفسيّ والانطواءِ على الذاتِ، أو عدمِ الاهتمامِ بالذهابِ إلى المدرسةِ، وبعضُهم يلجأُ إلى التدخينِ، كما أنّ المراهقَ في هذه السنِّ يدركُ معنَى الموتِ الذي سيأتيهِ يوماً… وهذا ما يُقلِقُه، وأحياناً يحاولُ أنْ يُجرِّبَه… وهذا يفسّرُ أحياناً مَيلَه إلى المجازفةِ بحياتِه، والقيامِ بأمورٍ متهوِّرةٍ؛ كقيادةِ السيارةِ بسرعةٍ هائلةٍ، أو رغبتِه في قيادةِ دراجةٍ ناريةٍ”.
وفي ذاتِ السياقِ ترى الأخصائيةُ الاجتماعيةُ “عُلا النوري” أنّ التمرُدَ هو حالةُ الرفضِ والعصيانِ؛ للإعلانِ عن موقفِ الشخصِ تُجاهَ فكرةٍ أو عملٍ ما، وقد يأخذُ عدّةَ أشكالٍ؛ منها التجاهلُ التامُ لهذه الفكرةِ أو الموقفِ، ومنها الهجومُ على الفكرةِ، ورُبما تحويلُها إلى النقيضِ، فهو حالةٌ من حالاتِ الخروجِ عن المألوفِ، ووسيلةٌ للتعبيرِ عن الذاتِ.
وحولَ الأسبابِ التي تدفعُ المراهقَ للتمرُدِ؛ تقولُ النوري: “تنقسمُ إلى نوعَينِ؛ أحدُهما نفسيٌّ، والآخَرُ اجتماعيٌّ، فمن الناحيةِ النفسيةِ يمرُّ المراهقُ بفترةٍ يشعرُ فيها بأهميةِ ذاتِه، وبأنه أصبح شخصاً ذا مكانةٍ، وعلى المجتمعِ أنْ يعترفَ بذلك، وهو بتَمرُدِه يبعثُ برسالةٍ لمَن حولَه؛ يريدُ أنْ يقولَ من خلالِها (أنه مختلفٌ ومميَّزٌ)، ويستطيعُ أنْ يفعلَ الأشياءَ بطريقتِه الخاصةِ”.
وتضيفُ: “إذا كان الجميعُ يَقُصّونَ شَعرَهم بطريقةٍ واحدةٍ؛ فإنه يقصُّ شعرَه بطريقةٍ أخرى مُلفِتةٍ للنظر!، هو إذاً يريدُ أنْ يُثبتَ ذاتَه، و يقولَ للجميعِ “أنا هنا.. التفِتوا إليّ.. اعترفوا بوجودي” أمّا من الناحيةِ الاجتماعيةِ فإنّ المراهقَ يشعرُ وكأنّ المجتمعَ قيدٌ عليه، يريدُ أنْ يقلّلَ من شأنِه، أو أنْ يسلبَه حريتَه، فيكونُ ردُّ فِعلِه الخروجَ على قواعدِ هذا المجتمعِ وتقاليدِه وعاداتِه، وهناك ثقافةٌ فرعيةٌ تتشكلُ في المجتمعاتِ؛ يمكنُ أنْ نُطلقَ عليها “ثقافة المراهقين”، هي التي توجِّهُ سلوكَهم، وتُشعِرُهم بخصوصيةِ هذه الفئةِ العمُرية”.
وتتابعُ: “هذا التمرُّدُ نتيجةٌ طبيعيةٌ لجيلِ المراهقةِ؛ الذي يتميّزُ بالقوةِ البدَنيةِ والفتوّةِ، والإحساسِ بالقدرةِ على تغييرِ العالمِ من حولِهم، حتى وإنْ كان ذلك شيئاً صعبَ المَنالِ؛ والدليلُ على ذلك أننا لا نكادُ نلحظُ هذا التمرّدَ الاجتماعيَّ في الفئاتِ العمريةِ الأخرى، ففترةُ الطفولةِ السابقةِ على المراهقةِ هي فترةُ الخضوعِ والاستسلامِ لتعاليمِ الأهلِ والمجتمعِ والمدرسةِ، وفترةُ أواسطِ العمُرِ هي فترةُ الاتزانِ والحكمةِ، وفترةُ الشيخوخةِ هي فترةُ الضعفِ الجسديِّ والوَهنِ والأمراضِ، والحاجةِ الشديدةِ لرعايةِ الآخَرين”.
وتستدركُ حديثَها قائلةً: “لا نستطيعُ أنْ نُنكِرَ أيضاً الانفتاحَ الفكريَّ والاجتماعيَّ والثقافيَّ؛ الذي يميّزُ العصرَ الحالي عن العصورِ السابقةِ، فمراهقُ اليومِ مُطَّلِعٌ على الثقافاتِ الأخرى؛ يقرأُ لغاتِها، ويستمعُ إلى موسيقاها، ويقلّدُ نجومَ الفنِّ والرياضةِ… وهو على صلةٍ قويةٍ بأقرانِه؛ ليس فقط داخلَ مجتمعِه؛ بل أيضاً عبْرَ الحدودِ من خلالِ الإنترنت والفضائيات، وتُتاحُ له فُرصُ الحوارِ والدردشةِ والمشاركةِ في استطلاعاتِ الرأي والتصويتِ… هذا كلُّه يزيدُ من وعيِ المراهقِ بالتغيراتِ المحليةِ والعالميةِ، ويجعلُه يُقارنُ بينَ أوضاعِه وأوضاعِ الآخَرين”.
وتتابعُ: “لا توجدُ أساليبُ جاهزةٌ للتعاملِ مع تَمرُّدِ المراهقين، بل على المجتمعِ أنْ يسمحَ بهامشٍ من التمرُدِ للمراهقينَ؛ لأنه أحدُ الأساليبِ التي يُعبِّرونَ بها عن مشاعرِهم وأفكارِهم، و هذا لا يعني ترْكَ الحبلِ على الغاربِ؛ وإنما عدمُ ملاحقةِ المراهقينَ حتى يُخرِجوا ما لديهِم من طاقاتٍ وإبداعاتٍ”.