“قاسم النجار”غزة أسطورةٌ من الصمودِ والكرامةِ والانتصارِ.

فنانُ الشعبِ في حضرةِ “السعادة” .
“قاسم النجار”غزة أسطورةٌ من الصمودِ والكرامةِ والانتصارِ.
السعادة / أمينة زيارة :
أطلَّ بصوتِه الهادرِ، ووقفةِ الشموخِ النابلسي؛ متوشِحاً بالكوفيةِ الفلسطينيةِ على مسرحِ جامعةِ بيرزيت، يُبرقُ بتهانيهِ وتحايا العزّةِ والكرامةِ لأهلِ غزة، الذين واجَهوا آلةَ الغدرِ الصهيونية بالصمودِ والتحدي والكبرياءِ، لينشدَ “قولوا الله غزة انتصرت”، وتَردُّ عليه الجموعُ الحاشدةُ بمزيدٍ من التهليلِ والتصفيقِ، فينشدُ “عملوها الفدائية” كتحيةٍ لأبطالِ المقاومةِ، ويَختمُها بـ “اضربْ تلَّ أبيب”، ذكرياتٌ جميلةٌ لن تُمحَى من ذاكرةِ فنانِ الشعبِ “قاسم النجار”؛ عندما انتهتْ الحربُ بانتصارٍ أسطوريٍّ لأهلِ غزة، فقد افتتحَ حديثَه “للسعادة” باسترجاعِ شريطِ ذكرياتِه المليءِ بالإنجازاتِ الفنيةِ وحبِّ الجماهيرِ.
نريدُ منك نبذةً عن حياةِ ونشأةِ الفنان قاسم النجار؟ وما أولُ المَسارحِ التي صدحَ بها صوتُه؟
“قاسم النجار” من بلدةِ بورين في نابلس، أنهيتُ درجةَ البكالوريوس في تخصُصِ الاجتماعياتِ من جامعةِ النجاح، أبلغُ من العمر (31) عاماً، أعزبُ، كانت البداياتُ بقريةِ بورين في إذاعةِ وحفلاتِ المدارسِ في الاحتفالاتِ الوطنيةِ، ومن ثم حفلاتِ الجامعةِ، وكنتُ أغنّي أغاني الثورةِ القديمةِ “لفرقة العاشقين، وأبو عرب” وكانت أولى الأغاني من كتابتي وألحاني وغنائي، بمشاركةِ رفيقِ دربي “شادي البوريني”؛ هي “اضربْ تل أبيب”، ومن ثم “زنقة زنقة”، بمناسبةِ الربيعِ العربي في عام (2012)، وبعدها بدأتُ إنتاجَ الأغاني بشكلٍ مكثّفٍ… ومن المتعارفِ عليه أنّ قريةَ بورين تشتهرُ بارتجالِ الزجَلِ الشعبي، فأجدُ لديَّ الموهبةَ لكتابةِ هذا النوعِ من الفنِّ؛ لذا أقومُ بكتابةِ وتلحينِ وغناءِ جميعِ الأغاني التي أشدو بها.
ما طبيعةُ العلاقةِ التي تربطُ بين الفنانَينِ “شادي البوريني، وقاسم النجار”؟
أنا وشادي البورينى أبناءُ قريةٍ واحدة “بورين”، ونحن أصدقاءٌ منذُ الطفولةِ، جمعتْنا مقاعدُ الدراسةِ، درسْنا في المرحلةِ الابتدائيةِ والإعداديةِ والثانويةِ، لتَمتدَّ هذه الصداقةُ، ونتقابلَ ونُكملَ المشوارَ الجامعي معاً، فارتبطتْ علاقاتُنا وزادتْ في المشوارِ الفني، فاشتركتُ معه بأعمالٍ فنيةٍ كثيرةٍ_ يَعرفُها الجميعُ_ فرسالتُنا وهدفُنا واحدٌ؛ هو أنْ نقدّمَ مثالاً فنياً فلسطينياً؛ يشهدُ له القاصي والداني، كما وشاركْنا معاً في مهرجاناتٍ وطنية خارجَ فلسطين، “الجزائر والأردن”، وأنشدْنا للقضيةِ الفلسطينيةِ، ووجدْنا كمَّ الدعمِ والتشجيعِ والحبِّ للفنِّ الفلسطيني.
**هل الغناءُ بالعامية ميزةٌ أم ضعفٌ؟
العاميةُ هي لغةُ الشعوبِ، وأسهلُ طريقةٍ للتعارفِ والتفاهمِ، ونقلِ همومِ المجتمعِ وأحلامِه، ومن خلالِها اشتهرَ أقوَى وأعظمُ المطربينَ والشعراءِ الكبارِ، فمثلاً الشاعرُ المصري “هشام الجخ” يطلُّ على الجمهورِ بلهجتِه الصعيديةِ القريبةِ من الناسِ؛ لذا نجحَ وتركَ بصمةً كبيرةً على ساحةِ الشعرِ العربي، وكثيرٌ من الفنانينَ المصريّينَ والسوريّينَ والأردنيّين؛ ينشدونَ بالعاميةِ التي يَفهمُها الصغيرُ والكبيرُ، فالغناءُ بالعاميةِ هو أصعبُ أنواعِ الغناءِ؛ حيثُ يستخدمُ الفنانُ كلماتِ الناسِ، ويجدُ صعوبةً في نسجِها، ويخافُ ألاّ تكونَ قد وصلتْ بالطريقِ والأسلوبِ والهدفِ المنشودِ منها.
**لغزةَ حكاية فن ورسالة وصداقة لدى قاسم النجار، كيف تراها؟
غزة حكايتي، فأنا أعشقُ ترابَها وبحرَها وسماءَها، وقد غنّيتُ لها الكثيرَ من الأغاني، منها “اضرب تل أبيب (1-2)، والكهرباء، عملوها الفدائية”، حزنتُ لوجعِها وفرِحتُ لنصرِها، وأنشدتُ لكرامتِها وصمودها وانتصارِها، ولي تواصلٌ كثيرٌ مع أهلِ غزة، وأصدقاءٌ من الفنانين والصُحفيين، ونتواصلُ بشكل مستمر، ويومياً أتلقّى اتصالاتٍ من أصدقائي والمعجبين من غزة، عدا رسائلِ الفيس بوك، فجميعُ الأغاني الوطنيةِ كانت لغزةَ ومقاومتِها، فكلُّ العالمِ بكفّة؛ وغزةُ بالكفّةِ الراجحةِ، فهي البقعةُ التي حيّرتْ العالمَ…! فيها “الحبُّ والأخوةُ والحريةُ والثورةُ والصمودُ والكرامةُ والإبداعُ “، ورغم الحصارِ لا تزالُ ترسمُ للعالمِ خارطةً فنيةً جميلةً تُدخلُ السرورَ إلى القلوبِ الميتة.
مَي وملح” كأولِ تجربةٍ فنيةٍ في إنتاجِ الفيديو كليب، كيف تُقيِّمُها؟ وهل هناك نيّةٌ في إنتاجٍ جديدٍ؟
جاء هذا الفيديو لتوصيلِ رسالةِ الأسرى المضربين عن الطعامِ للعالم، حيثُ لاقتْ تفاعلاً كبيراً من شرائحِ المجتمعِ مع هذه القضيةِ الوطنيةِ الأولى، فسارعتُ إلى إنتاجِ عملٍ فنيٍّ يضاهي هذا النضالَ الأسطوري للأَسرى، وكانت المجازفةُ عبرَ الفيديو كليب؛ كتجربةٍ أولى… وبحمدٍ للهِ نجحتْ بصورةٍ كبيرةٍ من خلالِ عددِ المشاهَداتِ التي وصلتْ إلى المليونِ عبرَ اليوتيوب، وعرضِها عبرَ الفضائياتِ الفلسطينيةِ، هذا وقد استمرَّ التصويرُ فيها لسبعِ ساعاتٍ متواصلةٍ؛ بفكرةٍ تدورُ حولَ مدرّسٍ يعطي تلاميذَه درساً وطنياً عن الصمودِ والكرامةِ والتحدي؛ وجميعُنا مرتدونَ ملابسَ تحملُ هاشتاغ “مي وملح”.
هل الكلماتُ والتلحينُ حكرٌ على قاسم النجار؟ وهل يقبلُ بالغناءِ لكلماتِ غيرِه؟
الكلماتُ والألحانُ ليست حِكراً على “قاسم النجار، أو شادي البوريني”، وهناك يومياً تُعرضُ عليَّ كلماتٌ وألحانٌ من شعراءَ فلسطينيين؛ ولكنى أختارُ المناسبَ حسبَ طبيعةَ أعمالي الفنيةِ؛ فأنا أختارُ الكلمةَ الجميلةَ، واللحنَ المميزَ القريبَ إلى قلبِ الجمهورِ، وما يَهمُني هو طفلٌ من الشجاعية يحفظُ أغنيتي”.
حدّثنا عن مواهبِك قاسم ؟
أحبُّ لَعبَ “تنسِ الطاولةِ والسباحةَ”؛ لأنّ فيها إعمالاً للعقلِ والفكرِ، ولديَّ شغفٌ كبيرٌ بمتابعةِ مبارياتِ كرةِ القدم على مستوى العالمِ؛ فأشجّعُ فريقَنا الوطني، وحُبي لفريقَي برشلونةِ ومنتخب إيطاليا، وأحبُّ تكتيكات نادي الوحداتِ الأردني.
هل أخافتْكَ التهديداتُ من قواتِ الاحتلالِ، وحدّتْ من تطوُّرِك في مجالِ الغناءِ الوطني؟
تعرّضتُ لكثيرٍ من المضايقاتِ والتهديداتِ، وتمَ اعتقالُ إخوتي، واقتحامُ بيتِنا لتخويفي ومنعي من مواصلةِ مشواري الفني الجهادي؛ لكنني لم أتراجعْ…! ولم أهتمْ إلى هذه التهديداتِ! واستمرَّ نشاطي الفني، وبعدَ إنتاجِ ونشرِ “عملوها الفدائية، وممنوع التجول في إسرائيل” اقتحمتْ قواتُ الاحتلالِ بيتَنا، واعتقلتْ أشقائي، ومن ثم أُفرجَ عنهم… وعادَ الاحتلالُ للتضييقِ عليَّ من خلالِ منعي من السفر،ِ وتوقيفي على الحواجز.
**أقربُ الأغاني إلى قلبِك؟
على الرغمِ من أنّ جميعَ الأغاني بذلتُ فيها جهداً كبيراً؛ خاصةً أنّ كلَّ واحدةٍ جاءت في مرحلةٍ مختلفةٍ، إلاّ أنّ أغنيةَ “اضرب تل أبيب 1-2” كانت ومازالت هي الأقربُ إلى قلبي؛ لنجاحِها الكبيرِ، فقد حفِظَها الكبيرُ والصغيرُ، وتلقيتُ التهاني والتقديرَ من الداخلِ والخارجِ لنجاحِ الهدفِ التي كُتبتْ من أجلِه.
**ما هي أمنياتُ وطموحاتُ الفنان النجار؟
قاسم النجار لايزالُ يمشي خطواتِه الأولى في الغناءِ الوطني، وأسعى للقمّةِ وأطوّرُ نفسي بشكلٍ مستمرٍ، وأحلمُ بأنْ أترُكَ بصمةً إيجابيةً؛ يصبحُ فيها فني تراثاً للأجيالِ القادمةِ.