قوانينُ النجاحِ (2)

أهلاً بك من جديدٍ في مقالةٍ جديدةٍ لجعلِ حياتِك أفضلَ ، سنُكملُ الحديثَ معاً عن مسيرةِ النجاحِ وقوانينِها التي يسّرَها اللهُ لكُل مجتهدٍ منّا بالبحثِ والمتابعةِ والتطبيقِ، وهي سهلةٌ وقويةُ الآثارِ والنتائجِ… فتعالَ معي لنُكملَ .
تذكيرٌ ومراجعةٌ : قانونُ الزيادةِ :
- خلاصةُ ما ذكرْناهُ في المقالِ السابقِ أنّ الكونَ مبنيٌّ على الوَفرةِ والكثرةِ من كلِّ شيءٍ، وحتى تبدأَ زيادةَ ما بين يديكَ، أو تحقيقَ ما تريدُ؛ أولاً كُن مُمتنَّاً لِما بينَ يديكَ الآنَ، واشكرْ اللهَ واشكرْ الناسَ.
قانونُ العطاء:
القانونُ الثاني الذي سأحدّثكَ عنه اليومَ؛ هو أحدُ أعظمِ قوانينِ النجاحِ : قانونُ العطـاء؛ وهو ببساطةٍ ودونَ تعقيدٍ يقولُ ( كلّما أعطيتَ دونَ أنْ تتوقّعَ الحصولَ على مقابلٍ؛ أصابَكَ الخيرُ الكثيرُ) .
ما هو قانونُ العطاء؟ يُعرّف “ديباك شوبرا” قانونَ العطاءِ “بأنَّ الكونَ يعملُ وفقاً لتبادلٍ ديناميكيٍّ مستمرٍ في الأخذِ والعطاءِ، ونحن عندما نُبدي الاستعدادَ الدائمَ لنعطيَ ما نطمحُ للحصولِ عليه، فنحن بذلك نعملُ على إبقاءِ الوفرةِ الكونيةِ جاريةً في مسارِها الطبيعي”. قانونُ العطاءِ هو قانونٌ كونيٌّ، وأيُّ شيءٍ تمنحُه للآخَرينَ؛ حتماً سيعودُ إليكَ… ليس بالضرورةِ من نفسِ الشخصِ، وبنفسِ الطريقةِ، لكنْ كُن واثقاً أنكَ ستحصلُ على مقابلَ لِما تمنحُه للآخَرينَ؛ سواءٌ كان مالاً، وردةً، هديةً، مساعدةً .
العطاءُ يُنتِجُ الأخَذَ، والأخذُ يُنتِجُ العطاءَ ، وما يذهبُ يجبُ أنْ يعودَ ويرجعَ هذا قانونٌ كونيٌّ (( والسماءِ ذاتِ الرجْعِ والأرضِ ذاتِ الصدْع ِ)) ، ألا ترَى لدورةِ المياهِ كيف تحصلُ؟ تشرقُ الشمسُ على مياهِ البحارِ والمحيطاتِ ( عطاءٌ أخْذٌ ) فتتبخّرُ المياهُ، وتتصاعدُ للتكاثفِ، وتشكّلُ الغيومَ، وتعودُ ماءً صافياً من جديدٍ. ألم تلاحظْ أنّ كلَّ بذرةٍ تملكُ في داخلِها الكثيرَ لتُنبِتَ غابةً كاملةً! . لكنْ تخيّلْ لو أنّ هذه البذرةَ تمَ تخزينُها واكتنازُها، ولم تنطلقْ في الأرضِ لتنشرَ بذوراً أخرى ؟ هل اتّضحتْ لك الصورةُ الآنَ ؟ إنّ العطاءَ هو أساسُ الأخذِ، وأنت عندما تعطي مما تملكُ؛ سيعودُ عليك ما أعطيتَ تماماً… بل وأفضلَ ؟
سأساعدُك أكثرَ لتدركَ الموضوعَ بإثباتاتٍ قرآنيةٍ ونبويةٍ وواقعيةٍ؛ لتدركَ أهميةَ هذا القانونِ وقوتِه، وأنه مساعدٌ حقيقٌ للنجاحِ، وزيادةِ الوفرةِ والمالِ والسعادةِ، وأيّاً ما كنتَ تطلبُ زيادتَه، هل أنت مستعدٌ ؟ هيّا بنا:
اسمعْ قولَ اللهِ عزّ وجلَّ في الإنفاق وعائده : “مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ” البقرة:٢٦١
واقرأ هنا وعداً من اللهِ؛ أنّ ما تنفِقُه سيعودُ عليكَ تماماً بدونِ نقصٍ أبدا “مَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ”سبأ :٣٩
ولعلَّ أروعَ الأحاديثِ التي تتكلمُ عن قانونِ العطاءِ وتؤكِّدُه بقوةٍ؛ هو أنّ رسولَ اللهِ – صلى الله عليه وسلم – قال:((ما من يومٍ يصبحُ العبادُ فيه إلا ملَكانِ ينزلانِ؛ فيقولُ أحدُهما: اللهمَّ أعطِ مُنفِقًا خلَفًا، ويقولُ الآخَرُ: اللهمَّ أعطِ مُمسِكًا تلَفًا)) متّفقٌ عليه.
سأذكرُ لك قصةً حقيقةً؛ حصلتْ معي شخصياً؛ تؤكّدُ قوةَ هذا القانونِ ، كان لديَّ عرضٌ تدريبيٌّ مع إحدى المؤسساتِ، وتم الاتفاقُ معهم على عددِ ساعاتِ التدريبِ والتكلفةِ، وتحديدِ موعدِ البدءِ ، تفاجأنا _قبل بدءِ التدريبِ بقليلٍ_ بقرارٍ من المؤسسةِ بخفضِ قيمةِ التدريبِ؛ لظروفٍ مرتْ بها المؤسسةُ ، بعضُ الزملاءِ اعترضَ، ورفضَ الاستمرارَ؛ لأنّ هذا مخالفٌ للاتفاقِ المَبدئي، والبعضُ الآخَرُ قال سأعطي على قدْرِ ما يتمُ دفعُه ( أنا عارضتُ هذا الطرْحَ ) ، مع إني حضرتُ بطريقةٍ كبيرةٍ، وتعبتُ على إعدادِ المادةِ، وبذلتُ فيها جهداً كبيراً ، قلتُ إنّ اللهَ لن يضيّعَ تعبي، وكلُّ ما أبذلُه سيعودُ بأضعافِه، وقبلتُ التدريبَ بمبلغٍ قليلٍ بالنسبةِ لي، وأعطيتُ بإخلاصٍ وبراعةٍ وإتقانٍ تماماً. وعندما أخذتُ “الشيك” لأصرِفَه من بنك كان لي حسابٌ قديمٌ فيه، ولي أكثرُ من سنواتٍ لم أفعّلْ هذا الحسابَ؛ قال لي الموظفُ: حسابُك مغلَقٌ، وفيه مبلغٌ من المالِ غيرِ مسحوبٍ!! تفاجأتُ من الكلامِ! وقلتُ له كم المبلغ ؟ ومنذ متى ؟ قال منذ ثلاثِ سنواتٍ، وكانت قيمةُ المبلغِ ثلاثةَ أضعافِ المبلغِ الأصليّ الذي كان متفقاً عليه مع المؤسسةِ! شكرتُ اللهَ، وعلمتُ أنّ قانونَ العطاءِ يعملُ دائماً بقوةٍ !.
إنّ ممارسةَ قانونِ العطاءِ بسيطٌ جداً في الحقيقةِ: إذا أردتَ أنْ تفرحَ؛ فامنحْ الآخَرينَ الفرحَ ، وإذا أردتَ أنْ تُحَبَّ؛ فامنحْ الآخَرين الحبَّ ، وإذا أردتَ أنْ تحصلَ على اهتمامِ الناسِ وتقديرِهم؛ فقدِّمْ هذا الاهتمامَ ، وإذا أردتَ ثروةً ماديةً؛ فساعِدْ الآخَرينَ على أنْ يصبحوا أثرياءَ. إنّ الأمرَ ببساطةٍ هو أنه من يُعطِ سيأخذْ، ومن يُعطِ يُعطَ؛ بِغضِّ النظرِ عن ظروفِه او ممتلكاتِه.
الخطوةُ العملية:
اتخِذْ قراراً بالعطاءِ في أيِّ وقتٍ، وأيِّ مكانٍ تذهبُ إليه، وطالما أنت في عطاءٍ دائمٍ ؛ فأنت في حالةِ أخذٍ دائمٍ؛ وكلّما أعطيتَ أكثرَ؛ ازدادتْ ثقتُك بالربحِ الوفيرِ؛ الذي سيعودُ عليك به قانونُ العطاءِ . أعطِ الحُبَّ ، أعطِ الشعورَ الإيجابيَّ، أعطِ الكلمةَ الطيبةَ، أعطِ الدعاءَ للآخَرينَ، أعطِ وخُذْ بالمقابلِ الكثيرَ من ربٍّ عظيمٍ كريمٍ، وابدأ الآنَ بزيادةِ ما لديكَ بالشكرِ والامتنانِ والعطاءِ .