والدتي قاسية معي!

أنا فتاةٌ في بداية العشرينات، أعاني منذ الصغرِ من إهمالِ والداي في فهمي، يُهملاني ولا يعطياني أيّ نوعٍ من أنواعِ الرعايةِ والاهتمامِ! وشخصيتي هادئة جداً ومطيعة، فكلُّ ما يقولونه يُنفَّذ بدونِ اعتراض، فكانتْ تَمُرُّ عليَّ أيامٌ دونَ أنْ يُحادِثُني أحدٌ، وكنتُ أعوّض هذا بتفوُّقي، حتى حصلتُ على مركزٍ متقدِّمٍ في التفوق الدراسي على مستوى مَدرستي، دونَ أنْ يعرفَ أحدٌ عني شيئًا.
أُمي تُعطي اهتمامَها لأخي الأكبرِ لحُبِّها له، ولتعثُّره الدراسي، وأبي مشغولٌ بعملِه المتواصلِ، فلم أجدْ الاهتمامَ المناسبَ، كنتُ أتعرَّض للضربِ والشتمِ من أخي الأكبر، ولَم يكنْ يوقفُه أحدٌ، إلاَّ بعضُ اللوم من أبي، إذا شكوتُ له، وكذلك أختي، لا يوجدُ أي علاقة بيننا! أمي أهْمَلَتْني طوال عمري، ولم أسمعْ منها يومًا كلمة عطفٍ أو حبٍّ واحدة!، لكنّ العجيب أنها ترى أنها فعلتْ كلَّ ما في وُسْعِها تجاهي؛ أشعُر بالظلم، وأخافُ أنْ يكونَ تجنُّبي لها عقوقًا يُحاسبني ربي عليه، أرجو أنْ تقدِّموا لي النصيحة .
عزيزتي، الإنسانُ مُعَرَّض في حياته للابتلاء، ويختلفُ هذا مِن إنسانٍ لآخَر؛ فقد يُبْتَلى الشخصُ في مالِه، وقد يبتلى في أهله، أو في عافيتِه، ليختبرَ اللهُ سبحانه وتعالى صبرَه، ثم يجازيه مِن عنده بالأجرِ والثوابِ، فلْتَصْبِري وتَحْتَسِبي ولك الجنة. إنَّ ما تَعَرَّضْتِ له منذ صِغَرِك هو البلاءُ، وعليك الصبرُ والنظرُ للحياة مِن جانبها الإيجابي والرائعِ، الذي تتميزين به عن إخوانك.
ذكرتِ العديدَ من الصفاتِ التي ميَّزَتْك، وجعَلَتْ منك إنسانةً رائعةً هادئة ومتفوقةً ومتسامحة، وتعملين عملاً إنسانيًّا رائعًّا يخدمُ الجميع، إنّ ما مرَّ عليك جعل منك فتاةً رائعةً، وأجدُ أنّ لديك القدرةَ على أنْ تَسْتَمِرِّي في نجاحِك وتفوقِك… وعندي اليقينُ بذلك.
الْتَمِسي العُذر لوالديك، فالشرْعُ أَمَرَنا أنْ نلتمِسَ العذرَ لِمَن حولنا، فما بالُك بأقربِ الأقاربِ وهما والداك؟! أنا أجزمُ أنهما يُكِنانِ لك كلَّ الحبِّ والتقدير والاحترامِ والفخرِ بما وصلتِ إليه، ولكنْ لعلَّهما لَم يُوَضِّحَا تلك المشاعر، وبقيتْ في باطنِ القلبِ.
حاولي ألاّ تترُكي مجالاً للفراغ يَدْخُل في حياتك، واشغلي نفسِك بأعمالٍ منزلية، أو حضورِ دورات، أو مشاركاتٍ تطوُّعية، أو الاشتراكِ في أنديةٍ رياضيةٍ، أو ممارسةِ أي نشاطٍ مُحَبَّب لك .
أمّا بخصوصِ والدتك؛ انظري سببَ تفضيلها إخوانَك عليك، فقد لا يكونُ تفضيلاً أو تمييزًا بِقَدْر ما هو رحمةٌ لهم من عدم وصولِهم لِما يريدون، أو صِغرُ سنِّهم، اذكري أنتِ عدة أسبابٍ لذلك؛ لأنها – أثابها الله – تراكِ الشخصَ الناجحَ والمتسامح، والذي يتخطّى الكثيرَ من الأمور أمامه؛ لذلك يتخيّلُ لك في الغالب أنها لا تشعرُ بك، وأنّ هذه المشاعرَ لا تمثلُ لك شيئًا للأسف، ولكني متأكدةٌ مِن محبتِها لك؛ لذلك عليك احترامُها، والعملُ على رضاها، وتقديرُها، وعدمُ تجنُّبِها مَهما صدرَ منها، فهي سببُ نجاحِك في الدنيا، وسببُ دُخُولِك الجنةَ في الآخِرة.
أيضًا كُوني على يقينٍ بأن جُهدَك لن يضيعَ هباءً منثورًا، ولكنْ سيُعَوِّضك اللهُ بزوجٍ وأبناءٍ يُعَبِّرون لك عن مَشاعرِهم وأنتِ تعاملينهم بالمِثلِ، وستعيشينَ حياةً سعيدةً ما دُمت مُتسامِحَة.