هيّا بنا نَدفعُ العجلةَ!

دعاء عمار:
من المؤكّدِ أننا رأينا مرةً أو مراتٍ كثيرةً اللعبةَ الأبسطَ والأكثرَ تفضيلاً لدَى الكثيرِ من الأطفالِ، لعبةُ الدولابِ أو “العجلة” التي لا يَهمُ ما شكلُها أو لونُها؛ سواءٌ كانت مشتراةً بثمنٍ قلَّ أو كثرَ، أو كأكثرِ ما تكونُ عجلةُ سيارةٍ أو دراجةٍ معطّلةٍ، المُهمُ أنْ تبقى مندفعةً، يركضونَ خلفَها بضحكٍ ومرحٍ لا حدودَ له.
حسناً… ما دخلُنا نحن بهذه العجلةِ؟ أقولُ لكم: في الأيامِ الماضيةِ مررتُ بالكثيرِ من الأمورِ _رُبما كالكثيرِ غيري_ من مشكلاتِ الحياةِ وعقباتِها التي جعلتْني أمتنعُ عن القيامِ بعددٍ من المهماتِ التي طالما حرصتُ على أدائها على أكملِ وجهٍ؛ مَهما كنتُ مُتعبةً أو منشغلةً، تراجعتْ همّتي وإرادتي، باختصارٍ أُصبتُ بالكثيرِ من اليأسِ والشعورِ بالعجزِ لأسبابٍ متعددةٍ؛ رُبما أهمُّها نفسُ ما يفعلُه الأطفالُ مع صاحبِ العَجلةِ، يبدأونَ بالثرثرةِ حولَه ولفْتِ انتباهِه؛ كي ينشغلَ عن عجلتِه فتتوقفَ أو تَحيدَ.
وأنا تأثرتُ بتلكَ الثرثرةِ؛ حتى كادت عجلتي أنْ تتوقفَ!، تعثّرتُ بعضَ الشيءِ، بل كِدتُ “انتحر” معنوياً_ إنْ جازَ التعبيرُ_ مع بقاءِ الجسدِ ينبضُ! من المؤكّدِ أنّ بعضَكم مرَّ أو قد يَمرُّ بمِثلِ تلك الحالةِ_ تزيدُ أو تنقصُ_ ويزيدُ الأمرُ كلّما كان الإنسانُ صاحبَ هدفٍ سامٍ يسعَى لتحقيقِه، أو يتبنّى أمراً مُهِماً يشغلُ عليه حياتَه؛ لأنه دوماً لا يرضَى بالتوقفِ؛ بل يحرصُ على بقاءِ عَجلتِه دائرةً ، وكلّما هدأتْ من سرعتِها في محطةٍ سارَعَ للانتقالِ لمحطةٍ أخرى، فلا نهايةَ لطموحِه، ولا سقفَ لكفايتِه.
وهنا سأُخصّصُ الحديثَ لَكُنَّ أنتُنَّ، باختصارٍ لأنّ النساءَ من يَحمِلنَ عبءَ كلِّ النفسياتِ والمعنوياتِ في المنازلِ والمجتمعاتِ، أذكُرُ في صورةٍ رأيتُها لحضارةٍ قديمةٍ؛ كانوا يجعلونَ أسقُفَ البيوتِ تقامُ على عمدانٍ منحوتةٍ على هيئةِ نساءٍ وهي واقعٌ ليس في تلك الحضارةِ فقط؛ بل في أيامِنا هذه، حتى وإنْ أنكرَ البعضُ… لذا ماذا تفعلينَ إنْ شعرتِ بقربِ توقُفِ عَجلتِكِ؟، حقيقةً آيةٌ قرآنيةٌ أعادتْ شَحْنَ طاقتي، تلك في سورةِ الأعرافِ التي تقولُ “فلَعلكَ تاركٌ بعضَ ما يوحَى إليكَ وضائقٌ به صدرُكَ…”، وهنا أشيرُ إلى أنّ الأهمَ من التعرُّضِ دوماً للقرآنِ على ما فيه من هدوءٍ للنفسِ وسكينةٍ للروحِ، لكنْ حتى يكونَ منهجاً عملياً حقاً، وليس تمتماتٍ نردِّدُها بجهلٍ؛ هو أنْ نَعرفَ أيَّ تفسيرٍ يحقّقُ لنا الفهمَ الحقيقَ، والجلاءَ الكاملَ لمعانيهِ الروحيةِ والواقعيةِ؛ كي يكونَ _فعلا_ دستوراً ومنهجاً لنا في هذه الحياةِ.
المهمُ كان اللهُ _تعالى_ يخاطبُ النبيَّ _صلى الله عليه وسلم_ ويخفّفُ عنه بعضَ تكذيبِ الكافرينَ له، وما يَطلبونَ منه من المُعجزاتِ، وما هم بها بمؤمنينَ، ولكنه التعنُّتُ في رفضِ الدعوةِ، وإمعانٌ في إيذاءِ النبيِّ _عليه الصلاةُ والسلامُ_، وفي ظِلِّ ذلك كلِّه راوَدَ النبيُّ بعضَ أفكارِ التخلّي أو محاولةِ التقاربِ؛ كي يستحِثَّ المُشركينَ على القَبولِ، فأكّدَ عليه اللهُ _تعالى_ رفضَ ذلك… وعاتبَه مؤكّداً عليه أنّ الوحيَّ أهمُّ ما يجبُ التمسُكُ به، وأنّ الدعوةَ سِرُّ الوجودِ، فلا بديلَ عن احتوائها ؛ مَهما بلغتْ المعيقاتُ والأذَى من المشركينَ.
وفي آياتٍ أُخرى في سورةِ الحِجر “ولقد نَعلَمُ أنه يضيقُ صدرُكَ بما يقولونَ، فسبّحْ بحمدِ ربِّكَ وكُن من الساجدين”؛ يؤكّدُ على النبيِّ عليه _الصلاةُ والسلامُ_ ضرورةَ حفاظِه على سلامةِ صدرِه، وعدمِ الاستماعِ لذلكَ الأذى والأقاويلِ من المشركينَ؛ لأنّ سلامةَ الصدرِ، وحفاظَه على قلبِه وروحِه في حالةٍ مرتفعةٍ؛ يُعينُ على تبليغِ الوحيِّ الذي يُعَدُّ في حدِّ ذاتِه وسيلةً لسلامةِ الصدرِ واليقينِ بالحقِّ والخيرِ القادمِ لا محالةَ في نهايةِ المطافِ.
إذاً فصاحبُ كلِّ هدفٍ سامٍ، أو عَجَلةٍ دائرةٍ في هذه الحياةِ؛ ستكونُ المعيقاتُ في طريقِه كثيرةً، ولكنْ يجبُ أنْ تكونَ الإيجابيةُ سياجاً يحيطُ بالنفسِ والروحِ حفاظاً لها؛ في مقابلِ كثرةِ الألفاظِ والثرثراتِ والأقاويلِ الكاذبةِ، حتى وإنْ كثُرتْ الأسيجةُ المانعةُ عن الوصولِ، طالَما تحلّتْ النفسُ بفعلِ الحركةِ الدائمِ؛ ستَجدُ ألفَ وسيلةٍ ووسيلةٍ للخروجِ من ذلك الحصارِ النفسيّ والماديّ المفروضِ عليها، تماماً كما قالَ أحدُهم: “لو أطبقتْ السماءُ على الأرضِ؛ لجعلَ اللهُ للمستغفرينَ أو للمتقينَ فتحاتٍ يَخرجونَ منها.
وهنا الاستغفارُ أو التقوَى ليس فعلَ عَجزٍ؛ بل فعلاً إيجابياً؛ لأنه لجوءٌ إلى الباقي الذي لا يَفنَى، في مواجهةِ كلِّ الفانياتِ من المشكلاتِ و العوائقِ؛ ولأنهما أيضاً لا يُسلِمانِ صاحبَهما للركونِ؛ بل يدفعانِه دوماً للبحثِ عن أسلَمِ الطرُقِ وأبسطِها؛ كي تستمرَّ عجَلتُه في الدورانِ.. المهمُ لا تُوقِفْ العجَلةَ أبداً!.