بطالةُ النظافةِ بين قَبول بمبدأ العمل ورفض لإهانتِها الشهاداتِ الجامعيةِ.

احلام العجلة
في ظلِّ الظروفِ الاقتصاديةِ المتردّيةِ التي تعصفُ بقطاعِ غزة، وزيادةِ أعدادِ العاطلينَ عن العمل، وعدمِ حصولِ آلافِ الخريجينَ على فُرصِ عملٍ مناسِبةٍ لتخصصاتِهم الدراسية؛ يصطدمُ الخريجونَ بمشاريعِ التشغيلِ المؤقتِ “بطالةِ عمالِ نظافةٍ للشوارع”، التي تمنحُها لهم المؤسساتُ المحليةُ والدوليةُ العاملةُ في غزةَ ؛ دونَ مراعاةِ قدراتِهم وشهاداتِهم الجامعية.
طَمسُ التعليمِ :
“السعادة” تجوّلتْ في مناطقَ متفرقةٍ في غزة ملتقيةً بعددٍ من الشبابِ؛ لرصدِ آرائهم تُجاهَ هذه القضيةِ، والتي تتفاوتُ بشكلٍ ملحوظٍ؛ فهناك من يرفضُ مُجردَ التفكيرِ بهذا الحلِّ، وهناك من يَقبلُ بها على استحياءٍ؛ بشرطِ أنْ يكونَ العملُ في أماكنَ عامةٍ، وهناك من يَعدُّها مُسكِّناً سريعاً يخفّفُ من قسوةِ ظروفِه المعيشيةِ.
وعن هذا النوعِ من البطالةِ، يرى الخريجُ “أحمد أبو سِتة” بأنّ هذا العملَ لا يليقُ بشخصٍ متعلّمٍ؛ دفعَ مبالغَ ماليةً طائلةً في دراستِه؛ ليحصلَ في نهايةِ المطافِ على وظيفةٍ تُناسبُ طموحَه وأحلامَه المستقبلية.
ويقولُ أبو ستة :” إنّ بعضَ المؤسساتِ التي تسعى دوماً بمنظورِها للتخفيفِ عن الخريجينَ بتوفيرِ مشاريعَ تشغيلٍ لا تليقُ بهم؛ تزرعُ في ذاتِ الوقتِ مفهوماً في ذهنِ الشبابِ؛ بأنّ المتعلِّمَ في آخِرِ مَطافِه ليس له وظيفةٌ سِوى أنْ يكونَ عاملَ نظافة”.
ويشارِكُه الرأيَ الخريجُ “خلدون أبو حجيِّر” _آسِفاً_ لِكَونِ هذه المشاريعِ لا تناسبُ الخريجينَ؛ بل تستهدفُ شريحةً غيرَ متعلمةٍ.. ولكنّ السائدَ في المجتمعِ هو العكسُ؛ حيثُ يكونُ الهدفُ من ذلك طَمْسَ التعليمِ .
ويُعرِبُ عن أملِه في الابتعادِ عن سياسةِ التجهيلِ والإذلالِ من بعضِ المؤسساتِ التي تستخدمُ التمويلَ في استغلالِ الخرّيجِ للإنتاجِ واستثمارِ الطاقاتِ، ويجبُ وضعُ الشخصِ المناسبِ في المكانِ المناسب .
ويوضّح الخريج “محمد أبو عجينة” سببَ رفضِه لمِثلِ هذا النوعِ من البطالةِ؛ فهو ليس من مبدأِ التكبرِ والاستحقارِ؛ بل من الإصرارِ على التعلمِ للحصولِ على وظيفةٍ تناسبُه , متسائلاً “لماذا تَعلَّمنا في ظلِّ هذه الظروفِ الصعبةِ والمأساوية! ” حتى يظفرَ بشيءٍ يُنصِفَ تعبَه.
ويشيرُ إلى أنه من الممكنِ أنْ يقبلَ بنوعٍ آخَرَ من البطالةِ في ظلِّ هذا الوضعِ؛ عدا بطالةَ عمالِ النظافةِ؛ وتحديداً عندما يكونُ عائدُها مُنصِفاً بعضَ الشيءِ، وعندَ اختلاطِ عمالِ النظافةِ في المجتمعِ؛ نرى كميةَ الإذلالِ للعاملينَ , ولكنّ هناك أشخاصاً لا يَقبلونَ هذا العملَ؛ وقَبولُهم يعودُ حسبَ طبيعةِ وبيئةِ وفِكرِ الشابِ والمجتمعِ الذي يعيشُ فيه .
العملُ عبادةٌ :
أمّا بالنسبةِ للخريجِ “أدهم الداية”؛ كان له رأيٌّ مُخالفٌ؛ فهو يَقبلُ العملَ بمِثلِ هذا النوعِ من البطالةِ دونَ أنْ يَحولَ بينَه وبينَ أعمالِه الأخرى، ومسؤولياتِه الاجتماعيةِ فيقولُ :” كان هذا العملُ _سابقاً وقبلَ عدّةِ سنواتٍ_ الحجرَ الأولَ في مسيرتي الدنيويةِ، والسببَ الرئيسَ في ثِقلِ شخصيتي ليومِنا هذا ، والإرادةِ القويةِ التي أمتلِكُها.. ولكني قَبِلتُه لفترةٍ مؤقتةٍ وليست دائمةً “.
ويوافِقُه الرأيَّ محمد عزات فيقولُ :” إنْ جاءت تلك البطالةُ.. سأوفقُ؛ وستكونُ موافقتي من منظورٍ دينيٍّ ووطنيٍّ؛ ولكنْ لفترةٍ مؤقتةٍ , مع احترامي لعمالِ النظافةِ الذين يسعونَ دوماً لجعلِ بيئتِنا نظيفةً , فالعملُ ليس عيباً؛ وكلُّ امرِئٍ يجبُ أنْ يعملَ حتى لا يتكاسلَ جسدُه ويصبحَ ضعيفاً “.
ويوضّحُ “محمود أبو الجود” بأنّ العملَ عبادةٌ؛ قبلَ أنْ يكونَ رزقاً للإنسان , و غزة أصبحَ وضعُها صعباً للغايةِ؛ فلا يوجدُ لدَينا فُرصٌ أخرى غيرَ هذا النوعِ من العملِ؛ ولذلك يَقبلُ الشبابُ هذا العملَ ليكتسبوا الرزقَ ولقمةَ العيشِ .
ويشيرُ الخريجُ “أدهم أبو شرخ” بأنه لا يوجدُ أيُّ عملٍ آخَرَ غيرَ هذا؛ فضلاً عن كوني خرّيجَ تحاليلَ طبيةٍ؛ ولدَيَّ خبرةُ (4) سنواتٍ، أوافقُ على العملِ دونَ النظرِ إلى المستوى العلميّ الذي حصلتُ عليه؛ نظراً للوضعِ المأساوي الذي يمرُّ به القطاعُ .
وأشارتْ إحصائيةٌ للجهازِ المركزي للإحصاءِ الفلسطيني؛ بأنَّ مُعدّلَ البطالةِ بلغَ بينَ الشبابِ (15-29) سنةً 39%، وسجّلَ أعلى معدّلٍ للبطالةِ بين الأفرادِ في الفئةِ العمرية (20-24) سنةً؛ بواقعِ 43% مقابلَ (39%) بين الأفرادِ (15-19) سنة، و35% بين الأفرادِ (25-29) سنة. كما تركّزتْ البطالةُ بين الشبابِ (15-29) سنةً للذين لم يُنهوا أيَّ مرحلةٍ دراسيةٍ بواقعِ 55%.
وحيثُ بلغَ معدّلُ البطالةِ بين الخريجينَ الشبابِ (51%) خلالَ الربعِ الأولِ من عام (2016)؛ ليسجّلَ الخريجونَ من تخصُّصِ العلومِ التربويةِ وإعدادِ المعلمينَ أعلى معدَّلِ بطالةٍ؛ إذ بلغَ (64%)؛ بينما سجّلَ الخريجونَ من تخصُّصِ القانونِ أدنَى معدّلِ بطالةٍ؛ إذ بلغَ (25%).
من جانبِه تحدّثَ الناشطُ الشبابي “سامي عكيلة” عن وضعِ الشبابِ والخريجينَ في غزة، حيثُ يقول :” لقد تجاوزَ الشبابُ الفلسطينيّ _خاصةً في قطاعِ غزةَ_ حواجزَ لا يزالُ يعاني منها غيرُه من الشبابِ , ومن تلك الحواجزِ حاجزُ العملِ في غيرِ التخصُّصِ، وحاجزُ العملِ في مِهَنٍ يُصنِّفُها المجتمعُ “بالوضيعة” , فلم يَعُدْ أمام الشبابِ الفلسطيني ترفٌ زائدٌ لكي يترفّعَ عن طَرْقِ أيِّ بابٍ يُمكنُ أنْ يُكسِبَه الرزقَ الحلالَ “.
ويضيف :” هناك شبابٌ كُثر تخرّجوا من تخصصاتٍ يسمِّيها المجتمعُ (تخصُّصات القِمّة)؛ مِثلَ الطبِّ والهندسةِ.. وعمِلَ خريجوها سائقي سياراتِ أُجرةٍ باستخدامِ سياراتٍ ليست مُلكَهم؛ بل لمستفيدينَ آخَرينَ , وبعضُهم عمِلَ بائعاً في الأسواقِ (على بسطة).. وغيرَها من المِهنِ، وما نراهُ من ارتفاعِ معدّلاتِ البطالةِ وسوءِ الحالِ، وانعدامِ الفُرصِ؛ دفعَ الشبابَ لتخطّي كافةِ الحواجزِ النفسيةِ التي تَفصلُه عن مصادرِ رزقِه , لاسيّما لو كان هؤلاءِ الشبابُ مسئولينَ عن أطفالٍ ووالدَين “.
ويوضّحُ “عكيلة” بأنّ الشبابَ يتجرّعُ في نفسِه مرارة اليأسِ من قياداتِه السياسيةِ؛ التي لم تتطلّعْ إلى تمكينِه على أرضِه , ويجبُ ألّا نُخفيَ شعورَ القهرِ في داخلِ كلِّ شابٍّ يعملُ في مِهنٍ يُصنِّفُها المجتمعُ “بالوضيعة” ؛ رغمَ أنه يستحقُّ مكاناً أفضلَ , ولدَيهِ مهاراتٌ وخبراتٌ يمكنُ أنْ تُفيدَ في وظائفَ لا يؤدّيها كلُّ الناسِ؛ مِثلَ وظيفةِ عاملِ نظافةٍ .
ويشيرُ إلى أنّ ما يزيدُ من كَمدِ الشبابِ وحسرتِهم؛ هو أنهم يَجِدونَ حولَهم مَن يجلسُ في أماكنَ لا يستحقونَها، ولا يَملكونَ المؤهلاتِ لعملِها , أيْ أنّ غيابَ العدالةِ الاجتماعيةِ، وانتشارَ المحسوبيةِ والواسطةِ؛ يزيدُ من وجَعِ الشبابِ، ويتركُ حسرةً في نفوسِهم؛ وهم يزاولونَ مِهناً أقلَّ مما لديهم من خبراتٍ ومؤهلاتٍ علميةٍ وعمليةٍ .