غير مصنف

“معاييرُ الجودة”.. كلمةُ السرِّ لاختيارِ المواطنِ بينَ المنتَجاتِ الوطنيةِ والمستورَدةِ

الإقبالُ على المنتَجاتِ المصنّعةِ محلياً داخلَ قطاعِ غزة؛ لا يحتاجُ إلى وقتٍ وجهدٍ كبير، ولكنها بحاجةٍ إلى اقتناعِ المستهلِكِ بمَدى تطابُقِ المواصفاتِ والمعاييرِ المعلَنةِ على العبواتِ والأغلفةِ مع ما يوجَدُ بداخلِها، إذ أنّ معيارَ الجودةِ يُعَدُّ كلمةَ السرِّ لاختيارِ المواطنِ بينَ البضائعِ المحلية، ونظيرتِها المستورَدةِ؛ سواءً من أراضي الداخلِ المحتلِّ أو الدولةِ العربيةِ والأجنبيةِ.

فالمواصفاتُ المكتوبةُ على أغلفةِ وحملاتِ الدعايةِ الخاصةِ ببضائعِ إحدى شركاتِ المشروباتِ في غزة؛ دفعتْ المواطنَ “صائب الطناني” للإقبالِ عليها، ولكنه سرعانَ ما توَقّفَ عن شرائها، لعدمِ تطابُقِ ما قرأهُ مع ما تذوَّقهُ داخلَ العبوةِ ذاتِها.

فيما عاد “الطناني” لشراءِ المشروباتِ والعصائرِ المستوردةِ من الخارج، والتي تختلفُ كثيراً عن مذاقِ ومواصفاتِ البضائعِ المصنّعةِ داخلَ غزة.

اختيارُ المناسبِ :

المواطن “الطناني” الذي التقتهُ “السعادة” داخلَ إحدى المراكزِ التجاريةِ الكبرى في غزة، يقول:” إنّ المواطنَ مُجبَرٌ على اختيارِ البضائعِ المستورَدةِ، حيثُ أنّ معيارَ الجودةِ يختلفُ بين الدعايةِ وما يُكتبُ على العبواتِ، وبينَ ما يوجدُ بداخلِها؛ فالمشروباتُ الغازيةُ المصنّعةُ محلياً _على سبيلِ المثالِ_ طعمُها غيرُ مقبول، والصودا المستخدَمةُ فيها خفيفة، وجودتُها متدنّية مقارَنة بغيرِها من المنتجاتِ”.

ويوضّح “الطناني” أنه يعتمدُ في اختيارِ السلعِ على معياريَنِ أساسيَنِ سواءً كان محلياً أو مستورَداً، وهما السعرُ والجودة، مضيفاً:” التزامُ المصانعِ المحليةِ بالموصفاتِ القياسيةِ ما زال منخفضاً، أمّا أسعارُ المنتَجاتِ المستوردةِ فلا تزيدُ عنها كثيراً، وتُعَدُّ مناسِبةً مع جودتِها العالية”.

السيدة “أم رأفت الصفدي” تتفِقُ مع رأي “الطناني”، وتفضّلُ شراءَ البضائعِ المستورَدةِ لضمانِ الحصولِ على منتجاتٍ ذاتِ جودةٍ عاليةٍ، ومطابِقةٍ للمواصفاتِ الأصليةِ، وليست مزوَّرةً.

وتقولُ “الصفدي” خلالَ حديثها لـ”السعادة”، :” نُخدعُ ببضائعَ مزوَّرةٍ ومقلّدةٍ للمنتَجاتِ الأصليةِ، حيثُ تمتلئُ الأسواقُ الشعبية بها، ويروِّجُها أصحابُها للمستهلِكِ على أنها مستورَدةٌ، ولكنها تحملُ تاريخَ صلاحيةٍ مزيّف، وبضائعُ أخرى تختلفُ محتوياتُها كُلياً عن المكتوبِ على الغلافِ”.

وتوضّحُ أنّ الثقةَ في المنتَجِ الوطني تحتاجُ إلى وقتٍ، وتَجاربَ أخرى، مشيرةً إلى أنّ الثقةَ تغيبُ في العصائرِ والمنتَجاتِ الغذائيةِ والبلاستيكيةِ، أمّا فيما يتعلّقُ بملابسِ المدارسِ والصناعاتِ الخشبيةِ فتُقبِلُ على شرائها إذا كانت أسعارُها وجودتُها مناسِبةً.

أمّا المواطن “سهيل أبو ضلفة” يوازي في اختيارِه  بينَ المنتَجاتِ المحليةِ والمستورَدة؛ بناءً على مدَى التزامِ الجهةِ المصنِّعةِ لمعاييرِ الجودةِ.

ويقولُ أبو ضلفة:” إنّ مصانعَ البسكويتِ في غزة أصبحتْ تعطي منتَجاتٍ ذاتَ جودةٍ جيدةٍ، وأفضلَ من السابقِ، وأن شركاتِ الأثاثِ الفلسطينيةَ كذلك تتميزُ بإنتاجِها؛ ولكنْ هناك بعضُ الصناعاتِ ما زالت متأخِرةً عن غيرِها؛ وذلك بفعلِ ضعفِ جودتِها، ما يَدفعُنا لشراءِ المستورَدِ من ذاتِ النوع”.

ويلفتُ إلى أنّ بعضَ الصناعاتِ المحليةِ بحاجةٍ إلى تطوير؛ لتصبحَ منافِسةً للمنتجاتِ المستورَدة، خاصةً الصناعاتِ الجلديةَ والبلاستيكية، حيثُ يتمُ الاعتمادُ فيها كثيراً على المستورَدِ من الخارجِ وبدرجاتٍ مختلفةٍ في الجودةِ.

جودةُ المنتَجاتِ :

معاييرُ الجودةِ كما يُعرّفُها المختصونَ في مجال الاقتصادِ؛ هي عبارةٌ من مجموعةِ مواصفاتِ وخواصِّ المُنتَجِ، والتي تحدّدُ مدَى تطابُقِه، لكي يؤدي الوظيفةَ المطلوبةَ منه كما يتوقّعُها المستهلِكُ.

وتُعَدُّ المواصفاتُ المُحدِّدَ الأساسَ لجودةِ المنتَجِ؛ بحيثُ تعبّرُ عن الخصائصِ المطلوبةِ في المنتَجِ؛ لكي يؤدّي الغرضَ المُصمَّمَ من أجلِه و المرجو منه، ومن خلالِها يمكنُ لجميعِ الأطرافِ التفاهمُ مع بعضِها البعضِ، و فضُّ الخلافاتِ.

ويوضّحُ مديرُ العلاقاتِ العامةِ في غرفةِ صناعةِ وتجارةِ غزة “ماهر الطبّاع” الخطواتِ العمليةَ لضبطِ جودةِ المنتَجاتِ الصناعيةِ، حيثُ يقول:” إنّ أهمَّ هذه الخطواتِ هو تحديدُ مستوى الجودةِ المطلوبةِ، وذلك من خلالِ أبحاثِ السوقِ، وتصاميمِ المنتَجِ، وتقييمِ المُطابقةِ بينَ المنتَجِ والمواصفاتِ، وهذا عن طريقِ أخذِ عيناتٍ منتظمةٍ من خطِّ الإنتاجِ؛ ثم إجراءِ عملياتِ قياسٍ على خصائصِها، ومقارنةِ النتائجِ مع مثيلاتِها المحدَّدةِ في المواصفاتِ، وتحديدِ قِيمِ الاختلافاتِ الموجودةِ بينَهما، بالإضافةِ إلى تقييمِ وتحليلِ الأسبابِ المؤديةِ إلى هذه الاختلافاتِ، واتخاذِ الإجراءاتِ التصحيحيةِ والوقائيةِ، وكذلك التخطيطِ للتحسينِ المستمرِّ للجودةِ، والذي يتمُّ عن طريقِ مراجعةِ مواصفاتِ المنتَج”.

ويؤكّدُ “الطباع” حقَّ المستهلكِ في الحصولِ على منتَجٍ جيدٍ؛ مُقابلَ ما يَدفعُه من ثمنٍ بعيداً عن ” الدافعِ الوطني، لافتاً إلى أنّ المُنشأةَ الاقتصاديةَ تسعَى من وراءِ تصريفِ منتجاتِها في الأسواقِ لتحقيقِ أرباحٍ؛ لذا لا ينبغي أنْ تكونَ العمليةُ الربحيةُ على حسابِ حقِّ المواطنِ “.

ويَحثُّ مديرُ العلاقاتِ العامةِ في غرفةِ صناعةِ وتجارةِ غزة، المُنتَجَ المحليَّ على استثمارِ عملياتِ المقاطعةِ الوطنيةِ للبضائعِ الإسرائيليةِ في تعزيزِ البدائلِ؛ “لا أنْ يستغلَّ المواطنَ ويَنتهِزَه في بيعِ منتجاتِ جودتِها أقلَّ”.

ويدعو الشركاتِ والمصانعَ الوطنيةَ إلى النظرِ للمستهلِكِ من زاويةٍ إستراتيجيةٍ أوسعَ؛ لِخَلقِ الانتماءِ للمنتَجِ المَحلّي حتى في حالِ وازتْ أسعارُ المنتجاتِ المستوردةِ الأسعارَ المحليةَ أو باتت أقلَّ، مضيفاً:” كلّما كانت المنتجاتُ المطروحةُ ذاتَ جودةٍ عاليةٍ، كانت هناك زيادةٌ في حركةِ السوقِ، وانعكاسُ ذلك بالإيجابِ على تشغيلِ الأيدي العاملةِ، وزيادةِ العوائدِ الضريبية”.

ويشيرُ “الطباع” إلى أنّ الرقابةَ على المنتَجِ عمليةٌ كاملةٌ تُمكّنُ من ضمانِ جودةِ المنتَجِ من بدايةِ الإنتاجِ وحتى استهلاكِ آخِرِ واحدة، لافتاً إلى أنّ سوءَ التغذيةِ والتخزينِ، أو سوءَ النقلِ أو التوزيعِ؛ تؤثّرُ على جودةِ المنتَجِ، وفي المقابلِ فإنّ الاعتناءَ بالجودةِ في اختيارِ العبوةِ من حيثُ المتانةِ والشكلِ والألوانِ، وما إلى ذلك.. تساعدُ على جذبِ المستهلِكِ لشراءِ المنتَجِ.

ويذكرُ أنّ الأيزو ( 9000 ISO ) هي عائلةُ معاييرَ أساسيةٍ عالميةٍ، تتضمنُ مجموعةً من المعاييرِ ضِمنَ نظامِ إدارةِ الجودةِ. ومقاييس الأيزو( 9000 ISO) تُصدرِها وتحتفظُ بها “المنظمةُ الدوليةُ لتوحيدِ المقاييس ” وتقومُ بإدارتِها “مصلحةُ الاعتمادِ والتصديقِ” المختصةُ في البلادِ المختلفةِ.

تَحايُل :

“السعادة” التقتْ بعددٍ من القائمينَ على المصانعِ المحليةِ متعدّدةِ المنتجاتِ في غزة؛ للتعرّفُ على مدى تطابُقِ معاييرِ الجودةِ مع البضائعِ التي تصنعُها.

المديرةُ التنفيذيةُ لشركةِ مصانعِ العودةِ للبسكويتِ منال حسّان تقول:” إنّ العاملينَ في مصنعِنا يبذلونَ جهدَهم من أجلِ الالتزامِ قدْرَ المستطاعِ بمعاييرِ الجودةِ الفلسطينيةِ، ولكنْ في ذاتِ الوقتِ هناك عواملُ مؤثرةٌ، منها ارتفاعُ تكاليفِ الإنتاجِ، وأزمةُ انقطاعِ التيارِ الكهربائي، بالإضافةِ إلى العراقيلِ الإسرائيليةِ على المعابرِ، والتي تقفُ حائلاً أمامَ إدخالِ خطوطِ إنتاجٍ تُقدِّمُ منتجاتٍ ذاتَ جودةٍ تضاهي المستورَدَ”.

وتضيف،” لكي يحافظَ المصنعُ على بقائه في طرحِ منتجاتِه في السوقِ؛ لابدَّ من بقاءِ السعرِ دونَ تغيُّرٍ عندَ المستهلِك، خاصةً في ظِلِّ تَوَفُّرِ البضائعِ المستورَدةِ التي تباعُ بأسعارٍ أقلَّ، وفي هذه الحالةِ نضطّرُ إلى استخدامِ موادٍ خامٍ ذاتِ جودةٍ أقلَّ من غيرِها، فمثلاً لإنتاجِ صنفِ البسكويتِ يلزمُ وضعُ مادةِ “الزبدة”، فهناك صنفٌ يباعُ مثلاً بــ( 15) شيكلا، وصنفٌ آخَرُ بــ (8 )شواكلَ، وحتى نحافظَ على السعرِ، وفي الوقتِ نفسِه نعوّضُ الزيادةَ في التكلفةِ؛ نختارُ مادةَ الخامِ متوسطةَ السعر”.

وتكشفُ المديرُ التنفيذيّ لشركةِ مصانعِ العودة للبسكويتِ عن تحايُلِ بعضِ المصانعِ المحليةِ على معيارِ الجودةِ؛ وذلك باستخدامِهم بدائلَ في عمليةِ الإنتاجِ، مِثلَ بديلِ الكاكاو، ودرجاتِ الجلوكوز، دونَ توضيحِ ذلك للمستهلِكِ في البياناتِ المدوَّنةِ على الغلافِ الخارجي للمنتَجِ.

وتُبيّنُ أنّ معاييرَ الجودةِ تشملُ أيضاً غلافَ المنتَجِ، لافتةً إلى أنّ بعضَ الشركاتِ تستخدمُ مادتَي “كارتون ونايلون” ذاتَ جودةٍ رديئةٍ جداً، تعجزُ عن حمايةِ المنتَجِ من العواملِ الخارجيةِ ومؤثراتِ الطقسِ.

بضائعُ مزيَّفةٌ :

“السعادة” التقتْ المديرَ العام لمصنعِ القدسِ للصناعةِ الكيماوية “روزان” رباح أبو حية، والذي أكّدَ أنّ مصنعَه يعتمدُ في صناعةِ المنتَجاتِ على المواصفاتِ الفلسطينيةِ.

ويقولُ أبو حيّة:” إنّ منتجاتِ شركتِنا المقدَّمةَ للمستهلِك ليست عشوائيةَ الصنعِ، وإنما ينتجُها ذوو خبرةٍ وحملةُ شهاداتٍ جامعيةٍ في مجالاتِ الصيدلةِ والعلومِ والكيمياءِ، حيثُ يطَّلِعونَ على كلِّ ما هو جديدٌ، كما أننا نَحصلُ على رُخصٍ من وزارتَي الصحةِ والاقتصادِ، ودائرةِ الطبِّ الوقائي”.

وتستهدفُ شركةُ “روزان”، بحسبِ أبو حية، الصيدلياتِ بما يخصُّ مستحضراتِ التجميلِ، فيما يتمُ إنتاجُ المنظِّفاتِ المختلفةِ كالشامبوهاتِ ومُطرّياتِ الملابسِ، وجِلِّ الشعرِ، وكريماتِ الجلسرينِ والفلافتا والجلاكسي؛ التي تُباعُ في السوبر ماركات والأسواقِ بمختلفِ محافظاتِ غزة.

ويقولُ مديرُ عام شركةِ القدسِ للصناعاتِ الكيماوية:” هناك العديدُ من الشركاتِ التي برزتْ خلالَ السنواتِ السابقةِ في السوقِ المحليّ في مجالِ الصناعاتِ الكيماويةِ؛ ولكنها سرعانَ ما أقفلتْ أبوابَها؛ وذلك لتصنيعِها بضائعَ مزوَّرةٍ، وعدمِ الحفاظِ على جودةِ الإنتاجِ، وهذا أمرٌ غاية في الخطورةِ؛ يستدعي الجهاتِ المختصةَ أنْ تأخُذَ كافة التدابيرِ اللازمةِ للحدِّ من تلك الظاهرةِ؛ لِما تشكِّلُه من خطورةٍ على صحةِ المستهلِك””.

ويضيفُ:” طُرحتْ في الأسواقِ مؤخراً منتجاتٌ مزوَّرةٌ تحملُ أسماءَ منتجاتٍ تصنعُها الشركةُ، وهذا كبَّدنا خسائرَ ماليةً فادحةً، وأفقدَ المستهلكَ الثقةَ بمنتجاتِنا” مشيراً إلى أنّ الخسارةَ قدْرُها (50) ألفَ دينارٍ في العامِ الواحدِ، وأنّ إعادةَ ثِقةِ المستهلكِ  بالمنتجاتِ استغرقَ عامينِ ونصفَ تقريباً”.

دورٌ غيرٌ مُكتمِلٍ :

بالرغمِ من الأوضاعِ المترَديةِ التي تعترضُ عملَ المصانعِ في قطاعِ غزةَ بسببِ الحصارِ والانقسامِ من جهةٍ؛ وعدمِ التزامِ مصانعَ أخرى بالمواصفاتِ القياسيةِ؛ إلّا أنّ وزارةَ الاقتصادِ الوطني في غزة تتّخذُ خطواتٍ متعدّدةً لحمايةِ الاقتصادِ المَحلي، ودعمِ المنتَجِ المَحلي بقطاعِ غزة.

ويقولُ مديرُ عام المكاتبِ الفرعيةِ وحمايةِ المستهلكِ في وزارةِ الاقتصادِ رائد الجزار:” إنّ الوزارةَ وضعتْ سياساتٍ مختلفةً من أجلِ حمايةِ المنتجِ الوطني الفلسطيني، أبرزُها سياسةُ إحلالِ الوارداتِ على العديدِ من السلعِ المختلفةِ”.

ويضيفُ:” إنّ المحافظةَ على معدّلِ الناتجِ المَحلي لقطاع غزة؛ هو الهدفُ الرئيسُ للوزارةِ، حيثُ أنّ الناتجَ المَحلي بغزة لم يتجاوزْ (2 )مليار و( 400) مليونِ دولارٍ خلالَ (11 )عاماً الماضية”.

وفي ذاتِ الوقت، لا يكتملُ دورُ وزارةِ الاقتصادِ، وجهودُ بعضِ المصانعِ للارتقاءِ بعملِها في ظِلِّ غيابِ وتعطُّلِ مؤسسةِ المواصفاتِ والمقاييسِ الفلسطينيةِ داخلَ غزة، والتي يتركزُ دورُها على رقابةِ عملِ المصانعِ، والتزامِها بمعاييرِ الجودةِ.

ويقولُ مديرُ عام المكاتبِ الفرعيةِ وحمايةِ المستهلكِ في وزارةِ الاقتصادِ خلالَ حديثه لـ”السعادة”، :” إنّ مؤسسةَ المواصفاتِ والمقاييسِ “مستقلّةٌ؛ وتَتبَعُ وزيرَ الاقتصادِ مباشرة”، وبسببِ الانقسامِ فإنها مُغيّبةٌ عن العملِ بكاملِ أقسامِها (الخمسة عشر) والتي مهمتُها متابعةُ المنتجاتِ المستوردةِ، والمنتجاتِ المصنعةِ محلياً من بدايةِ الإنتاجِ حتى التسويقِ”.

ويضيفُ:” رغمَ تغيُّبِ مؤسسةِ المواصفاتِ إلّا أننا في الوزارةِ ننفذُ بعضَ أعمالِها، مِثلَ مراقبةِ منتجاتٍ خارجيةٍ، وفحصِها؛ وذلك بأخذِ عيناتٍ للتأكُدِ من مطابقتِها مع المعاييرِ الفلسطينيةِ والعالميةِ، وحالَ كانت مخالِفةً يتمُ إتلافُها”.

ويشيرُ “الجزار” إلى مؤسسةِ المواصفاتِ والمقاييسِ الفلسطينيةِ؛ هي المؤسسةُ الوطنيةُ للمواصفاتِ، ونقطةُ الاتصالِ مع البنيةِ التحتيةِ العالميةِ للجودةِ؛ إذ أنها تتيحُ الوصولَ إلى المواصفاتِ الوطنيةِ و العالميةِ، المختبراتِ المعتمدة ، خدماتِ المعايرة، و منحِ الشهادات.

ويبيّنُ أنّ مؤسساتِ المواصفاتِ في حالَ عودةِ عملِها في غزة؛ فإنها تُسهّلُ التجارةَ و الاستثمارَ من خلالِ تلبيةِ احتياجاتِ مجتمعِ الأعمالِ و الصناعةِ في مجالاتِ “المترولوجيا”، والمواصفاتِ، وتقييمِ المطابقةِ، والجودةِ، كما تضمنُ صحةَ و سلامةَ المواطنِ، و حمايةَ البيئةِ.

وينوّهُ مديرُ عام حمايةِ المستهلكِ إلى حاجتِهم لأجهزةِ فحصٍ، لمراقبةِ عملِ المصانعِ؛ يبلغُ سعرُها نحوَ مليونِ ونصفِ مليونِ دولارٍ، لافتاً إلى أنّ الحكومةَ في رام الله لم تتجاوبْ مع مطالبِهم هذه.

عراقيلُ :

على الرغمِ من ضعفِ مواصفاتِ المنتجاتِ المحليةِ في غزة، وعدمِ تطبيقِ العديدِ من المصانعِ للمعاييرِ القياسية؛ إلّا أنّ هناك عراقيلَ كثيرةً تؤثّرُ على عملِ تلك المصانعِ، وتحدُّ من إمكانيةِ تطوُّرِها، والتزامِها بمعاييرِ الجودةِ.

وللحديثِ عن هذه العراقيلِ، التقتْ “السعادة” مديرَ عام شركةِ “الحداد” إخوان للتجارةِ والصناعةِ والمقاولاتِ سمير الحداد، حيثُ يقول:” إنّ القطاعَ الخاص يواجِهُ عدّةَ عراقيلَ تَحولُ دونَ عملِه بالشكلِ المطلوبِ؛ أبرزُها الحصارُ الإسرائيلي، و منعُ الاحتلالِ تصديرَ المنتجاتِ المحليةِ إلى الأسواقِ الخارجية، ففي الوقتِ الذي تَغرقُ الأسواقُ المحليةُ بغزة بمنتجاتٍ مستوردةٍ؛ ينحصرُ فيه تسويقُ المنتجاتِ المحليةِ في ظِل القيودِ الإسرائيليةِ، والانقطاعِ الدائمِ للتيارِ الكهربائي، وما يرافقُه من خسائرَ فادحةٍ تلحقُ بالقطاعِ الخاص”.

ويضيف:” نحن ما زلنا نحرصُ على الاستمرارِ في إنتاجِ منتجاتٍ ذاتِ جودةٍ عاليةٍ، ومطابقةٍ للمواصفات، و يتمثلُ ذلك من خلال حصولِنا على شهاداتِ الجودةِ للكثيرِ من منتجاتِنا”.

من جهتِه، يقولُ رئيسُ اتحادِ المقاولينَ الفلسطينيينَ “علاء الأعرج” مستعرضاً أبرزَ المشاكلِ و المعيقاتِ التي تواجِهُ القطاعَ الخاص الفلسطيني، وخاصةً قطاعَ المنشآتِ:” إنّ أزماتِ الحصاِر الممتدةَ منذُ(  11) عاماً طالتْ معظمَ القطاعاتِ الحياتيةِ والخدماتيةِ، وألحقتْ خسائرَ كبيرةً في قطاع المقاولاتِ تُقدّر بـ( 15 )مليونَ دولار، وهذه الخسائرُ تفوقُ قدرةَ المقاولِ على التحمُّلِ، بالإضافةِ إلى الأضرارِ السابقةِ التي تسبّبتْ بها حالةُ الانقسامِ بين غزةَ والضفةِ”.

ويشيرُ إلى أنّ الاحتلالَ تعمّدَ خلالَ حروبهِ العسكريةِ، واعتداءاتِه المتكررةِ ضدّ غزة، استهدافَ البنيةِ التحتيةِ للقطاعاتِ التجاريةِ والصناعيةِ؛ سواءً من خلالِ الاستهدافِ المباشرِ بصواريخِ الطائراتِ والدباباتِ، أو من خلالِ التجريفِ الكُلي للمصانعِ، خاصةً المتواجدةَ على الخطِّ الشرقي لغزة.

ويؤكدُ رئيسُ اتحادِ المقاولينَ الفلسطينيين على أهميةِ دعمِ المنتجِ الوطني، و توفيرِ أرضيةٍ صلبةٍ للصناعةِ الوطنية، من أجلِ بناءِ اقتصادٍ وطنيٍّ قادرٍ على الصمودِ في كلِّ ما يواجِهُ من صعوباتٍ.

إذن تفاصيلُ القصةِ باتت واضحةً، مصانعُ تقاومُ من أجلِ البقاء، متغلّبةً على أزماتِ الحصارِ والانقسام، لحفظِ ماءِ وجهِ الاقتصادِ الفلسطينيّ، رغمَ محاولاتِ التدميرِ والتشويهِ الحاصلةِ منذُ (11 )عاماً، ولكنْ في ذاتِ الوقتِ هناك مصانعُ أخرى تتّبعُ سياسةَ التلاعبِ والخديعةِ، حيثُ تقدّمُ صناعاتٍ مزيفةٍ، ولا تتبعُ معاييرَ الجودة، فتقدّمُ سِلعاً بمُلصقاتٍ وعبواتٍ مغريةٍ، ومحتوياتٍ متدنيةٍ، ما يُفقِدُها المصداقيةَ، ويعرّضُها للخسائرِ، والإغلاقِ.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى