كتاب الثريامدونات الثريا

دينُك أمَانة

بقلم: د. مريم البرش

يتميزُ الدِّينُ الإسلامي عن سائرِ الدياناتِ الأخرى؛ بأنه دِينٌ ثابتٌ مع مرونتِه؛ يصلحُ لكُل زمانٍ ومكانٍ؛ ولا يتعارضُ الإسلامُ مع الحرياتِ.

وبسببِ التقدمِ الإعلامي الهائلِ والمتلاحقِ في الفترةِ الأخيرةِ، وظهورِ مواقعِ التواصلِ كذلك، ولا نَعلمُ ما سيَظهرُ في الأعوامِ القادمةِ؛ هذا كلُّه أدَّى إلى أنّ بعضَ المُنتَمينَ للإسلامِ طفوا على السطحِ ليَخرُجوا لنا بأحكامٍ وقواعدَ وفتاوَى في دِينِ اللهِ؛ ما أنزلَ اللهُ بها من سلطانٍ! يهدفونَ فقط لتسليطِ الأضواءِ عليهم؛ لأنه كما هو معروفٌ فإنّ المحتوَى الصادمَ هو المحتوى الناجحُ في (السوشيال ميديا).

ومن خلالِ تَتبُّعي لبعضِ هؤلاءِ الذين يسمّونَ أنفسَهم “فُقهاءَ” في الدِّين؛ أجِدُ ما يَشيبُ له شَعرُ الوِلدانِ من تَبجُّحِ وتَعدٍّي على حرماتِ اللهِ.

وبعضُهم يتعمدُ أنْ يخوضَ في المسائلِ التي لا يتحمّلُها عقلُ العامّةِ.. مُحاولاً الاصطيادَ في الماءِ العكرِ لتسويقِ نفسِه، ويحاولُ جاهِداً الخوضَ في المسائلِ الخلافيةِ بينَ العلماءِ؛ حتى يُبهِرَ العامةَ بحديثِه. وصدقَ رسولُ اللهِ -e- حينَ عرفَ ما سيَؤولُ إليه الوضعُ في هذا الزمانِ فقالَ: “إِنَّهَا سَتَأْتِي عَلَى النَّاسِ سِنُونَ خَدَّاعَةٌ، يُصَدَّقُ فِيهَا الْكَاذِبُ، وَيُكَذَّبُ فِيهَا الصَّادِقُ، وَيُؤْتَمَنُ فِيهَا الْخَائِنُ، وَيُخَوَّنُ فِيهَا الْأَمِينُ، وَيَنْطِقُ فِيهَا الرُّوَيْبِضَةُ قِيلَ: وَمَا الرُّوَيْبِضَةُ؟ يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ: ” السَّفِيهُ يَتَكَلَّمُ فِي أَمْرِ الْعَامَّةِ.

إنّ ما نراهُ اليومَ من تَغيِيبٍ للعقولِ الراجحةِ الحكيمةِ، ومن تَصدُّرِ السفهاءِ لوسائلِ الإعلامِ؛ لهو قلبُ الحديثِ الذي ذكرناهُ سابقاً.

إنّ الحديثَ مع الناسِ العامةِ عبرَ التلفازِ أو (الإنترنت)؛ يجبُ أنْ يكونَ بضوابطَ وبشروطٍ.. يقولُ سيدُنا علي رضي الله عنه كما وردَ في صحيحِ البخاري: “حَدِّثُوا النَّاسَ، بِمَا يَعْرِفُونَ أَتُحِبُّونَ أَنْ يُكَذَّبَ، اللَّهُ وَرَسُولُهُ”.

أيْ أنّ الحديثَ مع العامةِ لا يجبُ أنْ يكونَ بالأمورِ التي تثيرُ الجدَلَ، أوِ التي اختلفَ فيها العلماءُ، أو حتى تَعارضوا.

يقولُ عَبْد اللهِ بْنَ مَسْعُود: “مَا أَنْتَ بِمُحَدِّثٍ قَوْمًا حَدِيثًا لَا تَبْلُغُهُ عُقُولُهُمْ، إِلَّا كَانَ لِبَعْضِهِمْ فِتْنَةً”، وهذا بالضبطِ ما يفعلُه دُعاةُ الفتنةِ _لعنَهم اللهُ_.

إنّ الإسلامَ دِينُ الفهمِ واليُسرِ والتدرّجِ، ولنْ يشادَّ الدِّينُ أحداً إلاَّ غَلَبَه؛ لهذا وجبَ على كلِّ دُعاةِ الأُمةِ أنْ يتَصدّوا لكُل هذه المهازلِ التي يعملُ الإعلامُ الفاشلُ على تصديرِها للأُمّةِ، ولِيَعلمَ كلُّ مسلمٍ أنّ المراجعَ الدقيقةَ والصحيحةَ للإسلامِ معروفةٌ أوَّلُها القرءانُ الكريمُ؛ ثُم كُتبُ السُّنةِ المُطهرةِ، فخُذْ منها دِينَك؛ ودَعْكَ من المُضلِّلينَ؛ ولا تأخذْ دِينَك من هذه الأشكالِ!!!

رَحِمُ الأُمةِ الإسلاميةِ لم يكنْ عقيماً يوماً عن إنجابِ العلماءِ، والدعاةِ، والمفكرينَ، والأساتذةِ، الذين تُسبّحُ لهم الحيتانُ في البحرِ؛ لتعليمِهم الناسَ الخيرَ، فهل يعجزُ اليومَ عن خَلقِ علماءَ جُدُد؟؟؟

في الحقيقةِ، الخيرُ في هذه الأمةِ إلى يومِ الدّينِ، لكنّ التبَعيةَ الفاشلةَ هي مَن قدّمتْ داعيةً فاشلاً يَخرجُ لساعاتٍ على التلفازِ مُقلِّلاً من شأنِ المرأةِ المُنتقِبةِ، ومناقشاً قضايا تافهةً ليَشغلِ الأُمةَ.. في حين يُعلنُ عن مقتلِ وحبسِ وتعذيبِ العلماءِ، والمفكرينَ، وأصحابِ القاماتِ في العلمِ والمعرفةِ، فأيُّ حديثٍ بعدَ هذا الحديثِ يُقال.؟؟؟!!

 

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى