العقل وسطٌ بين حبٍّ مكلِف وبغضٍ متلِف!

بقلم: د. محمد عوض المحاضر بجامعة الأقصى.
لو أخذنا قطاعًا عرضيًّا في الالتواءات والانثناءات الحاصلة في العلاقات بين الناس لا سيما ما كان منها مميزًا جدًّا، سواء كان بين زوجين، أو صاحبيْن، أو والدٍ وابنه، وأخٍ وأخته، ونحو ذلك، فإنّ نقطة الالتقاء التي تشترك فيها هي كونُ أصحابها يظنّون أنّ الدنيا ينبغي أن تكون عسلًا كاملَ الدسم دون أدنى مرارة، وخيرًا محضًا لا يغادر شرًّا، واستقامةً عمليةً لا تخامرُها غَصّة، وهذا المنطقُ العجيبُ يمكن أن يكون مصيبًا بعضَ إصابةٍ لو كان صاحبُه في الأصالة من نفسه كاملا بلا نقص، ودائمًا بلا انتهاء، وسويًّا من كل وجه، وما كان هذا مستحيلا فإنّ التصور السابق الناتج عنه بائسٌ كذلك.
إنّنا نظلم أنفسَنا عندما نأسرُها بأحكامنا المسبقة، وأفكارنا المثالية، وأدواتنا العاقلة دون ترويح جميل وترفيه فضيل، وبعضُهم يظلُّ يكرر بينه وبين نفسه أو مع آخرين خواصَّ كانوا أو عامّةً أنه غيرُ مستوعبٍ تقصيرَ فلان وتغيّر آخرَ وتكدّرَ ثالثٍ معه، رغم أنه أحسن إليهم ولم يقصر، وأعطاهم ولم يأخذ، ويسأل عنهم ويتعاهدهم بالاهتمام ولا يفعلون. وللأسف توصله هذه المشاكساتُ النفسية والتطويلاتُ السؤالية إلى أن يصرع نفسه، ويرفض العلاقة من أساسها، وينسى أيام الوداد، وساعات الجمال، ولحظات المراعاة، كذا نكرانًا لنعمة الوصال، وكفرانًا لعشرةِ الجمال.!
لكنّ أخطر هؤلاء هو الذي يصل “نقطة الانقلاب” الفيزيائية؛ فلا يقرأ العلاقة مع غيره إلا في ثوب التقصير الواحد، وتمتصُّ نفسيتُه السقيمة جميع الإحسان السابق في قمقم الإشكال الطارئ، ويستدعي إلى لسانه قاموس الغلط، وإلى قلبه كل حقد وضغينة، ويصير يقول: مشفتش ريق حلو، معمروش فلان كان كويس معاي، ونحو ذلك، ولا يكتفي بذلك؛ بل يبثّ الناس تشاؤمه المطلق؛ فلا وجود عنده لصديق وفيّ، ولا زوجٍ صالحة، بل الذُّكران من الشيطان، والنسوان ظلم وبهتان، ولا ندري على أيهما يحسب نفسه أصلا، وهل كان هو الملاك الأوحد والمعصوم الأكمل؟!
إنّنا جميعًا نستطيع أن نكسرَ غيرنا بأيدينا، ونضربَ، ونشتمَ، ونطلقَ العنان لانفعالاتنا وعصبيّتنا، لكنّنا نعلم باليقين المستقر في ذواتنا أنّ المرء لا يظهر معدنُه ولا يبينُ أمام نفسه إلا إذا استطاع ضبط نفسه، وكان عادلًا، فالكتاب الذي سيلقاه بعد البعث لن يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها، وطوبى للفائزين.
ولذا نصيحتي الأخويّة:
مهما كان غضبُك ووجدُك على من كان يمثلُ لك شيئًا كبيرًا أو أكبرَ شيءٍ؛ فإياك أن تحرقَ أخضرَه بكلامِك المسيءِ والثقيل، وتحرقَ يابسَه بالترصّد له وفضحِه، لا سيما إذا كانت أسرارًا لا يجيز الشارعُ والعرفُ والذوقُ والعقلُ وأدنى فهمٍ إفشاءَ أدناها وأقلِّها.! وتذكر شهامتَك، ونخوتَك، وكرامتَك، وأدنى وفائك؟!!
وإلا فأين رجولتكَ(كِ)؟ أين كمالكَ(كِ)، أين الأوقاتُ الجميلة؟! ما لها لا تشفع، وتسمِع، وتخضِع؟!