الأوامر لا تنشئ طفلا سويا

بقلم: المهندسة ميادة حبوب
نسعى نحن الآباء والأمهات وبحكم ما نملك من خبرات وما نملك – في معتقداتنا – من سلطة على أبنائنا إلى فرض مجموعة من الأوامر والنواهي على أبنائنا والتي في المقابل لا يلقي لها أبناؤنا بالاً، فيبدأ الصراع بين (افعل ولا تفعل) وبين (القبول والرفض).
فيحتدم الموقف وترتفع الأصوات ويزيد عناد الأبناء ونخرج من هذه الجولة خاسرين ونشعر بخيبة أمل كبيرة نلقي بأسبابها على هذا الجيل الجديد الذي لا مكان عنده لاحترام الكبير والاصغاء لأوامره.
ولكن هل سألت نفسك أيها المربي لماذا عليك أن تفرض إملاءات معينة على أطفالك وتجبرهم عليها؟ لماذا نعاملهم كآلة يجب أن تنفذ كل أمر يخرج من فمنا؟ لماذا نرغمهم على فعل أشياء كثيرة دون حتى ذكر الأسباب من وراء ذلك؟ لماذا لا نكلف أنفسنا عناء الشرح والتوضيح لهم، لماذا لا نتبع تحديد مبدأ الحلال والحرام والارشادات العامة ونترك لهم خيار الاختيار فيما لا يتعارض مع المحددات العامة التي يجب أن تكون واضحة بين الآباء و الأمهات بشرح مفصل يتناسب مع أعمار الأطفال .
يجب أن ندرك أن هذا الطفل (إنسان) يمتلك مشاعر ورغبات واحتياجات مادية ونفسية وهو كيان يحاول أن يصل إلى استقلاليته ليُكوِّن بذلك شخصيته التي سترافقه طيلة حياته وستتحكم بمسيرتها.
وفي المقابل نحن كآباء وأمهات بحاجة إلى أن نجني ثمرة تربيتنا ونحصد ما زرعنا في نفوسهم من معتقدات ومعايير وأفكار ونرى ذلك من خلال سلوكياتهم وتصرفاتهم الصحيحة والسليمة ولا يأتي هذا بالأمر والنهي والفرض والإرغام وب(افعل ولا تفعل) وإنما يأتي بالإقناع والحوار والاحتواء.
إن المفتاح الأول لجعل أبنائنا يتصرفون كما نريد هو: الحوار ويكون ذلك بإعطاء أسباب ومبررات ليفعل هذا ويبتعد عن ذاك دون صراخ أو تهديد أو ووعيد ودون مقارنته مع أقرانه ونتقبل النقاش والرفض ونحاول اقناعه بقيمة السلوك قبل اجباره على فعله، فلا نجعل من أنفسنا آلة لإصدار الأوامر فقط.
فالأهم أن نبني معتقدات سليمة ونعطي معايير واضحة لنجني بذلك سلوكا صحيحا، وعلينا أن نتجنب الأوامر الكيفية التي ليس لها مبرر كـ (اجلس / كل / ادخل / اصمت / توقف / اذهب..) وغيرها من الأوامر التي لا تنتهي طوال اليوم بهدف تعديل سلوك الأبناء.
فهي لا تغرس المعتقدات والأفكار التي تجعل من الابن يتبناها ويترجمها إلى سلوك يطبقه في حضورنا وغيابنا وفي وجودنا وبعد موتنا.
ومن الأمور المهمة التي علينا اتباعها هو أن نجعل السلوكيات محببة بالنسبة لهم ويأتي هذا من خلال تحبيبه بقيمة السلوك ليصبح تلقائيا ومن المهم ألا نضغط على أبنائنا فنسبب النفور فلا يسمعوا لنا رأياً ولا يلبوا لنا رجاءً.
وليس من الحكمة أن نقف فوق رؤوسهم كالمحقق المترقب لأخطائهم وهفواتهم لإلقاء جام غضبنا عليهم بل علينا إعطاءهم مساحة ليخطئوا ويخفقوا ويجربوا ويتعلموا ويقتنعوا فيرجعوا إلينا ويمتثلوا لأوامرنا مقتنعين غير مرغمين، راضين غير مكرهين.
ومما لا شك فيه بأن خالق هذه النفس البشرية هو أدرى بطبيعتها وبتكوين نفسيتها فلم يبعث الله سبحانه جل شأنه الأنبياء لإرغام واجبار أقوامهم على اتباعهم بل أرسلهم لهدايتهم بالإقناع ليثبت الدين في نفوسهم ولا يتزعزع لأي مستجدات أو ظروف محيطة.
وكذلك الأبناء إن اتبعنا المنهج الإلهي في تربيتهم بإقناعهم بالقيم والمعتقدات الصحيحة سنرى جيلا يتصف بسلوكيات سليمة متجذرة فيه ولن تكون مجرد املاءات زائفة تنثرها الرياح عند أول منعطف في حياته وهذا هو الهدف الأسمى من التربية.