الدروسُ الخصوصيةُ في المراحلِ الأساسيةِ

ملجأُ الأهالي للتخلّصِ من عبءِ التدريسِ، وملفُ الإنجازِ، وطرقُ التعليمِ الجديدة
تَعُجُّ المؤسساتُ التعليميةُ الخاصةُ، وبعضُ البيوتِ لمُدرّسي “الخصوصي” بِطلَبةِ المراحلِ الأساسيةِ، والذين يتردَّدونَ على هذه المراكزِ بشكلٍ يوميّ، حسبَ جدولٍ متَّفَقٍ عليه مع الأهالي عادةً؛ إمّا قبلَ مواعيدِ المدرسةِ، أو بعدَ مواعيدِ المدرسةِ .
و يُعزي جزءٌ من الأهالي أنّ السببَ في إلحاقِ أطفالِهم بهذه المؤسساتِ؛ يعودُ لصعوبةِ التعلّمِ لدَى أبنائهم، فيما يشيرُ جزءٌ آخَرُ بأصابعِ الاتّهامِ إلى المعلمِ، أمّا الجزءُ الأخيرُ فيُعلنونَ أنهم على غيرِ درايةٍ بالمنهجِ، وأنهم غيرُ متفرّغينَ لتدريسِ أبنائهم.
فهل فِعلاً تحتاجُ المراحلُ الأساسيةُ التعليميةُ إلى إعطاءِ الطفلِ ” دروساً خصوصيةً” أو دروسَ تقويةٍ _كما تُفضّلُ تسميتَها الأمهاتُ؟ وفعليّا هل يمكنُ الاستغناءُ عنها، والاعتمادُ على الشرحِ المدرسيّ فقط؟ وهل تُحقّقُ الدروسُ الخصوصيةُ أهدافَها في رفعِ مستوى الطالبِ؟ “السعادة” حاورتْ الجميعَ؛ لتضعَ نقطةَ نظامٍ حولَ جدّيةِ هذه الدروسِ وضرورتِها.
صعوبةُ المناهجِ
من جانبِها تقولُ أم فادي حلس “39 عاما “؛ وهي أمٌّ لثلاثةِ أطفالٍ في مرحلةِ التعليمِ الأساسيةِ: إنّ تغييرَ المنهجِ، وطرُقِ التدريسِ في السنواتِ الأخيرةِ أكثرَ من مرةٍ بطريقةٍ مختلفةٍ؛ عمّا درسناهُ في مراحلِ التعليمِ المختلفةِ، إضافةً إلى كثافةِ المعلوماتِ والموادِ؛ يجعلُني كأمٍّ جامعيةٍ أستعينُ بالمراكزِ المتخصصةِ الموجودةِ بالمنطقةِ؛ لمساعدتي في تدريسِ أبنائي .
وتضيفُ: العمليةُ التعليميةُ اليومَ مختلفةٌ ومعقدةٌ، والمناهجُ غيرُ ثابتةٍ، وطرُقٌ متغيّرةٌ بشكلٍ سنويٍّ حولَ طرُقِ التدريسِ، وقراراتٌ وزاريةٌ مستمرةٌ، ومدرّسون لا يتقاضونَ الحدَّ الأدنى من رواتبِهم، وأوضاعٌ اقتصاديةٌ صعبةٌ تَعُمُّ الجميعَ، الصفوفُ متكدسةٌ بالطلبةِ، جميعُها ظروفٌ تجعلُ من متابعةِ الطالبِ دونَ دروسٍ خصوصيةٍ مُهمةً صعبةً للغايةِ؛ لذلك تتّجِهُ كافةُ الأمهاتِ إلى إرسالِ أبنائها إلى مراكزِ الدروسِ الخصوصيةِ، خاصةً إذا كان لديها أكثرُ من طفلٍ .
تتّفِقُ معها خلود حسونة “39 عاما ” : في صعوبةِ المناهجِ، وعدمِ قدرتِها على تدريسِ أبنائها، في ظِلِّ مسؤوليتِها الكاملةِ عن منزلِها وأطفالِها الصغارِ ، تقولُ:” يحتاجُ الطفلُ الواحدُ إلى قرابةِ الثلاثِ ساعاتٍ يومياً لتدريسِه وإتمامِ واجباتِه المدرسيةِ .
فإذا كان لدَى الأمِّ أكثرُ من طفلٍ؛ فهي ستقضي طيلةَ يومِها في تدريسِ أطفالِها،لاسيما وأنّ مُدرّساتِ اليومِ يعتمِدنَ بشكلٍ كُليّ على مراجعةِ الأمهاتِ وتدريسِهِنَّ، فالحصةُ التي مدّتُها (45) دقيقةً لأكثرَ من خمسينَ طفلاً؛ غيرُ كافيةٍ لإيصالِ المعلومةِ للجميعِ؛ أو حتى لتوزّعَ المعلمةُ اهتمامَها على جميعِ الطلبةِ .
عبءُ التدريسِ
وتضيفُ: نظامُ التعليمِ الجديدِ يعتمدُ على الأنشطةِ غيرِ المنهجيةِ، ومن المفترضِ أنْ تُنفّذَ داخلَ المدارسِ، لكنْ للأسفِ نحن كأمهاتٍ نقضي وقتاً كبيراً لتجهيزِ أنشطةٍ غيرِ منهجيةٍ، ليس لتعليمِ أبنائنا؛ وإنما لتحصيلِ علاماتٍ دراسيةٍ لأبنائنا، حيثُ تربطُ المدارسُ عملَ النشاطِ بعلاماتِ النجاحِ أو التقييمِ، إضافةً إلى “ملفِ الإنجازِ” والتفاصيلِ المرتبطةِ معه .
في حين ترفضُ أنوار أبو يوسف “38 عاماً” ، إرسالَ أبنائها إلى دروسِ التقويةِ أو الخصوصي في المراحلِ الأساسيةِ، تحتَ أيِّ مُسمّى كان ، وتضيفُ: على مدارِ سنواتِ عمرِنا عرفْنا أنّ الدروسَ الخصوصيةَ فقط في مرحلةِ التوجيهي، لمن يجدُ صعوبةً في تعلُّمِ بعضِ الموادِ أو تفاصيلِها ،أمّا ما يحدثُ اليومَ فهو موضةٌ؛ سرعانَ ما انتشرتْ بينَ النساءِ، لا تفسيرَ لها إلّا البحثُ عن راحتِهنَّ وسطَ انشغالاتِ الحياةِ.
وتُتابعُ: أعيشُ في برجٍ سكنيٍّ؛ جميعُ الأمهاتِ فيه يرسِلنَ أبناءَهنَ إلى معلمةٍ تقطنُ في نفسِ البرجِ؛ ليس لتقويةِ أبنائهنَّ؛ وإنما لحلِّ الواجباتِ المدرسيةِ، بينما تقضي الأمُّ أوقاتَها على مواقعِ التواصلِ الاجتماعي، ولا تتحملُ أيَّ مسؤوليةٍ تُجاهَ دراسةِ ابنِها؛ وبالتالي في مرحلةِ التقييمِ من الأولِ للرابعِ لا تشعرُ بأيِّ مشكلةٍ ؛ لكنْ عندَ انتقالِ الطفلِ إلى مرحلةِ العلاماتِ والاختباراتِ الحقيقةِ؛ تجدُ نفسَها محاصرةً بالتقصيرِ والذنبِ.
أمّا رائد أبو عبيد فيقول : طبيعةُ المنهاجِ اليومَ، وطريقةُ التدريسِ المختلفة، تُجبِرُنا على إرسالِ أبنائنا إلى الدروسِ الخصوصيةِ؛ لكنْ ليس بشكلِها المُطلَقِ ، إذْ تتلقّى ابنتي في الصفِ الرابعِ دروساً لمادةِ اللغةِ الإنجليزيةِ، حيثُ أنا ووالدتُها ضعيفان في هذه اللغةِ، ونحاولُ تطويرَ قدراتِها فيها .
التعليمُ للجميعِ
ويتابعُ: أمّا بقيةُ الموادِ؛ فنقومُ بتقاسُمِها أنا والدتها بناءً على تخصصاتِنا الجامعيةِ ، والحقيقةُ أنّ ترْكَ الأمهاتِ وحدَهنَّ في تعليمِ الأطفالِ سببٌ كافٍ لانتشارِ الدروسِ الخصوصيةِ بينَ العوائلِ الغزيةِ؛ لأنّ مهمةَ تدريسِ الطفلِ مهمّةٌ صعبةٌ لا تقتصرُ على حلِّ الواجباتِ فقط، وإنما يتطلبُ الأمرُ إعادةَ دورِ المدرّسِ، ثُم ممارسةَ دورِ وليِّ الأمرِ .
من جانبِه يرى الدكتور (وائل محمود صادق) مدرِّبٌ في مجالِ أصولِ التربيةِ ، أنّ ظاهرةَ الدروسِ الخصوصيةِ التي تطلُّ برأسِها منذُ سنواتٍ عديدةٍ؛ و زادتْ حدّتُها خلالَ سنواتِ الانقسامِ لعدّةِ أسبابٍ منها: صعوبةُ وطولُ المنهاجِ الدراسي، وقِصَرُ موعدِ الحصةِ الدراسيةِ، والكثافةُ الطلابيةُ العاليةُ داخلَ الفصولِ، وضعفُ مستوى بعضِ المدرّسينَ، وغيابُ تأهيلِهم ومتابعتِهم بالشكلِ المطلوبِ, بالإضافةِ إلي تدَنّي رواتبِ المدرسينَ، وعدمِ الانتظامِ في صرفِها؛ ما جعلَ بعضَهم يلجأُ إلي مصادرَ أخرى لزيادةِ دخلِهم؛ وهو ما ساهمَ بصورةٍ كبيرةٍ في تنامي هذه الظاهرةِ, بالإضافةِ إلى عدمِ وجودِ قوانينَ رادعةٍ، ورقابةٍ صارمةٍ تمنعُ ذلكَ.
وقفةٌ جادّةٌ
ويضيفُ: و بالرغمِ أنّ قانونَ الخدمةِ المَدنيةِ يحظرُ على الموظفينَ الحكوميينَ الجمعَ بينَ وظيفتَينِ؛ إلّا أنّ ذلك لم يلقَى المتابعةَ الكافيةَ؛ بل علي العكسِ فُتحتْ أبوابُ المراكزِ التعليميةِ على مصراعَيها للمدرّسينَ الحكوميينَ دونَ رقابةٍ من الجهاتِ الحكوميةِ, ووقفتْ الوزارةُ موقفَ المتفرّجِ أمامَ ما يَحصلُ، عِلماً أنّ الجميعَ يدركُ أنّ ظاهرةَ الدروسِ الخصوصيةِ تُخلّفُ لنا طالباً اتّكالياً؛ يعتمدُ على الحفظِ والاستظهارِ، وهو بذلك يناقضُ التوجهاتِ المعلَنةَ لوزارةِ التربيةِ والتعليمِ في تنميةِ التفكيرِ والابتكارِ والإبداعِ.
ويستطردُ: إنّ الظاهرةَ تحتاجُ منّا جميعاً إلى وقفةٍ جادةٍ، وإجراءاتٍ حازمةٍ من قبلِ وزارةِ التربيةِ والتعليمِ، وأهالي وعائلاتِ الطلبةِ، تعملُ خلالَها على وضعِ السياساتِ و القوانينِ المناسبةِ التي تحدُّ من الظاهرةِ، وتعالجُ أسبابَها لاسيّما وأنّ الظاهرةَ استفحلتْ لدرجةٍ لا يمكنُ السكوتُ عليها، وأصبح الكثيرُ من الطلابِ يلجأونَ إلى الدروسِ الخصوصيةِ، ليس فقط لتقويةِ قدراتِهم في مادةٍ دراسيةٍ معيّنةٍ، بل للاستفادةِ من درجاتِ النشاطِ، ولمعرفةِ أسئلةِ الاختباراتِ الشهريةِ والنصفيةِ والنهائيةِ التي يضعُها مدرّسُ المادةِ, ما يجعلُ الدروسَ الخصوصيةَ في كثيرٍ من الأحيانِ سلعةً؛ يدفعُ لها الطلبةُ مقابلَ الحصولِ على امتيازاتٍ غيرِ مشروعةٍ أو مستحَقّةٍ لهم.