الأحلامُ هوسٌ يشغلُ بالَ وعقولِ النساءِ

تعتقدُ الكثيراتُ أنّ في أحلامِهنَّ رسائلَ ودلالاتٍ لا بدَّ من التعرفِ إليها، خصوصاً إذا كانت متعلقةً بالمستقبلِ، الأمرُ الذي يدفعُ بهنَّ إلى البحثِ عن مفسّرينَ على مقدارِ عالٍ من الاحترافِ لتفسيرِها، ليتحولَ الأمرُ إلى ما يُعرفُ بهوسِ الأحلامِ، وهو قد يؤَثرُ على حياةِ الكثيرينَ من الأشخاصِ .
وبحسبِ دراسةٍ لخبراءِ علمِ النفسِ؛ أنّ الأحلامَ وسيلةٌ يلجأُ إليها الإنسانُ لإشباعِ رغباتِه ودوافعِه المكبوتةِ؛ خاصةً التي يكونُ تحقيقُها صعباً في الواقعِ، حيثُ أنه بالأحلامِ يحقّقُ الفردُ دوافعَه وأمنيّاتِه؛ حتى وإنْ كانت علي هيئةِ صورةٍ أو خيالٍ أو موقفٍ يفعلُه هو بإرادتِه؛ لذلك فإنّ كثيراً من الأحلامِ تكونُ خاليةً من المعاني و المنطقِ .
يجدُ دكتور علمِ النفس “خالد موسى” أنه يوجدُ علاقةٌ وثيقة بين الأحلامِ ونفسيةِ الإنسان، ويقول :”الإنسانُ ابنُ بيئتِه؛ يتأثرُ بما يحدثُ في ذاتِه، وهذه البيئةُ وخاصةً إنْ كانت ضاغطةً، تشعرُ الأفرادَ بكثيرٍ من النقصِ والخوفِ والقلقِ، وإزاءَ ذلك يسعى للحصولِ على توازنٍ نفسيّ كوسيلةٍ دفاعيةٍ، بقصدِ المحافظةِ على صحتِه النفسيةِ، وتفريغِ المكبوتِ، فتخرجُ على شكلِ مواضيعَ أو أشخاصٍ أو قصصٍ، يكونُ الفردُ منخرطاً فيها إلى حدٍّ كبير، وخاصة أنّ الشعورَ يكونُ في فترةِ غفلةٍ، وبذلك يتحررُ اللاشعورُ من هذا الرقيبِ، ويحاولُ رؤية كلِّ الأمورِ التي تشغلُ بالَه من غيرِ رقيبٍ”.
ويقسِّمُ الأحلامَ إلى قِسمين: منها ما هو مفيدٌ؛ على اعتبارِ أنه تفريغٌ نفسي انفعالي لمكبوتاتٍ تؤرِّقُ النفسَ البشرية، ومنها ما يكونُ ضاراً بالشخصيةِ، وخاصةً إذا كان لها ارتباطاتٌ جنسيةٌ أو لا أخلاقية، وليس لدى الفردِ شخصيةٌ قويةٌ، بحيثُ لا يتأثرُ بما حلمَ فيه في صحوِه، وقد يستمرُ تأثيرُها السلبيّ لمدةِ أيامٍ أو أسابيعَ؛ فتُشعرُه بالخزيِ والخجلِ من نفسِه.
ويؤكدُ بأنّ هناك كثيراً من الأفرادِ يتجهونَ إلى تنميةِ الوازعِ الديني لديهم؛ في محاولةٍ للهربِ من ضغطِ الأحلامِ على أجهزتهِم العضويةِ وسلوكِهم البشري.
بينما ينفي دكتور علم النفسِ اعتبارَ هاجسِ الأحلامِ مرضاً نفسياً، ويقول: “الهاجسُ النفسي عرَضٌ وليس مرضاً، ربما المبالغةُ فيه، ومحاولةُ تفسيرِه لها جانبٌ مرَضي، وإنْ كان كلُّ إنسانٍ مُعرّضاً لهذا الأمرِ، خاصة أنَّ الأحلامَ تزدادُ وتشتدُّ عند الحاجةِ، ومحاولةِ الهروبِ بها من ظروفٍ ضاغطةٍ، وتعويضِ هذا الخللِ في الصحةِ النفسيةِ من خلالِها”.
ويوضّح أنّ الأحلامَ قضيةٌ غيرُ محسوسةٍ؛ من الصعبِ بناءُ مسلّماتٍ من خلالِها، ولكنْ يمكنُ الاستدلالُ بها كجزءٍ من دراسةِ الشخص، فغالباً ما يكونُ الواقعُ أساسَ الأحلامِ التي تشتدُ؛ بقدْرِ ما يكونُ هناك حرمانٌ في الواقعِ، وظروفٌ ضاغطةٌ، وعدمُ استقرارٍ نفسي، والدليلُ على ذلك أنّ الأحلامَ تكونُ هادئةً ومريحةً في عدمِ وجودِ ظروفٍ ضاغطةٍ، والعكسُ حين تكونُ هناك ظروفٌ ضاغطةٌ؛ تأتي الأحلامُ مزعجةً ومُخجلةً.
ويضيف: “عالمُ الأحلامِ عالمٌ غيبيٌّ، وقد يمكنُ تفسيرُه من منظورٍ ديني، كلُّ شخصٍ له خبرةٌ بهذا الموضوعِ؛ يفسّرُه حسبَ ما يرتئيهِ، مع الأخذِ بالاعتبارِ أنّ لكلِ حقبةٍ زمنيةٍ دلالاتِها وظروفَها. في المُجملِ إنّ الأحلامَ غالباً ما تشيرُ إلى الحرمانِ، والدليلُ على ذلك أنّ الإنسانَ إذا ما سعى لتحقيقِ أمرٍ ما على أرضِ الواقع وأنجزَه؛ لا يحلمُ به والعكسُ، لذلك يفسرُ العلماءُ أيَّ حلمٍ حسبَ شخصيةِ الفرد”.
وكان “للثريا” وقفتُها مع دكتور الشريعةِ عصام بدران ، فيقول:”الرؤى وإنْ تشابهتْ إلّا أنّ تفسيرَها يختلفُ من شخصٍ لآخَرَ، تبعاً لظرفِ الشخصِ ووضعِه، وهذا ما يعدُّه من المحاذيرِ التي يقعُ فيها الناسُ، حين يجتهدُ البعضُ منهم، ويفسرُ الحلمَ كما يتأتى له رغمَ ضعفِ معرفتِه بالتأويلِ، ويلجأ إلى مراجعِ تفسيرِ التأويلِ والرؤى التي يذكرُ بها المؤلفُ وجوهاً عديدةً للتفسيرِ، فيضلُّ في اختيارِ أحدِ هذه الأوجهِ، ويقعُ في مشكلةٍ.
ويوضحُ أنّ الرؤيةَ الصادقةَ بأنها توجيهٌ ربّاني من اللهِ عزّ وجلّ؛ بغرضِ التربيةِ ووضعِ خطةٍ أو طريقِ نجاةٍ أمام الشخصِ، “فالرؤيا الصالحةُ يستأنسُ بها المؤمنُ ويستبشرُ بها، وتبعثُ على النشاطِ والحيويةِ، وتزيلُ من نفسِه السآمةَ والإحباطَ، مع الأخذِ بالاعتبارِ أنّ المؤمنَ مُطالبٌ بتطبيقِ أحكامِ الدينِ والشريعةِ في حياته، متفادياً ما يحصلُ عند بعض المسلمينَ، ممن يوقِفونَ تحرُّكَهم اليومي تبعاً لِما يرونَه في الحلمِ، وإنْ لم يحلمْ أحدُهم؛ جلسَ مكتئباً في بيتِه بعيداً عن العملِ الذي حضَّ عليه دينُنا الحنيف”.
ويضيف: “كلما كانت الرؤيا شديدةَ الوضوحِ، قليلةَ المشاهدِ -وتأتي غالباً على طهارةٍ قبل صلاةِ الفجر أو ربما في وضَحِ النهار- وكان الرائي صالحاً، فإنّ كلَّ هذه الأمورِ مجتمعةً؛ تؤكدُ أنها رؤيةٌ وليست أضغاثَ أحلام”.
ويبينُ: قد يقعُ البعضُ في الالتباسِ الذي يقعُ فيه الناسُ، وهو بين ثلاثةِ أمور: الرؤيا الصادقة التي هي رسالةٌ من اللهِ عز وجلّ؛ لقولِ الرسول صلى الله عليه وسلم: “الرؤيا الحسنةُ من الله، فإذا رأى أحدُكم ما يحبُّ فلا يحدّث به إلا مَن يحب”، والحلمُ الذي هو من الشيطانِ؛ لقول رسول الله: “إذا حلمَ أحدُكم فليتعوذْ باللهِ من شرِّها ومن شرِّ الشيطانِ، وليتفلْ ثلاثاً ، ولا يحدّثْ بها أحداً، فإنها لا تضرُّه”، أمّا الأمرُ الثالثُ وهو أحاديثُ النفسِ، وغالباً ما تعبّرُ عن الرغباتِ المكبوتةِ، وخواطرَ مرتْ بالشخصِ أثناء يومِه، فتتجسّدُ في أحلامِه.
ويقول: “لا يجوزُ أنْ تكونَ الأحلامُ والرؤى بديلاً عن مصادرِ التشريع؛ وهي القرآنُ الكريم والسُنة والعلماء، كما يحصلُ عند بعضِ الجهلاء، ولا بأسَ إنْ كانت الرؤية تتعارضُ مع الحكمِ الشرعي الآخذِ بالمشورةِ، ويمكنُ حينها مخالفةُ الرؤيا، والعملُ بما يراه المسلمونَ حسناً”.
ويرى أنّ هناك شروطاً يجبُ توافرُها في مفسّرِ الأحلامِ أهمُّها: أنْ يكونَ معروفاً بالصلاحِ، ولديه خبرة كبيرةٌ بمهاراتِ التأويلِ، مع معرفةٍ وثيقةٍ بمصطلحاتِ القرآنِ وألفاظِه ووجوهِ تأويلِها، وكذلك مفرداتُ السُنة ووجوهُ تأويلِها، مع خبرةٍ بمفرداتِ اللغةِ واحتمالاتِها، مستفيداً بخبراتِ السابقينَ من العلماءِ في مجالِ تفسيرِ الأحلامِ، أمثال (النابلسي وابن سيرين)، وبالإضافة لهذا كلّه أنْ يكونَ عليه ملامحُ الإلهامِ الرباني، وهذا إلهامٌ توفيقي من اللهِ عزّ وجلّ.