استغلالُ المتدرِّبين في المؤسساتِ بحاجةٍ لبرنامجٍ وطني

لا يختلفُ اثنانِ في غزة على أنّ هناك استغلالٌ واضحٌ للمتطوعينَ والمتدربينَ في المؤسساتِ والجمعياتِ الأهليةِ، التي تفتحُ أبوابَها لجيوشِ المتطوعينَ.. ليس إيماناً بنجاعةِ التطوعِ وضرورتِه لبناءِ المجتمعاتِ؛ وإنما لإستراتيجيةٍ مؤسساتيةٍ تقومُ على استغلالِ قدراتِ المتطوعينَ بأقصى صورةٍ ممكنةٍ، مقابلَ شهادةِ تَطوّعٍ لا تُغني ولا تُسمنُ من جوعٍ في سوقِ الوظيفة .
حنان أبو عبيد “23 عاما ” تقول لـ” السعادة ” : أنْ تكونَ متدرباً؛ باختصارٍ تعني أنْ تكونَ خادماً لكُل العاملينَ في مكانِ تدريبِك، مع “تحميلِك مليونَ جميلة ” أنك تتدرّبُ لديهِم!! ، هذا ما حدثَ معي عند تدريبي في أحدِ المدارسِ الحكوميةِ؛ لاستكمالِ مساقِ تربيةٍ عمليةٍ ، و التي تتطلبُ منك التدرُّبَ بأحدِ المدارسِ طيلةِ الفصلِ الجامعي .
أمّا “ريهام التلولى” فتقول : لم أكنْ أتوقعُ حجمَ الفرحةِ التي تسيطرُ على المدرّسينَ الذين يحصلونَ على متدربينَ لهم؛ إلاّ عندما تدرّبتُ في أحدِ المدارسِ ، فقدومُ متدربٍ يعني الراحةَ والراحةَ التامةَ للمدرّسينَ.. إلاّ مَن رحِمَ ربي ، يتركُ الجدولَ الدراسي بالكاملِ للمتدربِ، ومن ثم ينشغلُ في ترتيبِ بعضِ أمورِه المتأخرةِ أو المستقبليةِ .
لا يختلفُ حالُ خريجي أقسامِ الصحافةِ والإعلامِ عن خريجي كلياتِ التربيةِ أو غيرِهم ، يقول أحمد، “23” عاماً لـ”السعادة “: ” نتخرجُ بكَمٍّ من التفاؤلِ والاندفاعِ للانخراطِ في مجالِ الإعلامِ، وحُلمٍ للعملِ في إحدى المؤسساتِ الإعلاميةِ، والالتقاءِ بالإعلاميينَ الكبارِ، أو مَن يمثّلونَ القدوةَ لنا في مجالِ العمل، و للأسفِ بعدَ أيامٍ و شهورٍ من العملِ الشاقِّ في فتراتِ تدريبٍ أو تطوّعٍ، نصطدمُ بواقعٍ مريرٍ! وليس له أيُّ تفسيرٍ من الاستغلالِ وسرقةِ الإنجازاتِ، و يخرجُ الواحدُ مِنا من المؤسسةِ بعدَ أنْ استنفدتْ طاقاتِه و حيويتَه، دونَ كلمةِ شُكرٍ، أو حتى شهادةِ خبرةٍ”!.
الخرّيج “أحمد السيد ” أكّدَ أنّ تجرِبتَه التدريبيةَ في إحدى المؤسَّساتِ الإعلاميةِ العاملةِ في قطاعِ غزةَ كانت مثاليةً وإيجابيةً, قائلاً: “قبلَ البدءِ بالتدريبِ جلس معي المسئولُ الخاصُّ بمِلفِ التدريبِ في المؤسَّسةِ، وقام بإطلاعي على صورةِ الوضعِ التدريبي لديهم، وتمّ تحديدُ فترةِ التدريبِ بثلاثةِ أشهر”.
من جانبِه يقولُ الدكتور “زهير عابد” عميدُ كليةِ الإعلامِ بجامعةِ الأقصى: ” إنّ تخصُّصَ الإعلامِ هو من أكثرِ التخصصاتِ التي تحتاجُ إلى تطوُّعٍ وتدريبٍ في الكثيرِ من الأمكنةِ الإعلاميةِ ، والحقيقةُ إنّ جشَعَ المؤسساتِ ورغبتَها في توفيرِ بعضِ الرواتبِ؛ يدفعُها لاستقدامِ متدرّبينَ مكانَ الموظَّفين.
ويشرحُ “عابد” سببَ تهرُّبِ تلك المؤسَّساتِ من الالتزامِ بوعودِها قائلا: “الموظَّفُ يربطُه عَقدٌ رسميّ بالمؤسسةِ، وله حقوقٌ لا يمكنُ التلاعبُ بها، على عكسِ المتدربِ الذي لا حولَ له ولا قوة”.
ويضيف: “علاجُ الظاهرةِ يحتاجُ إلى حِكمةٍ من المتدربينَ أنفسِهم، وقوةِ إرادةٍ تساعدُهم على التوقفِ عن التعاملِ مع المؤسسةِ التي لا تحترمُ وعودَها, فالفترةُ التي حدَّدها القانونُ هي ثلاثةُ أشهرٍ، بعدها يجبُ على المؤسسةِ ضمُّ المتدربِ أو تسريحُه”.
ورغمَ اعترافِه بتقصيرِ الجامعةِ بحقِّ طلابِها المتدربينَ في المؤسّساتِ الخارجيةِ، وعدمِ توعيتِهم ؛سواءٌ عن طريقِ الندواتِ أو وُرشِ العمل، بل وتركِ الأمرِ حسبَ رغبةِ المُحاضِرينَ؛ إنْ كانوا يودّونَ التطرُّق لواقعِ العملِ الصحفيّ أمامَ طلابِهم، إلا أنه عادَ ليؤكِّدَ أنّ الكليةَ بصددِ تنظيمِ دورةٍ للمحاضِرينَ حول البرامجِ والخُططِ الدراسيةِ؛ سيتِمُّ خلالَها توجيهُ المحاضِرين لتوعيةِ الطلابِ، وتوسيعِ مداركِهم لحمايتِهم من الاستغلالِ.
من ناحيتِها تؤكدُ الإعلاميةُ “فداء المدهون” -مديرُ قسمِ الأخواتِ بفضائيةِ الأقصى، وعضوُ كتلةِ الصحفي الفلسطيني- على حتميةِ احترامِ حقوقِ المتدربينَ؛ امتثالاً للواجبِ المِهني والأخلاقي والوطني، وتقول: “الواجبُ أنْ تحترمَ المؤسسةُ المتدربينَ لديها، وتعملَ على توفيرِ بيئةٍ تدريبيةٍ صالحةٍ؛ تضمنُ للمتدربِ تحقيقَ أكبرِ قدْرٍ من الاستفادةِ العملية”.
وتضيفُ: غيابُ قانونٍ أو وثيقةٍ رسميةٍ تنظِّمُ عملَ المتدربينَ، وتحمي حقوقَهم؛ ساهمَ في تسهيلِ عملياتِ الاستغلالِ، مؤكِّدة أنّ مؤسساتِ المجتمعِ المَدنيّ، والمبادراتِ الشبابيةَ يجبُ أنْ تسعَى لوضعِ قضيةِ استغلالِ المتدربينَ والمتطوعين َعلى جدولِ أولوياتِها في العملَ؛ لتضمنَ لهم حقوقَهم، ومتابعةَ قضيتِهم ضِمنَ مِلفِ الخرّيجينَ في المؤسساتِ المختلفةِ .
تشكيلُ برنامجٍ وطنيٍّ
فى ذاتِ السياق، أوصى مهتمونَ مختصونَ في العملِ التطوعي والتدريبي- خلالَ مؤتمرٍ شبابيّ عُقدَ بالضفةِ وغزةَ عام” “2013 برعايةِ منتدى “شارِك” الشبابي، وبمشاركةِ اتحادِ الشبابِ الفلسطينيّ والهيئةِ الفلسطينيةِ للإعلامِ، وتفعيلِ دورِ الشبابِ ‘بيالارا’ ، وعدّةِ مؤسساتٍ شبابيةٍ محليةٍ- بالعملِ على تشكيلِ فريقٍ وطنيٍّ لإعدادِ برنامجِ عملٍ، من أجلِ تفعيلِ العملِ التطوعيّ في فلسطينَ، وبحثِ استدامةِ المتطوعينَ الشبابِ في داخلِ المؤسساتِ، وإنشاءِ مركزٍ للدراساتِ، يُعنَى بالعملِ التطوعي، وبلورةِ ميثاقِ عملٍ بين المؤسساتِ للعملِ مع المتطوعينَ، وإنشاءِ اتحادٍ خاصٍّ بالمتطوعينَ؛ يشرفُ على تدريبِهم وتوزيعِ المَهامِ عليهم وينظّمُ طاقاتِهم.
مشدّدينَ على ضرورةِ دعمِ وإسنادِ المؤسساتِ العاملةِ في مجالِ العملِ التطوعي، وضرورةِ وجودِ قانونٍ أو لائحةٍ؛ لتنظيمِ العملِ التطوعيّ والشبابيّ، أو قانونٍ يعالجُ الأبعادَ الاجتماعيةَ والاقتصاديةَ والسياسيةَ والثقافيةَ للشبابِ أو للعملِ التطوعي.
وطالبوا بضرورةِ أخذِ الصحافةِ ووسائلِ الإعلامِ المختلفةِ لدورِها؛ لِما لها من دورٍ مؤثّرٍ وأساسٍ لتطبيقِ وترسيخِ مفهومِ العملِ الشبابيّ التطوعيّ في الحياةِ العامةِ، وإبرازِ دورِ الشبابِ في بناءِ وتطويرِ المجتمعِ، وأنّ تضُمَّ البرامجُ الدراسيةُ للمؤسساتِ التعليميةِ المختلفةِ بعضَ المقرَّراتِ الدراسيةِ التي تركّزُ على مفاهيمِ العملِ التطوعيّ، وأهميتِه ودورِه التنمويّ.. على أنْ يقترنَ ذلك ببعضِ البرامجِ التطبيقيةِ، ما يثبِّتُ هذه القيمةَ في نفوسِ الشبابِ.