كتاب الثريامدونات الثريا

بناءُ الإنسانِ أَولَى من الحفاظِ على المُقتنياتِ

بقلم: د. مريم عنان البرش

في حياةِ كلِّ إنسانٍ مِنّا عددٌ من المقتنياتِ الثمينةِ؛ التي لا يُمكِنُه التخلّي عنها، ويكونُ لها قيمةٌ أكبرُ في حياةِ الأُنثى؛ نظراً لطبيعتِها الحساسةِ.

تختلفُ مقتنياتُ الأُنثى حسبَ المرحلةِ العمريةِ؛ رغمَ أنهنَّ يشترِكنَ جميعاً في بعضِ التفاصيلِ؛ لكنْ بالعمومِ قد ُتَعُدُّ الأُنثى ذاتُ العشرِ سنواتٍ “رسالةً” من صديقتِها المقرّبةِ؛ أعظمَ ممتلكاتِها! في حين أنّ ربّةَ المنزلِ _ذاتَ العددِ الكبيرِ من الأولادِ_ قد تَعُدُّ “طنجرة تيفال” جديدةً هي أكبرَها!!!

وتظلُّ الأُنثى شديدةَ الحساسيةِ تُجاهَ أملاكِها البسيطةِ؛ تحاولُ الحفاظَ عليها ما أمكنَ؛ ولا تحبُّ أنْ يَلمسَها أحدٌ، فقد تبكي الصغيرةُ بشِدّةٍ؛ حينَ يلعبُ أحدُهم بألعابِها المفضّلةِ!، بينما قد تستشيطُ الأمُّ غضباً؛ حين يعبثُ أحدُ أطفالِها بثوبٍ جديدٍ؛ استَغرقتْ وقتاً طويلاً وهي تُطرِّزُه، أو حتى إنْ وجدتَ أحدَهم استخدَم أحدَ الأجهزةِ المنزليةِ بشكلٍ خاطئٍ.
وتبدأُ بقَذفِ الشتائمِ والعقابِ على مَن تسبّبَ بتَلفِ شيءٍ من مُقدّراتِ المنزلِ الثمينةِ!!

في الحقيقةِ، تبقَى الأُنثى مُحتفظةً ومُعتَنيةً بخصوصيةِ حاجاتِها؛ التي أخذتْ وقتاً طويلاً في اختيارِها وانتقائها، والبحثِ في الأسواقِ عن أفضلِ نوعياتِها لحينِ إنجابِها عدداً من الأطفالِ؛ يشاركونَها تفاصيلَ الحياةِ، وكلَّ صغيرةٍ وكبيرةٍ بالمنزلِ؛ ما يؤدّي إلى تحوُّلِ الأمِّ من أُنثى رقيقةٍ بمشاعرِها _بالكادِ تُسمِعُ صوتَها_ إلى جهازٍ صوتيِّ مُسجَّلٍ عليه بعضُ العباراتِ مِثلَ:

أترُك هذا… لا تَعبثْ بهذا… اذهبْ لِهناك… انزِلْ من هنا …. رتّبْ هذا… ابتعدْ عن هذا….

عذراً على التعبيرِ؛ ولكنّ هذا ما يحصلُ بطبيعةِ الحالِ؛ وهو ما يجعلُ فجوةً بينَ الأطفالِ ووالدتِهم، فتَضيعُ الأوقاتُ التي من المُفترَضِ أنها أوقاتُ حبٍّ ومرحٍ بينهم؛ لأوقاتِ صراعِ المُقتنياتِ؛ تَتخلَّلُها العصبيةُ، والمزاجُ السيئُ، والشعورُ بالغضبِ من كلا الطرَفينِ، و كلٌّ له أسبابُه الخاصةُ؛ فالأمُّ تَعُدُّ أنّ الإهدارَ و العبثَ بتلكَ المقتنياتِ مَدعاةٌ للغضبِ؛ لكنّ الأبناءَ يشعرونَ أنّ لمْسَ تلكَ الأشياءِ؛ ليس معضلةً كبيرةً تستحقُ العصبيةَ !!

ويجدُرُ بكِ كأمٍّ أنْ تَفهمي أنّ أطفالَك خيرٌ من كلِّ ممتلكاتِك، وأنّ كلَّ شيءٍ منها مُعرّضٌ للتلَفِ؛ ويُمكِنُ إصلاحُه… إلّا نفسيَّتَهم؛ لذا فاستخدامُ أسلوبِ الإقناعِ والتوجيهِ المُبرَّرِ غيرِ المُعنِّفِ؛ هو أكثرُ تأثيراً عليهم من استخدامِ العنفِ المَعنويّ والجسديّ المتمثّلِ بالضربِ أحياناً.

ورغمَ أنّ كُلاً مّنا يكونُ حريصاً على بعضِ الأشياءِ، والمتعلقاتِ الخاصةِ به؛ إلّا أنّ بناءَ الإنسانِ، والحفاظَ على نفسيةِ الأبناءِ من الضرَرِ؛ أَولَى من الاهتمامِ بالتفاصيلِ الأخرى على أهميتِها، واستخدامَ الأسلوبِ الصحيحِ والأمثلِ أكثرُ جَدوَى من غيرِه من الأساليبِ.
فهم سيَكبَرونَ يوماً؛ ويتذكّرونَ جيداً أنكِ فضّلتِ (السّجادةَ، والمقلاةَ، وألبومَ الصورِ، وأطباقَ الضيافةِ الجديدةَ) عليهم!!!.

عزيزتي الأُم، إنْ كنتِ قد عشتِ في غزةَ؛ بالتأكيدِ قد شاهدتِ بأُمِّ عينَيكِ المنازلَ تُسَوَّى بالأرضِ في لحظاتٍ، والبيتَ بكُلِّ ما يَحويهِ من مقتنياتٍ ثمينةٍ، وممتلكاتٍ لا تُقدَّرُ بأثمانٍ؛ منها ما له ذكرياتٌ عزيزةٌ، ومنها ما لن يُكرِّرَه الزمنُ، كلُّ هذا ذهبَ في غمضةِ عينٍ! فما كان من أصحابِ البيتِ إلّا أنْ يَحمَدوا اللهَ، ويسجُدوا له كثيراً؛ لأنه سلّمَ أطفالَهم، ونجّاهم من موتٍ مُحقَّق.

وكم من أمٍّ تمنّتْ ألّا يَبقَى لها في الحياةِ إلا طفلٌ فقدَتْه في غارةٍ صهيونيةٍ!، فإنْ كنتِ ممّنْ أنعمَ اللهُ عليها، ورزقَها بنعمةِ الأبناءِ؛ فاحمَدي اللهَ كثيراً، واجعليهِم أغلَى مُقتنياتِكِ، واستثمِري فيهم الخيرَ ونَمِّيهِ، علِّميهم الأدبَ، وربِّيهم على الخيرِ، وزكِّيهم بالصدَقاتِ، لكنْ لا تُفضِّلي بعضَ الجماداتِ عليهم؛ لأنها ستذهبُ وستَتبدَّلُ على أيِّ حالٍ.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى