كتاب الثريامجلة السعادة

تجربتي مع كورونا

بقلم: علي لبد

بعدَ أسبوعٍ من وفاةِ ابن عمي بفايروس “كورونا”؛ وإصابةِ خالي ونقلِ جميعِ مَن أصابتْهم العدوَى من أبناءِ عمومتي وأولادِهم إلى الحَجرِ؛ بِتنا نترقّبُ الأخبارَ السيئةَ؛ ونقرأُ الفزعَ على وجوهِ وفي كلماتِ من يتواصلونَ معنا، خوفًا من العدوَى، وكأنّ عائلتَنا هي مَن نشرتْ هذا المرضَ! لقد كان لهذا الأمرِ بالغَ الأثرِ في نفوسِنا؛ لكنّ يقينَنا بأنّ كلَّ أمورِنا بيَدِ اللهِ، وأننا في مَعيّتِه وحدَه؛ أسبلَ علينا لباسَ الطمأنينةِ والهدوء ..

نَعم، غالباً ما يصيبُ المرءَ شيءٌ من الهلعِ والخوفِ الشديدِ؛ عند إخبارِه بأنه مريضٌ بمرضٍ خطيرٍ لم يُكتشفْ له علاجٌ بعدُ، فكيف إذا ما أُخبرتَ بمرضِ “كورونا”؟ حينها تشعرُ وكأنّ قاتلاً مأجوراً يتربّصُ بكَ في ثنايا وأزِقّةِ المدينةِ، يُحكِمُ الوثاقَ على الرقاب،ِ ويكيلُ الضرباتِ التي تغيّرُ الصدورَ، وتؤدّي إلى الوفاةِ الحتميةِ، هذا كلُّه نتيجةَ التضخيمِ الإعلامي حولَ هذا الوباءِ، وأعدادِ الإصاباتِ والوفياتِ التي تتصدرُ قائمةَ الإعلامِ منذُ بدايةِ انتشارِ هذا الفيروس بسرعةٍ في معظمِ دولِ العالمِ؛ ولأنّ التهويلَ عبرَ الأرقامِ الكبيرةِ للإصاباتِ يؤثّرُ في نفسيةِ الناسِ أكثرَ من الوباءِ نفسِه؛ كان من الواجبِ التركيزُ على الطرُقِ التي تمنعُ الفيروسَ من الانتقالِ للآخَرينَ من خلالِ نشرِ التوعيةِ والإرشاداتِ الصحيةِ؛ كي لا يسبِّبَ التهويلُ بحدوثِ عذابٍ نفسيٍّ للمصابينَ الذين يشعرونَ وكأنهم أصبحوا قنابلَ موقوتةً وناقلةً للعدوَى القاتلةِ !

في آخِرِ ليلةٍ من شهرِ “أغسطس”؛ بعدَ أنْ مالت الشمسُ للمغيبِ؛ جاءني اتصالٌ من أخي الأكبرِ؛ سألني عن حالِنا واطمأنَّ علينا؛ لكنه كان يريدُ إخباري بأمرٍ قاسٍ على النفسِ؛ وهو إصابةُ أُمي ذاتِ الثمانٍيةِ والسبعينَ عاماً التي لا تقوَى على الوقوفِ بفايروس كورونا، وأنه صدرَ قرارٌ بنقلِها إلى الحَجرِ؛ وأنها تحتاجُ لمَن يرافقُها لخدمتِها في الحجرِ، فأخبرتُه برغبتي الشديدةِ بمرافقتِها _مع العلمِ بأنَّ مَن سيُرافِقُها سيصابُ بالعدوَى، لقد عانينا أنا وأمي كثيراً قبلَ وصولِنا إلى مركزِ الحجرِ في المستشفى التركي من انتظارٍ للطاقمِ الذي سينقلُنا، أو من نظراتِ أبي وإخواني الممتلئةِ بحديثِ الخوفِ مع الفزعِ من المجهولِ، فهذا الفايروس ضيفٌ ثقيلٌ لدرجةِ أنه مُعتدٍ يأتي متسللاً دونَ أنْ تشعرَ به، أو تعرفَ من أين جاءكَ، فتجِدُه في قلبِ رئتَي جسدِكَ مُحتلاً لها.. لا أُنكرُ بأنني عانيتُ في ظِلِّ هذا الوباءِ، وبدأ جسمي يضعفُ بعدما بدأتُ أفقدُ الشهيةَ شيئاً فشيئاً؛ وبعدَها فاجأتني الحرارةُ لتتحوّلَ إلى برودةٍ وحرارةٍ في الوقتِ ذاتِه؛ لأنتقلَ للكحّةِ والتهابٍ في الحلقِ، وبعدَ أنْ فقدتُ حاسّةَ الشمِّ؛ تأكّدتُ حينَها أنني مصابٌ بهذا الوباءِ الذي يفجعُ كلَّ مَن يسمعُ به؛ ومع ذلكَ أخفيتُ الأمرِ عن أمي؛ وقد عانيتُ كلُّ هذه الأعراضِ دونَ أنْ أُخبرَها؛ حتى لا تتألّمَ عليَّ؛ فقلبُ الأمِّ لا يتّسِعُ للحزنِ على أولادِها ؛ فكيف على حالِها، وحالِ أخيها، وابنِ أخيها، وأبناءِ العائلةِ المصابينَ !
ما أوَدُّ قولَه؛ هو يجبُ ألّا نخافَ من هذا الوباءِ؛ لأنَّ الشفاءَ منه شِبهُ أكيدٍ بإذنِ اللهِ، ويجبُ علينا التأقلُمُ مع القوانينِ الجديدةِ، والتقيّدُ والالتزامُ بالتعليماتِ التي تُصدِرُها الجهاتُ المختصّةُ ولجنةُ الطوارئِ العليا؛ لأنها في مصلحةِ الجميعِ .
كما أنه يجبُ ألّا نُعلي من شأنِ هذا الوباءِ، ولا أنْ نقلّلَ من خطورتِه أيضاً؛ بل يجبُ نقلُ الواقعِ الحقيقِ فقط عن الوباءِ، ومدَى خطورتِه على أصحابِ المناعةِ الضعيفةِ، والأمراضِ المزمنةِ.
في الختامِ، هناك استفسارٌ بسيطٌ؛ هل يَعلمُ مَن يُصدِرونَ القراراتِ بأنّ عبارةَ “الزمْ بيتَك” تعدُّ كارثيةً على حياةِ الناسِ في مجتمعِنا؟ نَعم أقولُ كارثيةً؛ لأنّ أولَ سؤالٍ سيَسألُه مَن يُطلبُ منه أنْ يلتزمَ بيتَه هو: من سيُطعِمُ أطفالي؟ فحَظرُ التجوالِ في بلادِنا صعبٌ جداً على الكثيرينَ، والإصابةُ بالعدوَى أدْهَى وأمَرُّ، بكُلِّ بساطةٍ، لا يمكنُ وصفُ حالةِ من يعملونَ بأُجرةِ اليومِ لتوفيرِ قوتِ أولادِهم ومتطلباتِ الحياةِ، لا يمكنُ وصفُ معاناتِهم بدونِ دخلٍ في ظِلِّ إغلاقٍ كاملٍ، أو حَجرٍ منزليّ، كان اللهُ في عونِهم..

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى