المعاييرُ القانونيةُ للحقِّ في الملكيةِ والسَّكنِ

بقلم: آية المغربي
يُعَدُّ الحقُّ في السكنِ من الحقوقِ التي لا غِنَى عنها؛ لبقاءِ واستمرارِ حياةِ الإنسانِ، وهو شرطٌ أساسٌ لضمانِ التمتُعِ بحقوقٍ وحرياتٍ أخرى مكفولةٍ؛ مِثلَ الحقِّ في العيشِ ببيئةٍ آمِنةٍ، والحقُّ في الصحةِ والتعليمِ، وحقِّه باحترامِ الخصوصيةِ.
ونَصَّ القانونُ الأساسي الفلسطيني في المادةِ (23)؛ على أنّ “المسكنَ الملائمَ حقٌّ لكُلّ مواطنٍ، وتسعَى السلطةُ الوطنيةُ لتأمينِ المسكنِ لمَن لا مأوَى له”، وأضاف في المادةِ (17) على أنّ” للمساكنِ حُرمةً، فلا تجوزُ مراقبتُها أو دخولُها أو تفتيشُها إلّا بأمرٍ قضائي مُسبّبٍ، ووفقاً لأحكامِ القانونِ، ويقعُ باطلاً كلُّ ما يترتبُ على مخالفةِ أحكامِ هذه المادةِ، ولمَن تضرّرَ من جرّاء ذلكَ؛ الحقُّ في تعويضٍ عادلٍ تَضمَنُه السلطةُ الوطنيةُ الفلسطينيةُ”.
ولا يقتصِرُ مفهومُ الحقِّ في السكنِ على مُجرَدِ إيواءِ الإنسانِ في أربعِ جدرانٍ وسقفٍ؛ بل يتّسِعُ ليشملَ الحقَّ في السكنِ الملائمِ من ناحيةٍ صحيةٍ، وتَوافُرِ الخدماتِ الأساسيةِ، والحمايةِ القانونيةِ لقاطنيهِ، ويوفّرُ سُبلَ الحمايةِ والخصوصيةِ، والتمتُعَ بالأمنِ، والاحتماءِ من تقلّباتِ الطقسِ.
وعالمياً، يجبُ توافرُ مجموعةٍ من المعاييرِ القانونيةِ اللازمةِ لضمانِ التمتعِ بالحقِّ في الملكيةِ، وأوَّلُها الضمانُ القانوني للاستمرارِ في شغلِ المسكنِ، ومَفادُه وجوبُ أنْ يحظَى الأفرادُ بغَضِّ النظرِ عن شغلِ المسكنِ الذي يعيشونَ فيه بالحمايةِ القانونيةِ؛ بحيثُ يضمنونَ عدمَ إخلائِهم بالإكراهِ، أو تعرُّضَهم لمضايقاتٍ وتهديداتٍ.
ويشترطُ أيضاً توفيرُ الخدماتِ الأساسيةِ، والموادِ والمَرافقِ والهياكلِ، فَلِكَي نَصِفَ السَّكنُ بأنه ملائمٌ؛ لا بدَّ من توافُرِ مرافقٍ أساسيةٍ لازمةٍ للصحةِ والأمنِ والراحةِ والتغذيةِ؛ بحيثُ يُتاحُ للمُنتفعينَ بهذا السكنِ؛ أنْ يَحصلوا على المواردِ الطبيعيةِ والعامةِ، والحصولِ على مياهٍ نظيفةٍ، وطاقةٍ لأغراضِ الطهيِ والتدفئةِ والإضاءةِ، وكذلكَ المرافقُ المتعلّقةُ بتعزيزِ الصحةِ العامةِ، وتخزينِ الأغذيةِ، والتخلّصِ من النُّفاياتِ.

ويُشترَطُ القدرةُ على تحمُّلِ التكاليفِ، أي أنّ التكاليفَ المرتبطةَ بالسكنِ؛ يجبُ أنْ تكونَ متلائمةً مع مستوى دخلِ الأفرادِ في الدولِ، ويجبُ على الدولِ ضمانُ ذلك، ويقعُ على عاتقِها تمويلُ المشاريعِ الإسكانيةِ، وتوفيرُ المصادرِ الطبيعيةِ والموادِ اللازمةِ للبناءِ.
ويستلزمُ كذلكَ صلاحيةُ المنزلِ للسكنِ؛ ليَحميهم من تقلّباتِ الطقسِ: “كالرطوبةِ والبردِ والرياحِ والحرارةِ”؛ بحيثُ يضمنُ السلامةَ الجسديةَ للسكانِ، ويُعَدُّ هذا المعيارُ من أهمِّ المعاييرِ؛ كونَه مرتبطاً بالعاملِ البيئي بتواتُرِ الحالاتِ الوبائيةِ، خاصةً في ظِلِّ أزمةِ “كورونا”.
وتُعَدُّ إتاحةُ إمكانيةِ الحصولِ على السكنِ الملائمِ معياراً أيضاً_ خاصةً للفئاتِ المَحرومةِ_ لهم الحقُّ في أنْ يستفيدوا بشكلٍ دائمٍ ومستمرٍّ وكاملٍ، وأنْ تكونَ لهم الأولويةُ في مجالِ السكنِ؛ مِثلَ كبارِ السنِّ، والمُعاقينَ جسدياً، والأطفالِ، والمَرضى، والمصابينَ بأمراضٍ لا شفاءَ منها، ويجبُ أنْ تكونَ سياساتُ الدولِ السكانيةِ قائمةً على دراسةِ الاحتياجاتِ السكنيةِ بعَينِ الاعتبارِ، وتنطوي على تعزيزِ حصولِ الفئاتِ الفقيرةِ على أراضي لصالحِها.
ويأخذُ موقعُ السكنِ ضِمنَ المعاييرِ؛ فَلِكَي يكونَ السكنُ ملائماً؛ يجبُ أنْ يكونَ في موقعٍ يُتيحُ لساكنيهِ إمكانيةَ الاستفادةِ من خياراتِ العملِ، وخدماتِ الرعايةِ الصحيةِ، والمدارسِ، وغيرِها من المرافقِ الاجتماعيةِ الحيويةِ، والتي لا بدَّ من الوصولِ إليها بسهولةٍ؛ مِثلَ بناءِ المصانعِ بعيداً عن السكانِ والمدنِ الكبيرةِ، التي يكلّفُ الخروجُ إليها عِبئاً مالياً.
وتُعَدُّ ملائمةُ السكنِ من الناحيةِ الثقافيةِ معياراً؛ فالحفاظُ على ثقافةِ أيِّ مجتمعٍ عنصرٌ مُهِمٌّ لبقائهِ ودعمِه، كاشتراطِ الدولةِ وِجهةً مَعنيةً، أو شكلاً هندسياً خاصاً، أو ألوانَ دهاناتٍ، وبهذا الصدَدِ فإنّ طريقةَ بناءِ المساكنِ، والسياساتِ الخاصةِ بالسكنِ؛ يجبُ أنْ تراعيَ وتُعبّرَ على نحوٍ مناسبٍ عن ثقافةِ أفرادِ المجتمعِ، بحيثُ يكونُ لها أبعادٌ ثقافيةٌ خاصةٌ بها؛ تُبرِزُ وتحافظُ على هُويتِها.
وختاماً، التعاملُ بحيادٍ، وعدمُ التمييزِ بينَ الأفرادِ؛ أي حصولُ جميعِ الأفرادِ بشكلٍ متساوٍ على هذا الحقِّ؛ بغَضِّ النظرِ عن الشكلِ أو الدِّينِ أو العِرقِ أو الانتماءِ السياسي.
وتشكّلُ جميعُ هذه الضماناتِ المَدخلَ الأساسي والتمهيدي للحقِّ في الملكيةِ والسكنِ، والأراضي التي سنقومُ بتقسيمِها لأجزاءٍ، والحديثِ عنها ضمنَ سلسلةٍ مُصغّرةٍ لاحقةٍ؛ توضّحُ إجراءاتِه ودعاوَى الأراضي، وكيفيةَ المطالبةِ بالحقوقِ الإرثيةِ.