فواتير الحياة

بقلم الكاتبة: مريهان أبو لبن
في الحياةِ فواتير سدادها صعب، أو بالأصَحِّ مالَها سدادٌ، هي الفواتيرُ يكونُ سدادُها من نفسِكَ وصحتِكَ وأيامِ عُمرِكَ، فواتيرُ العطاءِ والصبرِ والتحمّلِ والتضحيةِ رصيدها لما بنتهي ما بتجدد لأنك استنفذت كل شيء وأنت ما كنت شاعر بتعطي من غير حساب بتقدم وناسي نفسك جعلت غيرك أولوية، ولو تَجدّدَت يكون من باب رفع العتب؛ ما له معنى.. أو تأديةِ واجبٍ.. ومع مرورِ العمر، وتراكُمِ المواقفِ تَعجزُ عن شحنِهم؛ لأن رصيدَك انتهى.. ما حتسمع أسطونة “عزيزي المشترِك، لقد نفِدَ شَحنُكَ.. قُم بشَحنِ رصيدِك”؛ وقتَها يكونُ كلُّ شيءٍ انتهى عندها تفقدُ القدرةَ على الشحنِ، وتبقَى الفواتيرُ الشهريةُ “الكهرباء والمياه والإنترنت والجوال الخ” مقدوراً عليها؛ برغمِ أنها تصيبُنا بالضيقِ والتذمّرِ؛ إلّا أنها تكونُ أرحمَ مليونَ مرّةٍ من فواتيرِ الحياةِ .
فواتيرُ الحياةِ تدفعُ ثمنَها بإرادتِك غيرِ المحسوبةِ، وعاطفتِك الزائدةِ؛ دونَ تفكيرٍ أنها تسحبُ من رصيدِ نفسيتِك وصحتِك، من فاتورةِ تعبِك النفسيّ لأيِّ موقفٍ مرَّ عليكَ؛ أتعبَ نفسيتَك، وأفقدَكَ قوّتَك، وأخذَ منكَ كلَّ شيءٍ حُلوٍ؛ ذلكَ بسبَبِ عطائكَ بلا حدودٍ، وتسامُحِكَ مع أشخاصٍ؛ استغلّوا طيبتَك وحُبَّكَ وعطاءَكَ، وكانوا واثقينَ أنكَ لا يمكنُ أنْ تَتخلَّى عنهم، وضمِنوا بقاءَكَ معهم؛ فأعطوا لأنفسِهم الحقَّ في تكريرِ أخطائهم بحقِّكَ؛ فقط لأنكَ غفرتَ لهم زلّاتٍ وأخطاءً ارتكبوها بحقّكِ، ومن بابِ العشمِ والحبِ كنتَ تغفرُ وتسامحُ، تذكّرْ دائما أنه لن يدفعَ فاتورةَ تعبِك إلاّ أنتَ، فلا تقِفْ مع ناسٍ ما قدّروا وقفاتِكَ معهم وحبَّكَ لهم!

لا أحدَ يدفعُ لكَ فاتورةَ عُمرِك الضائعِ على أمورٍ كان يمكنُ التغاضي عنها، فلا تَقفْ عندَها، وتأخذْ أكبرَ من حجمِها، وأنتَ تفكّرُ فيها! العمرُ لا يستأذِنُ أحداً، “اليوم الّلي بروح ما برجع”، الخطوطُ التي يرسمُها الحزنُ والألمُ، شَكلُها بشعٌ يَظهرُ في ملامحِكَ، وفجأةً تَنظرُ في المِرآةِ؛ فلا تتعرّفُ على نفسِكَ! ملامحُكَ الحلوةُ اختفتْ! وبريقُ عينيكَ انطفأ! ابتسامتُك تحوّلت عبوسٍ؛ عندها تشعرُ أنكَ كبرْتَ.. لكنْ في الحقيقةِ أنتَ ما كبرتَ! لكنّ الحزنَ سكَنَ قلبكَ وتملَّكَكَ، ورسمَ ملامحَه على وجهِكَ.. فكبِرتَ قبل أوانِك، وأنت غريقٌ في ولائكَ لأشخاصٍ لا يستحقّون الولاءَ !.
فاتورةُ تقديرِك لشخصٍ ما قدَّركَ، وما عمِلَ لأجلِكَ شيئاً؛ بحُجّةِ “ما بَقدر.. ما بَعرف..” والأبشعُ أنه يفكّرُ نفسَه عمِلَ لأجلِكَ.. وأنتَ لا تُقدِّرُ ، حتى أنه ما كلّفَ نفسَه مرّةَ لإسعادِك وراحتِك! ما فكّر يوماً في ردِّ الجميلِ والمعروفِ لكَ!
حتى ما تلاقي نفسك ضايعة وتايهة ، وفاقدة الحب والأشياء الحلوة؛ ما تحمّلها فوق طاقتها، وعلى حساب سعادتها، كُفّ عن التضحيةِ من أجلِ غيرِك، ودائماً تذكّرْ ليس هناك أحدٌ أغلى من نفسِكَ.. فالْحَقْ بنفسِك وعُمرِك قبل أنْ تزيدَ فواتيرُك؛ وتعجزَ عن سدادِها، أعطِ لها أولَويةً.. ودلِّلها فهي الأحقُّ بالدلالِ.
حتى تعيشَ لحظاتِ حياتِك مرتاحاً؛ حاوِلْ أنْ تتعاملَ مع المواقفِ على أنها شيءٌ عابرٌ؛ واللهُ يسهّل عليها، تذكّرْ بينَك وبينَ نفسِك؛ ما في شخص يمكنُ أنْ يعطيكَ سَنةً من عُمرِه تعوِّضُ الذي راحَ بسببِه، الّلي بِرُوح ما بِرجَع .