كتاب الثريامدونات الثريا

الحب مش بالمزاج

بقلم: الكاتبة الصحفية أنوار هنية

الحب ليست كلمة عابرة أو حروف مجردة مجتمعة بكلمة “أحبك”، هو ليس مجرد لفظة، هو مشاعر متحركة لا تنتهي ولا تنضب بين شريكي الحياة، بين الأسرة الصغيرة والممتدة، بين الأخوة والأقارب والأصدقاء والمعارف وزملاء العمل.
الحب هو حياة نستشعرها بمواقف متعددة، بتفصيلاتها المختلفة، بابتسامة تشع ضوء يصل شعاعها للطرف الآخر، بكلمة حانية تطبطب على القلب في المواقف الصعبة، بهدية صغيرة ولو كانت زهرة ياسمين يفوح عبيرها تقتطفها لمن تحب ، الحب هو طبق من حبيبات العدس بلونه الذهبي تغلفه بحب لمن تحب ، باتصال قصير ولو كان عبر مسنجر الفيس بوك المجاني)، الحب هو (مج) نسكفي تتشارك فيه مع زميلك في العمل، هو رسالة نصية قصيرة من سطرين تصلك في خضم عملك من والديك يدعمك فيها، الحب أبسط من تلك التعقيدات التي فرضناها على أنفسنا رغما عنا..

الحب هو الشعور الذي يؤسس لعلاقات سوية وصحية في المجتمع تجتمع فيها قيم التفاهم و المشاركة والمساندة و التماس العذر، بعيداً عن المشاعر السلبية من كره و حسد و حقد و تعال و تكبر والكثير من الآفات المجتمعية

هذا الفهم الذي يجب غرسه في الأبناء ليشُّبوا و يشِيبوا عليه، علموا أبناءكم أن الحب ليس مرتبط بالمزاج والهوى، إنما هو مرتبط بالفهم والاحترام، علمومهم أنه لن يكون مُكلِفا إذا خرج من القلب، وأنه يُترجم بالأشياء الرمزية ويصل للطرف الآخر دون تكاليف.

كاتبة المقال : أنوار هنية

علميه أن الحب ليس مرتبط بالإملاءات وهو ليس قرار فَوقي، وعوديه أن يمتلك القدرة على اتخاذ قرار من يحب ومن لا يحب، واغرسي فيه أن الحب غير مرتبط بمصلحة ولا بعلاقات أهلية مفروضة أو علاقات الدم والمعارف والأصحاب والأصدقاء، هو مرتبط برغبة داخلية ذاتية مبنية على الفهم والاحترام و الذوق.
أخبريه أن الحب هو حرية شخصية وليست واجب أو ديكور لشكل العلاقات الاجتماعية أو واجهة تفرضها صلة ما بين الناس، و أنه رغبة داخلية بحتة.
و أعلميه أنه مرتبط بمعاير جميلة اسمها الاحترام والاهتمام و التقدير، اسمها الابتسامة المصاحبة لتعابير الوجه، واهتمام بالتفاصيل الصغيرة و التي قد لا تستدعي أي جهد، لكنها تستدعي هذا الحب.
علموهم أن الحب ليس صفة تُوَرَّث، إذا أنت أحبب فلان فعليهم أن يلبوا نداء السمع والطاعة وإذا كرهت فلان توجَّب عليهم كراهته، و إلا خرجوا عن الصف الوطني، ف(أنتم ليسوا في حزب يستدعي الولاء و البراء و الطاعة العمياء) ، إنما هي مشاعر يستدعيها الذوق العام والاحترام.
والأسرة بمكوناتها الأساسية، – بذلك الشاب الذي قرر الاستقرار وتكوين عائلة وإنشاء بيت جديد بكل متطلباته المادية والمعنوية والاجتماعية والأسرية والنفسية والتربوية، كذلك الفتاة التي قبلت ورضيت بكل ما سبق – إنما هي الجزء الأصيل والأصلي والمكون والحاضن الأساسي لكل ما سيتم غرسه للأبناء و عليه فهم يُورِّثونهم خبراتهم ومعرفتهم ونفسياتهم ومعتقادتهم في نفس أبنائهم.
وبالتالي تصبح المسئولية المُلقى عليهم مسئولية عظيمة وكبيرة بعِظم الأمانة التي ائتُمِنوا عليها و هي (أبناءهم)..
أبناؤكم هم غراس أفكاركم وتوجهاتكم ومعتقداتكم وحياتكم، فأحسنوا اختيار المنهج الذي ستتبعونه معكم، اختاروا بمسئولية تامة لكل ما تودون غرسه فيهم.
ليس بالضرورة أن تنتجوا نسخاً مكررة من صفاتكم بإملاءاتكم، من تحبون و تكرهون، علموهم أن كلٌّ لديه الحرية في الاختيار، اختيار من يحب من خلال تجربته وتعاملاته، باختيار من يحترم، و من لا يرغب به أن يكون من دائرة اهتماماته المقربة…
علموهم أن الحب إن لم يكن مغلفا بالاحترام والتقدير فهو أرجوحة من المشاعر الآنية الوقتية التي قد تذهب بها رياح الحياة بتفصيلاتها المختلفة.
علموهم أن معيار الحب ليس الهوى ولا المزاج إنما هو حب بانتقائية الفطرة السليمة والأخلاق الجميلة فلا تحب فلانا فقط لأن نفسك تميل لذلك أو تكره فلانا لأنه لم يأتِ على هواك و مزاجك، إنما هو تجربة ذاتية ومنطقية وواقعية. الحب أخلاق وتربية ونهج حياة لعلاقات سوية تسهل علينا الحياة، تُجَمِّلها في خضم معتركات و مطبات الحياة.
علموهم أن أنموذج أحب من تحب أمي و يحبه أبي معيار يؤخذ بالحسبان و له قيمة أساسية إذا ما كان على قدر من الفهم و الوعي و المسئولية في ترك الأثر الجميل في الآخرين.
لكن مبدأ (لا أحب عمتي لأن أمي لا تحبها) ولا أحب (خالي لأن والدي لا يحبه)، هو مبدأ مسموم لعلاقات مبتورة تحتاج لترميم وإصلاح كبيرين لسنا مضطرين لوضعها منذ البداية…
علموهم منذ أن يفتحوا عيونهم على الحياة أن يحبوا ويحترموا الجميع و أنه إذا انتفى الحب، فالاحترام واجب و ملزِم وأساس قائم بذاته لشكل العلاقات، فإن لم تحب احترم و تعامل بما يليق بأخلاقك و تربيتك…

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى