الزاوية الأمنية

خيوطُ عنكبوتية تلتفُّ حول الشباب، وتُودي بهم في وحلِ العمالة

ضغطةُ زرٍ كادت تُودي به إلى الهاويةِ

تحقيق: أنوار هنية

تَعدَّدتْ وسائلُ الإعلام الجديدِ، ووسائلُ التواصلِ المجتمعي، وتدخَّلتْ في شتّى التفاصيلِ اليومية،وفي ظل الثورةِ التكنولوجية، ودخولِ الانترنت لكلِّ بيتٍ فلسطيني، لم يتوانَ الاحتلالُ عن استغلالِها؛ لتحقيقِ مصالحِه عبرَ تجنيدِ فتياتٍ لإسقاط الشبابِ في وحلِ العمالةِ؛ من خلال الحساباتِ الوهميةِ، حيثُ كشفتْ إدارة (الفيس بوك) أنَّ زُهاءَ( 67 )مليونَ حسابٍ وهميٍّ على الأقلِّ، بشبكةِ “فيسبوك” الاجتماعية.

أَسدلَ الليلُ ستاره مُعلناً انتهاءَ يومٍ آخرَ من أيامِ حياة ( ن، س) الذي يدرسُ “الآي تي” “تكنولوجيا المعلومات” كان يتصفّحُ مواقعَ التواصل المجتمعي، و يتعرّفُ على آخِر الأخبارِ الخاصة والعامة، وإذا بصفارةِ إشعار (الفيس )تُعلن وصولَ طلبِ صداقةٍ جديد، لم يتركْهُ (ن، س) جانباً؛ بل ضغطَ على زرِ (الماوس) ليفتحَ صفحةَ مُرسلِ طلبِ الصداقة، ثانيةً أو أقلَّ؛ و ظهرتْ صفحةٌ تحملُ صورةَ (بروفايل) لفتاةٍ جميلةٍ؛ تجذبُ كلَّ ناظرٍ لها! بدتْ الصورةُ لشابةٍ عشرينيةٍ، تحملُ عينينِ خضراوينِ، و شعراً أسودَ، يلتفُ على وجهٍ ناعمٍ، يحملُ تفاصيلَ صغيرة، لم يكنْ جمالُها فقط؛ هو ما لفتَ نظرَه؛بل كذلك عُمرُ الصفحةِ المنشَأةِ الذي لا يتجاوزُ ثلاثَ ساعاتٍ كثيراً .

ضغطةُ زِرٍ

ورغم ملاحظتِه لذلك؛ إلاّ أنه لم يُعطِ ذلك أيَ اهتمام، مسكَ (الماوس) في يدهِ اليمنى،  وضغطَ موافِق، ضغطةُ زرٍ واحدةٌ؛ كانت ستدمِّرُ حياتَه، و تُلقي به في الهاويةِ، تلك الضغطةُ التي تَعني قَبولَ طلبِ الصداقةِ لصديقةٍ مجهولةٍ؛ أرادتْ أنْ ترميَ خيوطَها حولَه؛ لكنّ القدرَ كان أسرعَ منها، ولطفَ به. تحدَّثتْ إليه نصاًّ عبرَ المحادثة: كيف حالك ؟ أنا من رام الله؛ أرغبُ بالتعرُّفِ عليك، فأنا أحبُّ أبناءَ غزة كثيراً، وهم يَعنونَ لنا الصمودَ والمقاومةَ.

على ذلك الوتَرِ غنَّتْ الشابّةُ التي تنتحِلُ اسماً وهميّاً، وحساباً وهمياً، ولم يكنْ (ن، س) أقلَّ دهاءً منها في البدايةِ، فسألَها عن بعضِ العائلاتِ هناك في رامَ الله؛ ليتأكّدَ أنها شخصيةٌ حقيقيةٌ، والمفاجأةُ أنها أجابتْ على أسئلتِه!  وقد حالفَها الحظُّ بانقطاعِ التيارِ الكهربائي في بيتِ الشاب، فكان لديها الوقتُ للإجابةِ على أسئلتِه التي وجدَها في المحادَثةِ، بعدَ عودةِ التيارِ الكهربائي.

اطمأنَّ الشابُّ للفتاةِ، ولم يستمعْ إلى تحذيراتِ قلبِه؛ التي واجهَها بالصمتِ، وعادت تلك الجميلةُ إلى المحادثةِ مساءَ اليومِ الثاني، وباتت تسألُه عن دراستِه، وحياتِه و اهتماماتِه، ولم يكنْ لدى (ن، س) مشكلةٌ في إجابةِ تلكَ الأسئلةِ؛ التي يعُدُّها عامةً، وليست سراً! توالتْ المحادثاتُ يوماً بعدَ يومٍ .

كتابٌ مفتوحٌ

بدأتْ دقّاتُ قلبهِ تنتفضُ؛ كلّما وجدَ الزرَّ الأخضرَ بجانبِ اسمِها؛ أضاءَ في صفحتِه، ودونَ أنْ يدري وقعَ في شباكِ حبِّها! ولم يعُدْ النصُّ وحدَه يكفي! فأضحَى الصوتُ ضرورةً مُلِحةً؛ بعدما تقدّمتْ العلاقةُ بينهما، فكان صوتُها ينسابُ على أذُنيهِ، وتتجاذبُ معه أطرافَ الحديثِ، تخوضُ في تفاصيلَ مختلفةٍ؛ سواءٌ تتعلقُ بحياتِه الخاصةِ التي باتت كتاباً مفتوحاً لها، أو على موضوعاتٍ عامةٍ تتعلقُ بالسياسةِ وأوضاعِ البلد.

،،،

وبات أكثرَ انكشافاً؛ حينما أضحتْ الصورةُ حاضرةً في لقاءاتِهم

(الفيسبوكية، وعبر “السكاي بي) لم يكنْ يدري ماذا سيحلُّ به

بعدَ تلك العاصفةِ التي حملتْهُ على الحديثِ الخاصِّ مع فتاةِ (الفيسبوك) الجميلةِ

،،،

وبات أكثرَ انكشافاً؛ حينما أضحتْ الصورةُ حاضرةً في لقاءاتِهم (الفيسبوكية، وعبر “السكاي بي) لم يكنْ يدري ماذا سيحلُّ به بعدَ تلك العاصفةِ التي حملتْهُ على الحديثِ الخاصِّ مع فتاةِ (الفيسبوك) الجميلةِ؛ التي لا تزالُ تشبِكُ خيوطَها حولَ عنُقِه؛ دونَ أنْ يدري، فكلماتُ الحبِّ والشغفِ والهيامِ ترِنُّ في أذُنَيهِ؛ حتى أنسَتْهُ جدولَ محاضراتِه!

أسئلةُ الشاباك

لاحظَ إخوتُه تغيُّبَه عن محاضراتِه بالجامعةِ، وجلوسَه بالساعاتِ، بل بالأيامِ المتواصلةِ أمام شاشةِ (اللابتوب) التي أضحتْ دليلَه إلى معشوقتِه الوهميةِ! وتَطوّرَ الخطابُ إلى العلاقةِ الحميمةِ الخاصةِ؛ التي كانت تسجِّلُها وتحفظُها في ذاكرتِها وفي جهازِها؛ لأنها الطُّعمُ ونقطةُ الضعفِ التي ستستغِلُّه بها، ولم يكنْ يعلمُ أنّ سؤالَها عن العائلاتِ التي تجاوِرُه في الحي؛ سؤالٌ مشبوهٌ! ولم يكنْ يدري أنّ سؤالَه عمَّن يصلّي صلاةَ الفجرِ جماعةً في المسجدِ؛ هو سؤالُ “الشاباك” وجهازُ الشاباك هو جهازُ الأمنِ الداخليّ في “إسرائيل” وهو خاضعٌ مباشرةً لرئيسِ الحكومةِ، ويُدعَى أحياناً بالشين بيت (ش. ب) اختصاراً لاسمِه العِبريّ (شيروتبيتحون كلالي) الذي يعني جهازَ الأمنِ العام.

كما أنّ ذكاءَه المَشهودَ له في عالمِ التكنولوجيا؛ لم ينفعْهُ في التعاملِ مع تجربتِه التي يخوضُها مع “فتاة الشاباك”فكما يقولونَ: “الحبُّ أعمَى وأطرَشُ وأخرسُ ” و لحظاتُ انتباهِ قلبِه التي كانت تُنغِّصُ عليه وقتَه مع فتاتِه؛ لم يدُمْ وقتُها أكثرَ من دقائقَ معدودةٍ؛كان يُسكِتُها بحبّاتٍ من مُسكّناتِ القلبِ التي تُدعَى(أحبُّها وفقط أحبُّها).

ومرّتْ الأيامُ؛ ولم يكنْ يدري أنّ معرفتَه بها استغرقتْ من العُمرِ شهراً! حيثُ فقدَ الإحساسَ بالزمنِ، ولا تزالُ تلك الفتاةُ تلفُّ حبلَ المشنقةِ حولَ رقبتِه، وتضيِّقُها أكثرَ فأكثرَ.
لم تتوقّفْ أسئلتُها التي تسألُها،_كما تُظهِرُ له_ بدافعِ محبَّتِها لأهلِ غزةَ، وعشقِها لمعرفةِ تفاصيلِ حياتِهم، فطلبتْ منه معرفةَ طلابِ الجامعاتِ؛ الذين يقطُنونَ في نفسِ الحيِّ! فهي _كما تقولُ_ تُعِدُّ دراسةً حولَ إقبالِ الشبابِ الغزيينَ على التعليمِ العالي، ولم يفكّرْ كثيراً في الموضوعِ!  فمُعظمُهم أصدقاءٌ له ، ولم تكنْ المعلومةُ صعبةً عليه، وهو يريدُ أنْيخدمَ حبيبتَه الوهميةَ.

فتاةٌ ملائكيةٌ

“لقاءاتٌ فيسبوكية “وأحاديثُ متكرِّرةٌ؛ حصلتْ من خلالِها على المعلوماتِ التي كانت تطلبُها، بطريقتِها الذكيةِ المُدرَّبةِ عليها جيداً من خلالِ عملِها، ولم تبخلْ عليه بصوَرِها وأحاديثِها الليليةِ الدافئةِ؛ التي قلبتْ كيانَه! وأبعدتْهُ عن نهجِ حياتِه المعتادِ! ولم يستيقظْ من تلك الغفلةِ سريعاً.

ولا يتعارضُ الجمالُ والذكاءُ مع الحنانِ والإحساسِ بالآخَرينَ، فإذا كان الموقفُ يتطلّبُ إنفاقَ بعضِ الأموالِ؛ لإظهارِها بالصورةِ الملائكيةِ؛ فلن تتوانَى عن ذلك. فهي مُفعَمةٌ بالحسِّ المُرهَفِ؛ الذي يجعلُها تضيقُ ذرعاً برؤيةِ الفقراءِ والمحتاجينَ؛ دونَ أنْ تُمِدَّ لهم يدَ المساعدةِ، لم تكنْ بحاجةٍ إلى جهدٍ كبيرِ؛ لِحَبْكِ المَشهدِ، فحَبُّه لها وحدَه كان كافياً لإقناعِه، كما أنّ فِعلَ الخيرِ لا يحتاجُ إلى الكثيرِ من التفكيرِ، فهو يسري في عروقِ الشبابِ الغزّي بفِطرتِهم النقيةِ.

وتلك كانت خطوتَها التاليةَ؛ أنْ يُحصي لها عددَ الأُسَرِ ” المستورة “التي لا تجدُ لها مَوردَ رزقٍ ؛ كي تحاولَ مساعدتَهم، وتُمِدَّ لهم يدَ العونِ، ولم يكنْ يعلمُ أنه خيطٌ آخَرُ يلتفُّ أكثرَ فأكثرَ! ولم يكنْ منه إلا أنْ يجمعَ ما يستطيعُ من معلوماتٍ؛ ليُمِدَّها للفتاةِ الملائكية .

جحيمٌ برائحةِ الجنةِ!

توالتْ الأيامُ؛ ويبدو أنّ صبرَ تلكَ الفتاةِ الوهميةِ؛ قد نفِدَ، فقد انتهتْ مرحلةُ التمثيلِ، واختصرتْ فصولَ الحكايةِ لآخِرِ مَشهدٍ… مَشهدٌ قاسٍ استيقظَ عليه ذلك الشابُّ؛ الذي كانت تسيرُ حياتُه بسلاستِها وبساطتِها، مع علاقتِه بأُسرتِه، وبِرِّه والدَيه، و واجتهادِه في جامعتِه، وجلساتِ أصدقائه، والتزامِه بمسجدِه ودروسِه، ومساعدتِه لمن يحتاجُ المساعدةِ، ومحبَّتِه للآخَرينَ، واهتمامِه بهم، وسماحتِه ونُبلهِ ووفائه…

حياةٌ عمرُها عشرونَ عاماً بشتَّى تفاصيلها ..اختزلتْها تلك الفتاةُ بشهرَينِ! غيّرتْ كلَّ تفاصيلِها، وأحالتْها إلى  جحيمٍ برائحةِ الجنةِ !

استيقظَ ذلك الشابُّ على الواقعِ المُرِّ بعدَ شهرَينِ من الغفلةِ، واقعٌ اسمُه (إمّا أنْ تعملَ معنا؛ أو أَنشُرَ كلَّ ما لديَّ) خطَّتْها برسالةٍ ،وأرسلتْها له.

 لم يصدِّقْ عينَيهِ للوهلةِ الأولى! أعادَ قراءتَها عشراتِ المراتِ، رجْفةٌ سَرتْ بجسدِه، هزّتْ كيانَه وعقلَه، فقدَ الإحساسَ بالزمنِ للحظةٍ، واعتقدَ أنه خارجَ إطارِ الحياة، مجموعةٌ من التساؤلاتِ اخترقتْ جدارَ عقلِه الصامتِ، هل هذه الرسالةُ موَجَّهةٌ لي؟ أعمَلُ مع مَن؟! هل كانت تخدَعُني؟! أليستْ هي محبوبتي؟! تنشرُ ماذا ؟! هل كانت تسجِّلُ ما نقولُ؟! وتساؤلٌ هزَّ أركانَه… من هي؟  ماذا تريد؟ ولماذا فعلتْ ذلك؟

تمالَكَ نفسَه قليلاً، وللمرّةِ الألفِ قرأ العبارةَ مجدَّداً، حملَ يدَيهِ المرتعشتَينِ؛ لتتمركزَ على لوحةِ المفاتيحِ، و بدأ يكتبُ، هل تتحدَّثين معي؟ هل هذه العبارةُ موَجَّهةٌ لي؟ كان قلبُه ينبضُ بعنفٍ، بسرعةٍ، وبِشِدّةٍ… ينتظرُ الردَّ، كادت عيناهُ تَخرُجُ من مكانهِما؛ وهو يرى نقاطَ المحادثةِ التي تَعني “جاري الكتابة” ثانيةٌ كان عمرُها سنواتٍ بالنسبةِ له، جاءتْ بعدَها لتؤكِّدَ ما قالتْه في البداية، ( أريدُكَ أنْ تعملَ معنا، لقد انتهتْ القصة)( أعملُ مع من؟) قاطعَها بسرعةٍ جنونيةٍ!! جاءَ ردُّها: “معنا مع إسرائيل” وهل أنتِ إسرائيليةٌ؟ أجابتْهُ بتأكيدِ ما قالَه، و(لكنْ لماذا أنا؟) سألَها بانفعال :”وأجابتْه ببرودٍ :”أنتَ قبِلتَ الصداقةَ… وتجاوبتَ معي!!”.
لم يتابعْ أكثرَ… فقد رمَى كلَّ ما كان بجوارِه، وأسرعَ إليهِ إخوتُه، ماذا دهاك؟ ماذا حلَّ بك؟ لم يكنْ ينطقُ بحرفٍ، وخارَ جسدُه على الكرسيِّ …

كابوسٌ أم حقيقةٌ؟

لم تنتهِ فصولُ الحكايةِ؛ بل بدأتْ مع(ن، س)  عادَ بذاكرتِه إلى الخلفِ… قبلَ شهرينِ منذُ اللحظةِ التي ضغطَ فيها بزِرِّ “الماوس” لقَبولِ طلبِ صداقةٍ من تلكَ المجهولةِ، لم يكنْ يَعلمُ ما سيحلُّ به، فقد استدرجتْهُ إلى مرحلةٍ لم يعُدْ فيها الرجوعُ سهلاً؛ دونَ أنْ يَعلَم رتهِ المضطربةِ، يحاولُ أنْ يستوعبَها،ودموعُه لم تتوقّفْ عن الانهمارِ… ماذا فعلتُ بنفسي .

وأخيراً وبعدَ تفكيرٍ عميقٍ؛ تمالَكَ نفسَه، وبدأ يفكّرُ فيما حلَّ به، وما يجبُ أنْ يفعلَ؟ ولم ينتظرْ أكثرَ؛ حيثُ قرّرَ أخيراً أنْ يبوحَ بما حدثَ معه لأخيهِ الأكبرِ؛ الذي أنهَى دراستَه في مجالِ هندسةِ الاتصالاتِ، والذي لاحظَ التغييرَ الذي طرأَ على أخيهِ منذُ مدّة، لكنّ أخاهُ لم يصارِحْهُ بشيءٍ، ولا يزالُ مَشهدُ انهيارِ أخيهِ حاضرًا في ذِهنهِ، ومنذُ ذلك الوقتِ وهو يُلِحُّ عليه ليُسارِرَه  بما يَحدُثُ معه.

يبدو أنّ إلحاحَ أخيهِ عليه بدأ يؤتي ثمارَه، وبعد تفكيرِه المطوّلِ؛ قرّرَ البوحَ بما يَكتمُه في داخلِه، وسردَ له تفاصيلَ ما حدثَ معه، بدَتْ الصدمةُ على أخيهِ، لكنه تَفهَّمَ و استوعبَ، وكان القرارُ أنْ يذهبَ كلاهما إلى الجهاتِ المختصّةِ، واطلاعِهم على ما حدثَ.

توَجَّها إلى ضابطِ الشرطةِ، ومعهما جهاز “اللابتوب” وتحدَّثا مع الملازمِ؛ الذي استمعَ إلى تفاصيلِ القصة، وقال له الشاب:” صحيحٌ أنني أخطأتُ حينما تركتُ نفسي للشيطانِ، ولتلك الفتاةِ، لكني لستُ عميلاً، ولن أَخونَ وطني”.

 بدا الضابطُ متفهِماً، وطلبَ منه ترْكَ الجهازِ لفحصِه، وطلبَ منه غلْقَ حساباتِه عبر “الفيس بوك” و”السكاي بي”، وتغييرَ شريحتِه، وقام الضابطُ بعملِ الإجراءاتِ اللازمة.

تركتْ تلك التجربةُ خلفَها بصمةً؛ لا يمكنُ مَسحُها في شخصية(ن، س) و ذاكرتِه، فقد أضحى أكثرَ حذراً، قوةً، إيماناً، وصلابةً من ذي قبل.

معلوماتٌ مجّانيةٌ 

أُغلقتْ تلك القصةُ، لكنها فتحتْ لنا مجالَ البحثِ والإجابةِ على  العديدِ من التساؤلاتِ، حول كيفيةِ التعاملِ الآمِنِ مع مواقعِ التواصلِ المجتمعي، الملازم أول “أبو محمود” يؤكّدُ خلالَ مقابلتِه “للثريا” أنّ العدوَّ الصهيوني لا يدَّخرُ جهداً في استغلالِ جميعِ الوسائلِ المتاحةِ؛ لإسقاطِ الشباب، والثورةُ التكنولوجيةُ الهائلةُ التي حدثتْ في السنواتِ القليلةِ السابقةِ؛ تَحمِلُ في طياتِها العديدَ من الفوائدِ، لكنها تَحملُ كذلك العديدَ من الثغراتِ التي توقِعُ الشبابَ والفتياتِ رغماً عنهم.

 وينبِّهُ الملازم أول “أبو محمود” إلى الاستخدامِ غيرِ الآمِنِ لمواقعِ التواصلِ المجتمعي “الفيس بوك” على سبيلِ المثال، ويدعو المستخدِمينَ إلى عدمِ التعاطي مع المعلوماتِ التي يُطلَبُ من مستخدمِ “الفيس بوك” إدخالَها، مِثال: (الاسمُ، العنوانُ، الدراسةُ،  مكانُ السكنِ، رقمُ الهاتف، رقمُ الجوال)فهي معلوماتٌ مجّانيةٌ يُمكنُ استخدامُها واستغلالُها فيما بعد.

ويضيفُ الضابط أبو محمود:” يَتِمُّ استغلالُ هذه المعلوماتِ في أوقاتِ الأزماتِ والعدوانِ؛ بمُجردِ إطلاقِ صاروخٍ؛ يُسرِعُ الجميعُ لنشرِ الخبرِ عبرَ الفيسبوك(سمِعنا صوتَ الصاروخِ؛ كأنه طالع من بيتنا) ويتِمُ تحديدُ الصاروخِ؛ إذا كان مَحليَّاً أو من العدوِّ! مع العلمِ أنّ المستخدِمَ قد وضعَ مكانَ السكنِ ضِمنَ المعلوماتِ الشخصيةِ، وبالتالي يتِمُّ تحديدُ المكان، وبذلك يقدِّمُ معلومةً مجّانيةً للاحتلالِ دونَ وعيٍّ منه .

ولا يقتصرُ الأمرُ على استخدامِ أجهزةِ الحاسوبِ فقط لمواقعِ التواصلِ؛ إنما تمتدُّ إلى الهواتفِ الذكيةِ التي تشكّلُ خطراً آخَرَ،  يبيِّنُ الضابط “أبو محمود” في هذا الصدَدِ؛ أنّ موقعَ “فيس بوك” كشفَ مؤخّراً أنّ لديهِ الآنَ (23،1)  مليارَ مُستخدِمٍ شهرياً! وأنّ( 945 )مليوناً يحصلونَ على خدمةِ “الفيس بوك” عبرَ الهواتفِ الذكيةِ، أو أجهزةِ الكمبيوتر اللوحي، أي ما يقاربُ( %90 ) من مستخدِمينَ مواقعِ “فيس بوك” يستخدمونه من خلالِ الأجهزةِ الذكيةِ، لذلك عملياً، لا نفرِّقُ بينَ مستخدمِ هاتفٍ ذكيٍّ، ومستخدِمِ مواقعِ التواصلِ الاجتماعي.

فريسةٌ سهلةٌ

ويوضّحُ الضابط أبو محمود : ” إنّ عملَ ضابطِ (الشاباك) بشكلٍ أساسٍ ينصَبُّ حولَ نصْبِ شباكٍ بطرُقٍ مختلفةٍ و متعدِّدةٍ حولَ رقبةِ الضحيةِ، والمشكلةُ التي نواجِهُها أنّ بعضَ الشبابِ والفتياتِ؛ يقعونَ فريسةً لتلكَ الشِّباكِ؛ ببساطتِهم وسذاجتِهم في التعاملِ مع مِثلِ هذه الصفحاتِ! وأحياناً كثيرةً بدافعِ الفُضولِ وحُبِّ الاستطلاعِ والمعرفةِ، وأحياناً بدافعِ الفراغ…”
وكشفَ الضابطُ “أبو محمود” الأساليبَ التي يستخدمُها العدوُّ الصهيونيّ في إسقاطِ الشبابِ عبرَ “الفيس بوك” والهواتفِ الذكيةِ، حيثُ يقول:” الفيس بوك، أو مواقعُ التواصلِ الاجتماعيّ بشكلٍ عام؛ هي نسخةٌ عن العالمِ الحقيقي، إلاّ أنه في مواقعِ التواصلِ الاجتماعي؛ يكونُ من السهلِ بمكانٍ انتحالُ شخصيةٍ وهميةٍ، والتواصلُ مع الآخَرينَ، مُبيّناً أنّ العدوَّ الصهيوني هو عدوٌّ ذكيّ، ويحاولُ استغلالَ كلِّ الوسائلِ لتوفيرِ المعلومةِ التي يحتاجُها، ونحن حَربُنا مع العدوِّ هي حربُ معلوماتٍ، ونتيجةً لقِلّةِ معلوماتِ العدوِّ المتوفِرةِ من الميدانِ، فإنّ مواقعَ التواصلِ الاجتماعيّ؛ هي مكانٌ مناسبٌ جدّاَ للإسقاطِ، وتوفيرِ المعلومات”.

أسماءٌ وحساباتٌ وهميةٌ

ومن الأساليبِ التي يستخدمُها العدوُّ_ كما يبيِّنُ “أبو محمود”_ انتحالُ شخصياتٍ معروفةٍ في المجتمعِ، أو شخصياتٍ وهميةٍ، وهو ما نُسمِّيهِ بالهندسةِ الاجتماعيةِ ، فيَدخلُ للشابِّ من مداخلَ معيّنةٍ، وتتطورُ هذه العلاقةُ حتى يتِمَّ الإسقاطُ.

ويضيفُ أبو محمود:” لاحظْنا في الآونةِ الأخيرةِ؛ أنّ العدوَّ ينشئُ صفحاتٍ عامّةً؛ تَحملُ في ظاهرِها الدعمَ للمقاومةِ! وفى باطنِها إسقاطاً للشبابِ؛ بدَعوَى حُبِّهم للمقاومةِ، كما لوحظَ إنشاءُ عدّةِ صفحاتٍ خاصةٍ؛ التي تحملُ أسماءً وهميةً لضباطٍ في الجيشِ الصهيوني، وإرسالُ طلباتِ الصداقةِ للشبابِ الفلسطينيّ، والحديثِ معهم، وهناك طلباتُ صداقةٍ تكونُ لفتياتٍ إسرائيلياتٍ مُهمِّتُهنَّ إسقاطُ الشبابِ الفلسطينيّ، حيثُ يَتِمُ وضعُ صوَرٍ جميلةٍ في “البروفايل” لإغراءِ الشبابِ.

وفي خِضَمِّ هذه الثورةِ التكنولوجيةِ المُستغَلَّةِ من قِبلِ العدوِّ؛ السؤالُ الذي يَطرحُ نفسَه؛ هل بالإمكانِ سَحْْبُ المعلوماتِ أو الصوَرِ أو المِلفاتِ من الهواتفِ وهي مغلَقةٌ؟ سألْنا الضابطَ المختصَّ “أبو محمود” لنعرفَ الإجابةَ فقال:” أعتقدُ أنّ هذه المعلومةَ مُبالَغٌ فيها، ما يحصلُ فِعلاً؛ هو أنّ الأجهزةَ الذكيةَ بشكلٍ عامٍّ، تكونُ موصولةً بشبكةِ “الانترنت” بشكلٍ دَوريّ، وفيها خاصيةُ النسخِ الاحتياطيّ، والتي يتمُّ تفعيلُها تلقائياً”.

واستدركَ أبو محمود:” المعلوماتُ المتوفِرةُ لدَينا؛ أنّ أجهزةَ المخابراتِ في العالمِ؛ لدَيها صلاحياتُ دخولٍ على “سيرفرات” الشركاتِ المصنِّعةِ للهواتفِ الذكية، وخصوصاً الشركاتِ المشهورةَ، وبالتالي معلوماتُ مستخدِمي الهواتفِ الذكيةِ متوفِرةٌ لهم، بما فيها قوائمُ الأصدقاءِ، الرسائلُ، وغيرُه.

إرشاداتٌ  مُهِمّةٌ

وأخيراً وجّهَ الضابطُ “أبو محمود” رسائلَ عِدّة؛ مخاطباً الشبابَ والفتياتِ في ظلِّ هذا العالمِ التكنولوجي المتسارعِ، قائلاً:” أولاً وثانياً وثالثاً وأخيراً؛ مشكلةُ كلِّ شابٍّ هي وقتُ الفراغِ، أنا أنصحُ كلَّ شابٍّ لدَيهِ وقتُ فراغٍ؛ أنْ يستثمِرَه في نشاطٍ مُعيَّن، في الرياضةِ، في عملِ أشياءٍ مفيدةٍ، المُهمُّ أنْ لا ينزلِقَ لاستغلالِ هذا الوقتِ في ما يُغضِبُ اللهَ “عزَّ وجلَّ”  فيكون وبالاً عليه.

،،،

الضابطُ “أبو محمود”

العملُ المقاومُ ليس مَحِلَّه شبكاتُ التواصلِ،

والمجاهدون يعملون ويجنّدون على الأرضِ، وليس عبر الانترنت

،،،

وينصحُ مستخدِمَ مواقعِ التواصلِ الاجتماعيّ، أو الهواتفِ الذكيةِ؛ بالتمتعِ بقدْرٍ من الذكاءِ، فلا يتمُّ قَبولُ أيِّ طلبِ صداقةٍ؛ إلاّ إذا كان يعرفُ صاحبَ طلبِ الصداقةِ ، وهناك طلباتٌ صادقةٌ؛ يكونُ عمرُها الزمنيّ لا يتجاوزُ الساعةَ أو الساعتينِ، باسمٍ مجهولٍ أو مستعارٍ؛ وعلى المستخدِمِ عدمُ التعاملِ معها، كذلك يتمُّ إرسالُ روابطَ و رسائلَ منها (أوَدُّ التعرُّفَ عليكَ، أو قرأتُ “بروفايلك” وأريدُ التعاملَ معك) يجبُ تَجاهلُها.

ويشدّدُ الضابط “أبو محمود” على ضرورةِ عدمِ نشرِ صورٍ شخصيةٍ أو خاصةٍ، و عدمِ إدراجِ الهاتفِ و المعلوماتِ الشخصيةِ عنه، وعدمِ إعطاءِ العدوِّ معلوماتٍ مجانيةً؛ خصوصاً في أوقاتِ العدوانِ (لا صاروخ طالع من عنا، و لا جاي من عندهم) ويجبُ الحذرُ من الفضولِ الزائدِ؛ الذي يدفعُ إلى التهلُكةِ .

ويوجّهُ الضابطُ “أبو محمود” نصيحتَه للشبابِ المقاومِ، حيث يقول:” العملُ المقاومُ ليس مَحِلَّه شبكاتُ التواصلِ، والمجاهدون يعملون ويجنّدون على الأرضِ، وليس عبر الانترنت، وفي جميعِ الأحيانِ من يقومُ بالتجنيدِ؛ هم أشخاصٌ معروفون في مناطقِهم، وليسوا مجهولين على الفيس بوك”، منوِّها :” الفيس بوك وسيلةُ تواصُلٍ ليس أكثرَ من ذلك، ولا تثِقْ بأيِّ شيءٍ يأتي للعملِ معها عبرَه”.

،،،

الضابطُ “أبو محمود

أيُّ جهةٍ تطلبُ منك جمْعَ معلوماتٍ عن أشخاصٍ أو جماعاتٍ

بأيِّ حجةٍ؛هي جهةٌ مشبوهةٌ، “فكُنْ حذِراً ودقيقاً في التعامل معها”.

،،،

و يؤكّدُ الضابطُ “أبو محمود”: أيُّ جهةٍ تطلبُ منك جمْعَ معلوماتٍ عن أشخاصٍ أو جماعاتٍ بأيِّ حجةٍ؛ هي جهةٌ مشبوهةٌ، “فكُنْ حذِراً ودقيقاً في التعامل معها”.
ويرشدُ الضابطُ أبو محمود :”إذا حدثَ مع المستخدمِ أيَّ شيءٍ من ذلك، وارتبطَ بأحدٍ يدّعي أنه من المقاومةِ عبرَ مواقعِ التواصلِ الاجتماعي؛ فعليهِ مراجعةَ نفسِه، وقطْعَ الاتصالِ به، وإبلاغَ الجهاتِ الأمنيةِ عنه”.

وخلاصةُ القولِ؛ فإنّ المحتلَّ لا ينفكُّ عن نصْبِ شباكِه المتعددةِ حولَ الفلسطينيين،  مستغِلاً أيَّ ثغرةٍ، أو أيَّ نقطةِ ضعفٍ، وقد تضعُفُ النفسُ لسببٍ أو لآخَرَ، لكنّ هذا ليس مبرِّراً أبداً، أنْ يخونَ الإنسانُ وطنَه، فكنْ حذراً في تعاملاتكَ؛ خصوصاً مع التكنولوجيا الحديثةِ بجميعِ أصنافِها، وإذا وقعتَ في أيِّ شرَكِ منهم_ لسببٍ أو لآخَرَ _فإنّ مقراتِ الشرطةِ معروفةٌ للجميعِ، ومَن لدَيهِ أيُّ شكوى، أو إشكاليةٍ؛ بإمكانِه التوجُّه لأخذِ النصيحةِ المناسبةِ، ومصلحةُ الوطنِ  مقدَّمةٌ على كلِّ المصالحِ الأُخرى.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى