كتاب الثريامدونات الثريا

طُلِّي بالأبيضِ طُلِّي يا زهرةَ العامِ

بقلم: الكاتبة أنوار هنية

طُلِّي بالأبيضِ يا زهرةَ العامِ، فأنتِ لستِ زهرةَ شهرٍ واحدٍ من الشهورِ؛ أنتِ الأميرةُ في مملكةِ بيتِك الذي لَطالما حلمتِ به، ورسمتِ تفاصيلَه في مخيّلتِك مع فتَى أحلامِك؛ الذي لن يأتيَكِ مُطلَقاً على فرسِه الأبيضِ كما في الأفلامِ و الرواياتِ؛ التي وجدتْ لها مكاناً في كثيرٍ من البيوتِ والعقول، فليس لدَى أيِّ شابٍّ فلسطينيٍّ حصانٌ أبيضُ و لا أحمرُ و لا أخضرُ، الكثيرُ منهم لا يَملكُ سِوى عِلمِه؛ الذي تجرّعَ كأسَ المُرِّ ليتحصّلَ عليه؛ بل وكانت رسومُ الجامعةِ أَولَى من “طبخةِ اليومِ” لعائلتِه!، فسياسةُ الحصارِ والتجويعِ لقطاعِ غزةَ؛ والتي يتَّبِعُها الاحتلالُ ومَن تَعاونَ معه؛ كفيلةٌ لأنْ تجعلَ الحياةَ في غزةَ أشبَهَ بمن يحفرُ الصخرِ.

هو واقعٌ يعيشُه الغزيّونَ باختلافِ طبقاتِهم وشرائحِهم، لا يمكنُ تَجاهُلُه، وإذا حصلَ الشابُّ على فرصةِ عملٍ فهو؛ كَمَن حصلَ على (وثيقةٍ كنديةٍ)؛ والتي يُصنَّفُ حاملُها بالـ(vip)، في أيِّ مكانٍ يحلُّ به، ويجعلُ التفكيرَ بالزواجِ أسهلَ ممّن أخذَ شهادتَه الجامعيةَ؛ وعلّقَها ببروازٍ على جدارِ غرفتِه؛ لتكونَ فرصتُه للحياةِ أيسَرَ.

جميع الفتياتِ جزءٌ لا يتجزّأُ من هذا المجتمعِ، وزهرةُ العامِ سيكونُ نصيبُها هذا الشابَّ الذي يكابدُ ليَجمعَ المهرَ، دينارَ دينارَ، إذا لم يكنْ ذَوُوه في حالةٍ ميسورةٍ تُمكِّنُهم من إنفاقِ خمسةَ عشرَ ألفَ دولارٍ، أو ما يَدورُ حولَها؛ وهي ما بينَ المهرِ وتكاليفِ الزواجِ، أو إذا كانت مساعدتُهم بالحدِّ الأدنَى له، وفقاً لظروفِ الحياةِ الغزيةِ التي فرضَها الاحتلالُ، وظروفُ غزةَ السياسية..

و أولُ ما يواجِهُ الزواجَ هو الاختلافُ؛ رغم انه سُنّةً كونيةً؛ فالأخوة الذين يعيشونَ في ذاتِ البيتِ، يختلفونَ في صفاتِهم وأفكارِهم.. فكيف بغزةِ العِزّةِ التي جمعتْ (الغزاوي والمجدلاوي و اليافاوي و البدرساوي و الديراوي والرملاوي).. إلخ ، جمعتْ غزةُ على ثراها كلَّ الفلسطينيينَ على اختلافِ مُدُنِهم وقراهُم التي هُجِّروا منها عامَ ثمانيةٍ و أربعينَ؛ فاحتضنتْهم وكانت أُمّاً رَؤوماً لهم، تقبّلتْ اختلافَهم.. ونسجتْ بينَهم حروفَ الوُدِّ والوصلِ، و تداخلتْ العائلاتُ ببعضِها، و قرّبَ النَّسبُ و الزواجُ بينهم، و اختفتْ الكثيرُ من الاختلافاتِ، و ذابتْ بينَ الأجيالِ الجديدةِ التي ألغتْ الحدودَ فيما بينها.

غزةُ هي حاضنةُ اللهجاتِ والثقافاتِ والأفكارِ والمعتقداتِ والموروثاتِ الثقافيةِ المختلفةِ؛ التي صنعتْ أُنموذَجا فريداً في اختلافِها، وشكّلتْ بألوانِ طيفِها مِحوَراً عنيداً عَصيَّاً على الانكسارِ أمامَ أقوَى ترسانةٍ عسكريةٍ، ولم تَركعْ مع الراكعينَ من الدولِ العربيةِ للمحتلِّ .. بل هي شوكةٌ في حَلقِه؛ و ستَبقى حتى تحريرِ كاملِ أرضها .

وعودةً إلى ” زهرةِ العامِ ” في مجتمعِنا؛ التي يقع على عاتقعا الكثير فعليها أن تتحلَّى بالكثيرِ من الواقعيةِ، و تتجمّلُ بالعدلِ والإنصافِ، و عليها أنْ تَعيَ ما يدورُ حولَها، و تستندَ عليه في قرارِها المَصيريِّ حولَ فارسِ أحلامِها، وأنْ تختارَ شريكَ الحياةِ المناسبَ، فهي الخطوةُ الأُولى التي ستَبني عليها كثيراً من القراراتِ ، والتي إمّا أنْ تُسَهِلَ _بفِطرتِها وحُسنِ تصرُّفِها_ حياتَها مع شريكِ عُمرِها؛ و إمّا أنْ ترسمَ مستقبلَها بِدُيونٍ لا طائل لها..
ففارسُ الأحلامِ لن يمتلكَ (الفيلّا و الجيبَ)، ولن تكونَ عيناهُ زرقاوَينِ.. بل ستَحمِلُ ملامِحُه خارطةَ الوطنِ المحتلِّ، و بَشرتَه التي غيّرتْها أشعةُ الشمسِ، وتركتْ آثارَها على الشبابِ الغزيّينَ الذين يعملونَ ليلَ نهارَ لتكوينِ مستقبلِهم..

ولِنكونَ أكثرَ واقعيةً.. فالقليلُ منهم من يمتلكُ سكناً مُستقِلّاً؛ و غالباً ما يكونُ بالإيجارِ، ومع أنصافِ الرواتبِ أضحَى حتى البيتُ المُستأجَرُ يجعلُ الاختيارَ الأكثرَ منطقيةً وواقعيةً بالغالبِ؛ هي “الموَظَّفة”..وإن لم تكن كذلك فسيكون العبء و المسئولية أكثر وقعا.

سيقع على الشريكين ترتيب تفاصيل الزواج و تسديد التزاماتهم ، و تكوينُ بيتِهم بِشَتّى تفاصيلِه؛ ابتداءً من يومِ التقبيضةِ للمَهرِ؛ مروراً بحفلةِ الإشهارِ والهدايا التي تنزعِجُ كثيرٌ من الفتياتِ و أمهاتُهنَّ؛ إذا لم تكنْ مُغلّفةً بأحدثِ التغليفاتِ.

وحفلةِ الشبابِ التي أضحتْ صالةً متنقِلةً من أضواءٍ و زينةٍ وكمالياتٍ تحتاجُ لأَشْهُر للسدادِ؛ لأنها “فرحة العمر” و حِنة العروسِ، و “تعليقِ الجهازِ و ما يُرافِقُه من مغالاةٍ واضحةٍ وبَهرَجةٍ لا تَنفكُّ عن المحاكاةِ للواقعِ و الأصدقاءِ و الأقرباء، أمّا “البَدْلة” فلَها حكايةٌ مختلفةٌ؛ إمّا أنْ تكونَ هي أولَ من يَلبسُها؛ وهذا يعني أنها ستكونُ بِسعرٍ خياليٍّ يفوقُ أحياناً ال(3000 )شيقل، وهناك من يتجاوزُه بكثيرٍ، ولن تَقبلَ الفتاةُ و أمُّها بأقلَّ من ذلك، و إذا قبِلتْ يكونُ على مَضَضٍ مُكرَهينَ ومُتذَمِّرينَ!، وأمّا صالةُ الفرحِ؛ فيجبُ أنْ تكونَ في أفخمِ الصالاتِ، فكيف “لابن جاري”، أو ابن” أخي” أنْ يكونَ فرَحُه في الصالةِ “الفلانية “، وابني في الصالةِ “العلانية”، و أمّا الأثاثُ فالقليلُ منه يعني مبلغاً محترَماً؛ سيكونُ عِبئاً أمامَ قائمةِ التزاماتِ الفرحِ.

انتهتْ مراسمُ الزواجِ؛ ولم تَنتهِ الحكايةُ.. فبَعدَ تلكَ التفاصيلِ “لائحةُ ديونٍ سَلبتْ الراحةَ من العريسِ الذي أولُ شيءٍ سيَميلُ عليه هو “الذهبُ”؛ بعدَ المطالَباتِ الماليةِ التي ستنهالُ عليه، و أمّا تدَخُلُ الأهلِ فسيزيدُ الأمرَ صعوبةً؛ لتضحَى الحياةُ أشبَهَ بكابوسٍ لِكِلا العروسينِ، وفي الغالبِ تكونُ النهايةُ كارثيةً، و في بعضِ الأحيانِ تقفُ الزوجةُ يداً بِيَدٍ بجانبِ زوجِها؛ تُسانِدُه وتؤازِرُه، وترضَى بالقليلِ.. لا تأبَهُ لآراءٍ و لا لنصائحَ لا تَمُتُّ لحياتِها بِصِلةٍ؛ فتكونُ خيرَ السنَدِ والمُعينِ لزوجِها؛ الذي يَحفظُ وقوفَها بجانبِه، فيتغلَّبانِ معاً على مَلمّاتِ الحياةِ، ويضعُ اللهُ البركةَ و التوفيقَ لهما.

كلُّ ما سبقَ من معطياتٍ يَجعلُكِ كأميرةٍ تنتظرُ فارسَ أحلامِها، مختلفةً ، باختلافِ غزةَ عن بقيةِ العالمِ، تأخذينَ كثيراً من صفاتِها في الشجاعةِ و المُروءةِ و الدفاعِ المستميتِ عن حياةٍ كريمةٍ، وتُذلِّلُ الصعابَ أمامَ شريكِ حياتِها. إذا كُنا أمامَ هذا الواقعِ؛ فلماذا لا نختصرُ الكثيرَ من التفاصيلِ المُبهرَجةِ؛ كي تمشي سفينةُ الحياةِ بدونِ لائحةٍ تُثقِلُ كاهلَ بطَلَيِ الحكايةِ. في جلسةٍ هادئةٍ بينَ كليهِما قبلَ الزواجِ؛ يضعانِ فيها نُصبِ أعينهِما ماذا نملكُ؟ و كيف سنتصرفُ وِفقَ ما نملكُ؟ وفي حالِ الاستدانةِ، ما هي آليةُ السدادِ؟ عندَها سيَجدُ كلاهُما نفسَيهِما أمامَ جملةٍ من القراراتِ التي تصبُّ في خانةٍ واحدةٍ: أريدُ فرحةَ العمرِ؛ وليس فرحةَ شهرٍ؛ ثُم تنقلبُ إلى ترحةٍ أمامَ الالتزاماتِ المتراكمةِ.

هي دعوةٌ للمُقبِلينَ على الزواجِ؛ أنْ يختاروا حياتَهم بعنايةٍ، ويحدِّدوا مصيرَ مستقبلِهم وشكلَه المتوَقَعَ، وهي دعوةٌ لأولياءِ الأمورِ؛ أنّ فرحةَ اليومِ لا تَعني اتخاذَ القراراتِ العشوائيةِ التي لن يستطيعَ أحدٌ تَحمُّلَ نتائجِها، والفرحةُ لا تعني المُحاكاةَ للغيرِ، والتقليدَ والبهرجةَ، والتفاصيلَ التي قتلتْ الفرحةَ الحقيقةَ في قلوبِ الزوجينِ والأهلِ مع أولِ دفعاتٍ ماليةٍ قادمةٍ.

وهي دعوةٌ للفتياتِ (كُوني أكثرَ عقلانيةً وواقعيةً في التعاملِ مع الزواجِ، وكوني سنداً لشريكِ حياتِكِ، فالزواجُ ليس بدلةً وكوشةً وذهباً، إنه مسئوليةٌ مشترَكةٌ، و حياةٌ تحتاجُ إلى البذْلِ و العطاءِ من كلا الجانبينِ)، و للأُمهاتِ (كوني سنداً لابنتِكِ، قوِّميها وعدِّليها، و يَسِّري على الشبابِ، فكما أنك أمٌّ للفتاةِ؛ فأنتِ في يومٍ آخَرَ أمٌّ للشبابِ.. فيَسِّروا و لا تُعسِّروا …

و دعوةٌ للشابِ: لا تُقبلْ على خطوةٍ، و أنتَ لا تَعلمُ كُنَهَ ما ينتظرُك، و الفتاةُ ليست تجربةً لظروفِكَ، إمّا تستطيعُ أو لا تستطيعُ ، هو قرارٌ يحتاجُ لدراسةٍ و لخطواتٍ جدّيةٍ.

وهي دعوةٌ لأنْ نختصرَ الكثيرَ من التفاصيلِ؛ لنَبدوَ أكثرَ واقعيةً في الاختيارِ وفي الحياةِ التي تُناسبُنا ونُناسبُها بعيداً عن الشكلياتِ التي ستكونُ يوماً ما سبباً لهدمِ ما تمَّ بناؤه؛ إذا لم يُحسنوا التصرّفَ.
إلى المُلتقي في قضيةٍ أخرى تشكِّلُ وعيّاً، و تصوِّبُ بوصلةً نحوَ مجتمعٍ متماسك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى