العقار أثبت وأحفظ

ما حكم بيع العقار من بيت وأرض بنية التجارة بجزء من ثمنه؟
أجاب عن التساؤل الشيخ عبد الباري خلة
الحمد لله وكفى، وسلام على عباده الذين اصطفى، وبعد:
فعَنْ سَعِيدِ بْنِ حُرَيْثٍ أَخٍ لِعَمْرِو بْنِ حُرَيْثٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {مَنْ بَاعَ دَارًا أَوْ عَقَارًا فَلَمْ يَجْعَلْ ثَمَنَهَا فِي مِثْلِهِ كَانَ قَمِنًا أَنْ لَا يُبَارَكَ لَهُ فِيهِ} رواه أحمد بسند حسن.
والمعنى أن من باع داره أو أرضه فعليه أن يشتري بثمنها مثلها، أي: دارا أخرى وإن لم يشتر دارا بعد أن باع داره كان حقيقا ألا يبارك له فيه.
وقوله: قَمِنًا أي: جديرا، وخليقا ومن فتح الميم جعله مصدرا ومن كسرها جعله وصفا، وهو الأقرب.
فإن كان محتاجا إلى هذه الدار لسكنى أهله فلا يجوز بيعها إلا إذا كان يريد أن يشتري غيرها.
فإذا كانت حاجته إليه ثمَّ باعه، وجعل ثمنه في تجارة فلا يبارك الله له في هذه التجارة، قال المناوي: «لأنَّ الإنسان يُطلب منه أن يكون له آثار في الأرض فلمَّا محى أثره ببيعها رغبة في ثمنها جوزي بفواته».
وعن يَعْلَى بْنَ سُهَيْلٍ مَرَّ بِعِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ، فَقَالَ لَهُ: يَا يَعْلَى، أَلَمْ أُنَبَّأْ أَنَّكَ بِعْتَ دَارَكَ بِمِائَةِ أَلْفٍ؟ قَالَ: بَلَى قَدْ بِعْتُهَا بِمِائَةِ أَلْفٍ، قَالَ: فَإِنِّى سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: “مَنْ بَاعَ عُقْدَةَ مَالٍ، سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْهَا تَالِفًا يُتْلِفُهَا. رواه أحمد بسند ضعيف
وفي شرح سنن ابن ماجه: يعني أن بيع الأرض والدور وصرف ثمنها في المنقولات غير مستحب لأنها كثيرة المنافع قليلة الآفة لا يسرقها سارق ولا يلحقها غارة، ذكره الطيبي.
وقال المناوي في فيض القدير: لأنها ثمن الدنيا المذمومة، وقد خلق الله الأرض وجعلها مسكنا لعباده، وخلق الثقلين ليعبدوه، وجعل ما على الأرض زينة لهم: لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً {الكهف: 7} فصارت فتنة لهم: إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ {هود: 119}، فعصمه وصارت سببا للمعاصي فنزعت البركة منها، فإذا بيعت وجعل ثمنها متجرا لم يبارك له في ثمنها، ولأنه خلاف تدبيره تعالى في جعل الأرض مهادا. وأما إذا جعل ثمنها في مثلها فقد أبقى الأمر على تدبيره الذي هيأه له فيناله من البركة التي بارك فيها، فالبركة مقرونة بتدبيره تعالى لخلقه.
والخلاصة أنه لا ينبغي للإنسان أن يبيع عقاره ليستبدله بمال حتى لا يفنى هذا المال فالعقار أثبت وأحفظ إلا إذا استغنى عنه واحتاج إليه لسداد دين أو وضعه في تجارة. والله أعلى وأعلم.