كتاب الثريامدونات الثريا

قراءة في الدعم الأمريكي لكيان الاحتلال على الصعيد الدولي

كتب: إياد خالد الشوربجي

شكَّلَت الولايات المتحدة على الدوام؛ غطاءً بالغ الأهمية بالنسبة لإسرائيل في المجال الدولي, وسنداً لها أمام المحافل الدولية, وكانت خير ممثلٍ وداعمٍ لها في مختلف المناسبات والساحات. وكانت أمريكا على الدوام متحمسة للدفاع عن (إسرائيل) بشتى الوسائل والطرق, بل كانت أحياناً أشد اندفاعاً للدفاع عن (إسرائيل) من (إسرائيل) نفسها. وقليلة هي المرات التي شهدت تناقضاً أو تبايناً في المواقف بين الطرفين, ناتج على الأرجح عن اختلاف الرؤى أو الأولويات, أو تضارب المصالح الجزئية, تبعاً لطبيعة القيادة الحاكمة وتوجهاتها السياسية في كلا الدولتين.

غير أن هذه التباينات لم ترقَ في يوم من الأيام إلى مستوى التناقض الاستراتيجي, وبقيت عبر مختلف المراحل وفي ظل شتى المتغيرات والمنعطفات؛ تباينات تكتيكية؛ لها علاقة بالتفاصيل والأدوات أكثر منها بالثوابت والاستراتيجيات. ويمكن استعراض أهم المواقف والسياسات التي تبنتها الولايات المتحدة دفاعاً عن (إسرائيل) وتأييداً لها على المستوى الدولي, كما يلي:

  1. تعطيل تنفيذ القرارات الدولية المتعلقة بالقضية الفلسطينية, مثل قرار التقسيم 181, وقراري 242 و 338, وكذلك قرار 194 الخاص بعودة اللاجئين, وإحباط معظم القرارات التي تمس بإسرائيل من خلال استخدام حق النقض الفيتو. فالولايات المتحدة كرست الفيتو بشكل كبير لحماية (إسرائيل) من أية قرارات دولية ملزمة. فمنذ إنشاء الأمم المتحدة استخدمت الولايات المتحدة الفيتو 79 مرة, منها 41 مرة لحماية (إسرائيل), و33 مرة ضد الفلسطينيين. ومن أمثلة ذلك؛ تعطيل الولايات المتحدة لمشروع القرار رقم (240/2004/S) بتاريخ 24/3/2004 الذي يدين اغتيال (إسرائيل) للشيخ أحمد ياسين, حيث وافق على مشروع القرار 11 دولة. وامتنعت 3 دول عن التصويت, في حين أن الدولة الوحيدة التي عارضته هي الولايات المتحدة. كما استخدمت أمريكا حق النقض الفيتو في عهد أوباما في فبراير 2011 ضد مشروع قرار يدين الاستيطان الإسرائيلي, بينما وافق عليه بقية الأعضاء. وقليلة هي المرات التي اضطرت الولايات المتحدة حفاظاً على صورتها, لتمرير بعض القرارات التي تدين (إسرائيل) أو توجه اللوم لها, أو تدعوها لوقف عدوانها, كما حصل عندما امتنعت أمريكا عن التصويت لتمرير القرار 1860 لسنة 2009 والذي يدعو للوقف الفوري لإطلاق النار والانسحاب الإسرائيلي من غزة, إبان عدوان 2008. في المقابل فإن الولايات المتحدة توجه الإدانة المستمرة لأي أعمال مقاومة ضد (إسرائيل), على الرغم من أن القوانين والمواثيق الدولية أقرت وكفلت حق المقاومة للشعوب الواقعة تحت الاحتلال, وعلى الرغم من أن الشرعية الدولية تعتبر الوجود الإسرائيلي في حدود 1967 احتلالاً.
  2. إطلاق يد (إسرائيل) في حملاتها العسكرية وعدوانها على العرب, والتغطية على جرائمها واعتداءاتها المتكررة, كما حصل ضد لبنان عام 2006, وضد غزة في الأعوام 2008, و2012, و2014، و2021. وكذلك الحصار المضروب على غزة, كل ذلك جرى بتأييد ومباركة أمريكية.
  3. منع المحاكمات الدولية لمجرمي الحرب الصهاينة, وإحباط أي محاولة لملاحقة (إسرائيل) قضائياً من قبل المنظمات الدولية. فقد انتقدت الولايات المتحدة مهمة لجنة غولدستون عام 2009 واعتبرتها منحازة, وعبرت عن قلقها إزاء بعض التوصيات التي وردت في تقرير غولدستون.
  4. التعطيل الأمريكي الدائم لجهود السلطة الفلسطينية باللجوء للمنظمات الدولية من أجل الحصول على الاستقلال, ورفض أي خطوات أحادية من قبل السلطة, لأن الوجهة الصحيحة – حسب وجهة النظر الأمريكية – هي فقط عبر التفاوض مع (إسرائيل), بدعوى أن مثل هذ التحركات تعيق تحقيق السلام! فقد أفشلت الولايات المتحدة عام 2011 المبادرة الفلسطينية الهادفة لجعل فلسطين دولة عضو في الأمم المتحدة, وقد عادت السلطة للمحاولة في العام 2012 فحصلت على دولة غير عضو.
  5. تمثل العلاقة مع (إسرائيل) بوابة مهمة لعبور كثير من دول العالم الثالث إلى واشنطن, سيما في الشرق الأوسط. حيث تستفيد (إسرائيل) بشكل كبير من هذه الميزة السياسية والدبلوماسية, مستغلة حاجة الدول النامية لنسج علاقات مع الولايات المتحدة كدولة عظمى, تمنح الدعم والمساندة والحماية لحلفائها وأصدقائها. كما أن سياسة الاحتماء قد تُلجئ بعض الأنظمة الفاقدة للشرعية لتطبيع علاقاتها مع (إسرائيل), مثلما فعلت موريتانيا في نهاية التسعينات من القرن الماضي, بعدما ساءت علاقاتها بفرنسا، وكذلك هرولة العديد من الأنظمة باتجاه التطبيع لامتصاص غضب وابتزاز ترامب ومواجهة انتفاضات الشعوب العربية.
  6. استخدام الدعم المالي الأمريكي المقدم للشعب الفلسطيني أو للمنظمات الدولية أداه للضغط على هذه الجهات من خلال وقفه أو خفضه أو التهديد بذلك, بغية تمرير أو وقف سياسات معينة بما يتماشى مع الرؤية الأمريكية. فقد امتنعت الولايات المتحدة عن تقديم التبرعات لمنظمة اليونسكو, عقاباً لها لاعترافها بفلسطين دولة بعضوية كاملة في المنظمة. كما مارست الولايات المتحدة ضغطاً مالياً كبيراً على الأونروا في عهد إدارة ترامب, ما اضطرها إلى تخفيض خدماتها المقدمة للاجئين الفلسطينيين, في محاولة لإنهاء ملف اللاجئين الذي يعتبر أحد ثوابت القضية الفلسطينية, وذلك ضمن المساعي الأمريكية بفرض ما يُسمى صفقة القرن.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى