لا تسمعوا لهؤلاء …

كتبه : د. وائل الزرد داعية إسلامي
وُجِد -للأسف- فئة من الناس بيننا سُكِنوا باليأس والإحباط وأصبحوا لا يحتملون سماع أي كلام عن الأمل والاستبشار بما هو قادم، ويعتقدون أنه ما من زمنٍ إلا والذي يليه شرٌّ منه، وقد واجهنا خلال مسيرتنا الدعوة بعضًا من هؤلاء، ممن غزاهم القنوط حتى قال بعضهم لي: أتريدون أن تُزيلوا دولة “إسرائيل” من الوجود وهم يتحكمون في الهواء الذي تتنفسون، والطعام الذي تأكلون والماء الذي تشربون! هذا واللهِ لا يكون.
هكذا بكل خمولٍ وعجزٍ يقرر أننا لا ولا نقوى على هذه الدولة التي أخبرنا القرآن أنها دولة مُتَبَّرِةٌ، لا بقاء لها إلى قيام الساعة ولا خلود لها أبد الدهر، فقد ولدت لتموت لا لتبقى، ويحلو لهذا الفريق من الناس أن يذكر ما عند العدو من قوة وعدة وعتاد، وأننا لا نملك عشر معشار ما عندهم وأن العالم كله معهم وأن الدول المحيطة لن ترضى بمشروع التحرير ولن تقبل التعامل معنا، ويحلو لهذا الفريق أن يسلط الضوء على سلبيات المجتمع وأخطاء الناس، ليخلص في النهاية بأننا بهذه الكفتين لا يمكن أن يكتب لنا الغلبة ولا يمكن أن يتنزل علينا النصر من السماء!
ولا يقف الأمر عند هذا الحد؛ بل يذهب هذا الفريق من الناس إلا بعض الآيات ليلوي عنقها وبعض الأحاديث ليحرف معناها، ليتوافق هذا كله مع خموله وعجزه وكسله، فيذهب يبرر عجزه ويأسه بقوله سبحانه مثلًا: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} ويذهب ليستدل بما رواه أبو ثعلبة الخشني عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “… حَتَّى إِذَا رَأَيْتَ شُحًّا مُطَاعًا، وَهَوًى مُتَّبَعًا، وَدُنْيَا مُؤْثَرَةً، وَإِعْجَابَ كُلِّ ذِي رَأْيٍ بِرَأْيِهِ، وَرَأَيْتَ أَمْرًا لَا يَدَانِ لَكَ بِهِ، فَعَلَيْكَ خُوَيْصَّةَ نَفْسِكَ، وَدَعْ أَمْرَ الْعَوَامِّ” رواه ابن ماجه: 4014 إلى غير ذلك من الأحاديث التي يفهمونها على غير مرادها، والتي تناسب أفرادًا ممن وُصفوا بالضعف والفردية، ويتناسى هذا الفريق عن قصدٍ وعمدٍ يناسب عجزه وإحباطه؛ يتناسى الآيات والأحاديث الآمرة بوجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والقاضية بوجوب تغير المنكر والعمل على إزالته، والمُوجبة العمل لدين الله حتى يظهر أو نموت دون ذلك.
إنَّ هذا الصنف من الناس والذي أُطلق عليه تاريخيًا عدة أسماء من مثل: “المُثَبِّطِين، المُرجِفِين، المُخَذِّلِين، المُخَوَّفِين، المُيَئّْسين، المُحبِطِين، المُقَنِّطِين” مثل هؤلاء يريدون منا: أن نُنَكِّسَ الرَّايةَ وأنْ نُسقِطَ العلمَ وأن نُسَلِّم البندقيةَ، وأنْ نَشحذَ السكينَ ثمَّ نُعطي رقابَنَا لذَابِحينا ونقولُ: تفضلوا اذْبَحُونَا دُونَ أنْ تُسمُّوا عَلَينا أو تُكبرُوا…
أقول: إنَّ هذا الصنفَ من الناس لا يُسمع لهم، ولا يُؤخذ برأيهم، [وَلاَ يَجُوزُ لِلأْميرِ أَنْ يَسْتَصْحِبَ مَعَهُ إِلَى الْجِهَادِ مُرْجِفًا، لأنه يَحْرُمُ تَخْذِيلُ الْمُجَاهِدِينَ عَنِ الْجِهَادِ بِأَيِّ وَسِيلَةٍ حَصَل مِنْ قَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ، قَال اللَّهُ تَعَالَى فِي ذَمِّ الْمُخَذِّلِينَ: {قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنْكُمْ وَالْقَائِلِينَ لإِِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا وَلاَ يَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلاَّ قَلِيلاً} وَقَد بَلَغَ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّ نَاسًا مِنَ الْمُنَافِقِينَ يُثَبِّطُونَ النَّاسَ عَنْهُ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ، فَبَعَثَ إِلَيْهِمْ طَلْحَةَ بْنَ عُبَيْدِ اللَّهِ فِي نَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِهِ، وَأَمَرَهُمْ أَنْ يُحَرِّقُوا عَلَيْهِمُ الْبَيْتَ، فَفَعَل طَلْحَةُ ذَلِكَ”، وَيَذْكُرُ الْفُقَهَاءُ أَنَّ عَلَى الإْمَامِ إِذَا سَارَ بِالْمُسْلِمِينَ لِلْجِهَادِ أَنْ يَمْنَعَ خُرُوجَ الْمُخَذِّلِينَ عَنِ الْجِهَادِ، وَالْمُرْجِفِينَ الَّذِينَ يُحَدِّثُونَ بِقُوَّةِ الْكُفَّارِ وَضَعْفِنَا] الموسوعة الفقهية الكويتية.
ونحن إزاء كل ما يلقى على مسامعنا في القنوات الفضائية والإذاعات المحلية والجرائد والمجلات وصفحات التواصل نقول وبكل يقين:
والله لَنْ نُنَكِّسَ الرَّايةَ ولنْ نُسقِطَ العلمَ ولَنْ نُسَلِّمَ البندقيةَ، وسَنَبقَى نَحفُر فِي الصَّخرِ ونَقبِضُ علَى الجَمْرِ، وسَنَظلُّ نَسبَحُ ضِدَّ المَوجِ ونُعَاكِسَ التَّيارَ حَتَّى يَأذنَ اللهُ لنَا بِالنَّصْرِ المُبِيْن.
ملاحظة: أنصح بقراءة مقال “لا حاجة لنا بالمتفائلين