عمارة وديكور

حسن فتحي .. معماري الفقراء وفيلسوف العمارة

الميادين نت بتصرف

حسن فتحي الملقب بمهندس الفقراء، وصاحب فلسفة العمارة العربية المراعية للبيئة والأرض، ولد المهندس حسن في الثالث والعشرين من آذار مارس 1900 في مدينة الإسكندرية، لأسرة أرستقراطية. وفي سن الثمانية انتقل إلى القاهرة، حيث سكن مع أسرته في منطقة حلوان، وكان يهوى الرسم، مما أهله لدخول مدرسة المهندسخانة لدراسة العمارة، والتي تخرج فيها عام 1926.

عاش فتحي حياة رغدة وسهلة، لذلك عندما رأى الفلاحين صُدِم بفقرهم وسوء حالهم، فوهب نفسه لمساعدتهم وأراد أن ينشئ منازل إنسانية لفلاحي النيل. لذا يمكن القول إن قوته تكمن في أفكاره وليست في المباني التي قام بتصميمها، حيث لم يقدم طيلة حياته العامرة إلا ثلاثين مشروعاً من أشهرها “قرية القرنة”، ولم يكن يمل من حث المهندسين المعماريين على إعطاء البعد الإنساني في المقام الأول عند وضع التصميمات، إن هم أرادوا لمنجزاتهم العمرانية أن يُكتَب لها البقاء والصمود.

وكان أول معماري من العالم النامي يحصل على جائزة أغا خان للعمارة عام 1980 والميدالية الذهبية للاتحاد الدولي للمعماريين في باريس عام 1984،. ما زال صدى فكر حسن فتحي ومشاريعه العمرانية تتردد في الآفاق، لطالما طالب بحق الفقراء في مسكن آدمي، فطالب بضرورة عودة التراث المعماري والعربي الأصيل إلى مكانته الصحيحة، والتخلي عن ذلك التقليد الأعمى للعمارة الغربية التي قد لا تناسب البيئة العربية في بعض حالاتها.

بنى حسن فتحي بيوتاً بالطوب اللبن، وسقفها بقباب صبغها بجمال معماري بديع، فلم يصممها كمهندس يهتم بحساباته العلمية ومعاييره الهندسية في المتانة والتصميم وحسب، لكنه طعّمها بروح فنان يرتبط ببيئته ويعشقها، ليضع لمساته الفنية الجمالية على المباني لتتجاوب مع البيئة المحيطة، بتكلفة اقتصادية بسيطة. ولم يكن البحث عن الأشكال المحلية مبعثه رغبة عاطفية للاحتفاظ ببعض من تذكار القرى القديمة، وإنما استعادة الإرث.

وكان المهندس فتحي يرى أن استخدام مواد عالية التقنية، مثل قوالب الخرسانة المسلحة والحوائط الزجاجية، جرياً وراء التحديث، قد أدى بنا إلى كارثة مادية وإنسانية، ولقد نما في فكر حسن فتحي استخدام الطوب اللبن والطين في البناء؛ بناء على شواهد أثبتت قوة ومتانة هذه الخامة في البناء. فبعد بحوث علمية أجراها على النمط ذاته من المباني التاريخية، التي تعود لأكثر من 2500 عام، استنتج قوة خاماتها وتناسب تصاميمها.

يقول فتحي عن فلسفته في بناء القباب: “حينما انتقل العرب إلى مرحلة الاستقرار، بادروا بإسقاط فلسفتهم في استعارات معمارية، تعكس رؤيتهم للكون، وهكذا ظهرت السماء كقبة تدعمها أربعة أعمدة.. هذا المفهوم الذي يعطي قيمة رمزية للبيت كتصغير للكون”. لكن المنتقدين كانوا يستشهدون في نقدهم لهذا الأسلوب في البناء ببيوت الفلاحين المبنية بالطوب اللبن، والتي قد يصيبها العطن والظلام. ولكن بعد دراسته لتلك البيوت وجد فتحي أن العطن والظلام ليسا راجعين لكونها من الطين، بل يرجعان إلى الطريقة العشوائية التي يبني بها الفلاح بيته من دون مرشد، بعد أن انقطع عن تراثه. كما أن العلوم المعمارية لم تقدم حلولاً ترشده في بناء بيته في حدود اقتصادياتة وإمكانات بيئته، ولم يدرك الفلاح المصري الفقير بخبراته البسيطة، أن يتغلب على مشكلة سقف منزله المبني بالطوب اللبن. فكان إما أن يضع على سقفه خوصاً، ما يتسبب في إحداث مشكلات كثيرة، أو يترك السقف عارياً.

إن “العمارة المستدامة” هي روح تعاليم حسن فتحي وهي تعني أن تبني منزلاً من الطبيعة باليد مستفيداً من الطوب واللبن والتراب من دون استيراد مواد مصنعة من اسمنت وغيرها. وطبيعة عمارة فتحي تراعي معدل البرد في الشتاء ومعدل الحرارة في الصيف فتعفي المواطن من التبريد ومصاريفه الباهظة. فهو يفرض أن يكون اتجاه المنزل جنوبياً –غربياً مع مراعاة ضرورة وجود فناء أمام المنزل بشرط أن يكون هذان الاتجاهان المذكوران مسوّرين بكل أنواع الشجر ليخفف حرارة الشمس في العصر ولتخفيف البرد في الشتاء، ومن أكثر مقولاته شهرتاً: “أنا كمهندس‏،‏ طالما أملك القدرة والوسيلة لإراحة الناس، فإن الله لن يغفر لي مطلقاً أن أرفع درجة الحرارة داخل البيت ‏17‏ درجة مئوية”.

كان فتحي مهندس الفقراء لا يبحث عن رجال أعمال أغنياء ليصمم لهم قصوراً ومباني فخمة، بل كان يبحث عن هذا الفقير الذي قال عنه: “العميل الذي يعنيني هو من تمثله الإحصائيات التي تشير إلى أن هناك 800 مليون من البشر في العالم الثالث يموتون موتاً مبكراً بسبب الإسكان المشوّه غير الصحي .. هذا هو العميل الذي على المعماري الاهتمام به ولكنه لا يفعل .. إن الأمر يشبه الطبيب حافي القدمين في الصين .. إن هؤلاء يحتاجون إلى معماري حافي القدمين”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى