رِفقًا بِقُرَّاءِ القُرآن …

كتب : د. وائل الزرد داعية إسلامي .
نعم والله، رفقًا بقُرَّاء القرآن، فإنهم يجوبون مساجد قطاع غزة كلها، إمامةً بالمصلين، وقراءةً للقرآن، ويفعلون كل هذا مجانًا، لا يجنون من وراء ذلك درهمًا ولا دينارًا، وهم بلا شك بهذا الفعل كانوا سببًا في نشر جماليات القرآن الكريم، فازداد الناس إلى الله قربًا بسماع أصواتهم، واقترب الناس من الآخرة والعمل الصالح أكثر بعذوبة وجمال تلاوتهم، فجزاهم اللهُ جميعًا خيرَ الجزاء.
وقد أنعمَ اللهُ علينا في قطاع غزة بثلةٍ كريمةٍ من شباب المساجد، ممَّن حازوا على دورات عليا في أحكام التلاوة والتجويد، وبعضهم تجاوز هذا بتأهيل السند في قراءة القرآن، حتى وصل بعضهم إلى إتقان القراءات العشر للقرآن الكريم، ولا يزال هؤلاء القُرَّاء يتقدمون يومًا بعد يوم، ولا يَمَلُّون من تنقلهم بين المساجد، ولا يكِلُّون من إحياء كل المناسبات وفي كل الأماكن والأزمان.
غير أنَّ هؤلاء الإخوة القُراء بشرٌ كالبشر، ليسوا من حديدٍ، بحيث لا مشاعر عندهم ولا أحاسيس، هم بشرٌ لهم همومهم الخاصة وقضاياهم الذاتية، لهم مشاكلهم الحياتية وأعباؤهم الأسرية، يعانون مثلما يعاني الناس، ويتعبون مثلما يتعب الناس، ويضيقُ صدرُهم ويتكدرُ مزاجُهم ويشوشُ فكرُهم، لأنهم باختصار: ليسوا ملائكة مكرمين، ولا أنبياء مرسلين.

وما سبق يجعلهم أحيانًا يعتذرون -وربما لا يقوون على الاعتذار- لهذا المسجد أو تلك المؤسسة، ويتسبب هذا بلا شك لأصحاب النشاط بحرج شديد، ولكن بالله عليكم: كيف يمكن أن يقف إمامًا مَنْ تراكمت عليه الديون؟ كيف يمكن أن يفتتح الاحتفال بقراءة شيء من القرآن مَنْ لا يقوى على دفع إيجار البيت؟ كيف يمكن أن يُمتِّع المستمعين بالآيات مَنْ لا يقدر على شراء علاج له أو لأهل بيته؟ كيف يمكن أن يصلي بالناس في التهجد مَنْ لا يجدُ عملًا أو وظيفةً تَسُدُّ رَمقَ حياتِه، وتذهبُ ظَمأَ دَنياه؟
فيا أيها الكرام: رِفقًا بِقُرَّاءِ القُرآن، فلا تثربوا عليهم إن اعتذروا لكم عن موعدٍ مضطرين، ولا تسيئوا الظن بهم إن لم يعتذروا لكم عن موعد -أيضًا- مضطرين، فلا يعلم بحال الناس إلا الله ربُّ العالمين، وإياكم من اتهامِهم بما لا يليقُ بحالِ حاملي القرآن الكريم، ولا تذبحوهم بسيف عدمِ الثقة، ولا تُحمِّلوهم ما لا يطيقون، واقبلوا منهمُ اعتذارَهم، وأقيلوا لهم عثراتِهم، بل وأعينوهم بقوة يرحمكم الله.
ولستُ أتكلمُ عمَّن شيمتُه الاعتذار، والخُلفُ في المواعيد، فمثلُ هذا الصِّنفِ ليسوا مِنَ القُرَّاء، بل مِنْ طائفةٍ أخرى…