مصيبة : “لَا تُعَمَّم”

كتب : د. وائل الزرد داعية إسلامي
كلمَّا ظهرَت معصيةٌ هنا أو معصية هناك، انطلقَ بعضُ الإخوة ليقول: [لا تُعمِّم، فهي لا تعدو حوادث وما وصلت لحد الظاهرة، إنما هي حالات فردية] وبهذه الكلمات يريد صاحبُها أن ينتهي النقاش، فلا مجال لأمر بالمعروف ولا نهي عن المنكر، إذ الأمر لا يستدعي جلبة المشايخ، ولا ثورة الشباب، يريد منا أن نغمض عيوننا عن هذه المعصية، وهذا المنكر، بهذه الحجة الداحضة، وما علينا إلا أن ننتظر حتى تصبح المعصية ظاهرةً، والحالات الفردية مظهرًا مجتمعيًّا.
إنّ مما استقرَّ في فطَرِ الناس أنَّ النارَ مِن مُستصغر الشرر، وأنَّ المنكرات تبدأ بالصغائر وتنتهي بالكبائر، وأنَّ الميلَ عن الحقِّ يبدأ بخطوة وينتهي بَلا رجعة، فهل يريدُ منا بعضُ إخواننا أن نصلَ إلى الهاوية، بأن نسكت لندع السفينة تغرق، فنهلك جميعُنا {وَٱتَّقُواْ فِتْنَةً لَّا تُصِيبَنَّ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَآصَّةً}.
إنَّ الله -سبحانه- لا يُحابِي أحدًا، ولا نسبَ بينهُ وبينَ أحدٍ من خلقه، ويومَ أن ذهبَ نبيٌّ كريمٌ مغاضبًا، ظانًّا أنَّ اللهَ لن يُثربَ عليه فعلَه، لامَه الله وعاتبَه، حينَ تركَ قومَه دونَ إذنٍ منْ ربه، ولم يصبرْ كمَا صبرَ أولُو العَزمِ منَ الرُّسل، فكانَ عاقبتُه {فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ} ولولا تسبيحُه وهو بطنِ الحُوت لنبُذ بالعَراء، غيرَ أنَّ اللهَ تداركَه برحمتِه فنجَّاه {لَوْلَا أَنْ تَدَارَكَهُ نِعْمَةٌ مِنْ رَبِّهِ لَنُبِذَ بِالْعَرَاءِ وَهُوَ مَذْمُومٌ.
ولقد قرأنا كلُّنا قصة غزوة أحد، واستقر في أذهاننا جميعًا أن معصيةً واحدةً -كُبرى- للصحابة رضي الله عنهم، كان سببًا في عدم تحقيق النصر للمسلمين، مع أن الجيش يقوده رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي الجيش خيرة الصحابة: أبو بكرٍ وعمر، وغيرهم من الصحابة الكبار، وكل هذا لم يشفع لهم، حيت تنكبوا طريق النصر، ولم يلتزموا بالأوامر النبوية، فما بالنا نحن اليوم وبعض إخواننا -هداهم الله- يهوِّنون من ارتكاب بعض الناس للمعاصي وجهرهم بها، ويقولون: “لَا تُضخِّموا الأَمْرَ، فَمَا كثُر الخَبثُ، ونَحْنُ بِخَيرٍ وبِألْفِ خَيرْ”.
إنَّ المبادرةَ للنهيِّ عنِ المُنكرِ -حينَ يظهر- بلْ والسعيَّ كيلَا يُوجد المُنكرُ منْ أصلِه، مهمةُ أولِي الأمْر، إذْ بِهم تعَلَّقَت مَسؤوليةُ الشُّعوب، ومَا علَى العُلماء إلا التَّحذِير مِن المُنكَرات قبلَ وُقوعِها، والنهيُّ عنهَا حينَ وقوعِها، وتذكيرُ مَن تَصلُ إليهِم كلمتُهم بأنْ يتقوا اللهَ فِي شعبِهم، ولا يَكونُوا سببًا في إِذهَابِ دِماءِ الشُّهداءِ هَدرًا..