بل، أنت الخليفة

كتب: د. وائل الزرد داعية إسلامي
يُقدم بعضُ الكرام لهذا القائد أو غيره، عبارة لتكون له تكأةً، ويظنها حجة، فيقول له: أنت لستَ الخليفة وفي طياتِ هذه العبارة كلامٌ مفاده: أنت لستَ الخليفة، فليسَ مطلوبًا منكَ العملُ على إقامةٍ الصلاة ولا إيتاءِ الزكاة، فأنت لستَ مُمَكنًا، فلا بحرَ ولا برَّ ولا أرضَ معك! هكذا يزينون له، أنه ليس مسؤولًا عن تغييرِ المنكر، وليس مطلوبًا منه إقرارُ المعروف، فهو ليس خليفةَ المسلمين، ولا أميرَ المؤمنين، وهو بالكاد ناظمٌ لإدارةِ البلد، وفقَ ما يُتاحُ لهُ من موارد!

ويأخذ صاحبُ القرار أريكته، ويتكأ عليها ويقول بينه وبين نفسه وربما أعلنها: (إذًا لا عليَّ، فأنا لست الخليفة ولا الأمير) ويظن أنه بهذا قد انتهى الأمر، وما عاد عليه مسؤولية في معروف يُؤمر به، ولا منكرٍ يُنهى عنه، وليترك الناس وشأنهم، وينسى ما رواه البخاري في صحيحه: 893 أنَّ نبيَّنا -صلى الله عليه وسلم- قال: “كُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، الإِمَامُ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ”، وقد قُدم هذا الرجل لرعاية مصالح الناس في الدنيا والآخرة، فما السياسة الشرعية -عندنا- إلا حراسةُ لـــ “لدينِ النَّاس” وإقرارٌ لأوامره، وسياسة لـــ “دُنيا النَّاس” وِفق ما يجلب لهم المصلحة ويدرأ عنهم المفسدة.
ونحن ندرك هنا أن هذا المسؤول أو غيره، بناء على الواقع المُعاش لن يقوَ على تغير بعض المنكرات، في لمح البصر -مثل بنوك الربا-، ولكنه قطعًا يقوى على تغير بعض المنكرات في شرطة قلم، نعم في شرطة قلم -مثل عدم السماح بإدخال صورة النساء العارية على الملابس الداخلية-، ونحن نؤمن كذلك بالتدرج في تغير المنكر، وبأننا تحت احتلال والأولوية لتراكم القوة والتحرير، وكذلك نحن تحت حصار من سنوات طوال، ومع ذلك لا يمكن بحال أن يُقبل تزايد المنكرات بحجة: فتح المجال أمام الحريات العامة، إذ من الذي قال أن الحريات العامة ليس لها أبواب مغلقة، ومن الذي قال أن الحريات العامة مفتوحة أبوابها في كل العالم؟
لا تستقيمُ الحياةُ إلا بِالمَنع، ففي الجنة كان لآدم عليه السلام منعٌ من الأكل من الشجرة، ولو ترك المجال للناس ليفعلوا ما يشاؤون، فلن يقفوا عند حدٍّ معين، خاصة أنَّ الذين يتبعون الشهوات يريدون أن نَميلَ ميلًا عظيمًا، وذلكَ باتباعِ خطواتِ الشيطان، فما في الحياة كلها شيء اسمه: حرية مطلقة، لأنها باختصار: مفسدة مطلقة، فما لم نأخذ على أيدي المُبتدئين للشرر، فإن النار عما قريب ستأكلنا جميعًا، وما لم نأخذ على أيدي السفهاء، فإن السفينة ستغرب لا محالة.
وأَخيرًا أقولُ وأَجْرِي عَلَى الله: يظنُّ مالكُ القرار الجزئي أنَّ الأمرَ انتهى، وأنَّ ذمتَه قد بَرِأت، وأنَّ تبعةَ المسؤولية لن تُلاحقه، فقد أفتاهُ المُفتون، وأعذرَه المُتعلمون، وهنا يقال: إنْ نَصحُوك فَقدْ غَشُّوكَ، وإنْ قَالُوا لكَ فقَد كَذبُوكَ، ويومَ القِيامَة لَن يَنفعُوكَ فَأنتَ المَسؤُول، والنَّاسُ لكَ تَبَعٌ، والقَرارُ اليَومَ بِيدكَ، وإمَّا لَكَ أوْ علَيك.