دين ودنيا

الشَّبَك أوْلَى مِنَ السَّمَك

كتبه د. وائل الزرد داعية إسلامي

سمعتُ مثل هذه العبارة كثيرًا [علِّمني الصَّيدَ وأَعطِني الشَّبكَ، وانظُر كَيفَ سَأصِيدُ السَّمكَ] ويُقال بأنَّ مصدر هذا المثل #الصين، ولست مكترثًا بمصدر العبارة وإنما بصدقها وصحتها، إذ “الحكمةُ ضالةُ المُؤمن، أنَّى وجَدَها فهُوَ أحَقُّ النِّاس بِهَا”، وبصراحة وصدقٍ أقول: إن ما يقوم به المشتغلون بالعمل الخيري؛ سواء المؤسسات الرسمية أو الشعبية أو المراكز الشبابية، أو الأنشطة الفردية، في #غزة تحديدًا، أمرٌ عظيم جدًّا، وجهدٌ جبارٌ، بدأ من سنوات طوال، وهو يزداد يومًا بعد يوم، ويكثر بشكل لافتٍ للنظر، ولكن .

أكثر من 90 % من هذا العمل الخيري، نستطيع أن نطلق عليه عملًا إغاثيًّا، فهو يدور حول قضاء حاجات الناس الآنية، مثل: دفع إيجار منازل، سداد ديون صيدليات أو بقالات، توزيع طرود غذائية أو سلات خضار، تسليم نظارات طبية أو عمل تحاليل علاجية، تقديم مساعدات مالية للأرامل، والمطلقات، والأيتام، ونساء الشهداء، والمتطوعين في المساجد، إلى غير ذلك من مشاريع خيرية بصفةٍ إغاثية، تنقضي بيومها وليس لها نصيب من دوام ولا ذكرى، غير أنها تقضي للمحتاج حاجته، وتُذهب عنه شيئًا من همِّه.

وهذا عملٌ خيريٌّ يُؤجرُ عليه صاحبُه بلا شك، ويُثاب عليه فاعلُه بلا ريب، ولكن تكمن المشكلة في توقف العمل الخيري على مثل هذه الأنشطة الإغاثية وحسب، دون نظر إلى غيرها، مما يُساهم أصلًا في حل مشكلة الفقر من جذرها، ويجعل يدَ المحتاجين عُليا بدلًا من بقائها سُفلى، ولو نظرنا في السنة النبوية سنجد أحاديث صحيحة، تدعم وتشجع مساعدة المحتاجين للخروج من “دائرة الحاجة”، وتسعى لإخراج المُعوزين من “مستنقع العِوَز”.

فقد جاء في صحيح مسلم وغيره، عن أنس بن مالك أن رجلاً من الأنصار أتى النبي يسأله، فقال : “أَمَا فِي بَيْتِكَ شَيْءٌ؟” قال: بلى، حِلْس؛ نلبس بعضَه، ونبسُط بعضَه، وقَعْب نشربُ فيه من الماء. قال: “ائْتِنِي بِهِمَا”. قال: فأتاه بهما، فأخذهما رسول الله بيده، وقال: “مَنْ يَشْتَرِي هَذَيْنِ؟” قال رجل: أنا آخذهما بدرهم. قال: “مَنْ يَزِيدُ عَلَى دِرْهَمٍ؟” مرَّتين أو ثلاثًا، قال رجل: أنا آخذهما بدرهمين. فأعطاهما إيَّاه وأخذ الدرهمين، فأعطاهما الأنصاري، وقال: “اشْتَرِ بِأَحَدِهِمَا طَعَامًا، فَانْبذْهُ إِلَى أَهْلِكَ، وَاشْتَرِ بِالآخَرِ قَدُومًا فَأْتِنِي بِهِ”. فأتاه به، فشدَّ فيه رسول الله عودًا بيده، ثم قال له: “اذْهَبْ فَاحْتَطِبْ وَبِعْ، وَلا أَرَيَنَّكَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا”.

وييسر له سبيلًا لذلك، ويأخذ بيده قبل أن يُلقي به في معترك سوق العمل، وهذا هو المطلوب اليوم وبشدة في غزة وغيرها، فالعمل الإغاثي يذهب أدراج الرياح مع أول نسمة هواء، غير أن تعليم الناس الحِرف، وتيسير المِهن للشباب، ودعم المشاريع الصغيرة، ورعاية الكفاءات الشبابية وغيرها، كل هذا يجعل المجتمع مُنتجًا لا مستهلِكًا، متصدِّقًا لا سائلًا، مُنفقًا لا شحَّاذًّا.

فعلى كل الراغبين في إنهاء حالة الحاجة والفقر من المجتمع، من حكومة، ومؤسسات مدنية، ومراكز شبابية، ومتبرعين وأصحاب أموال، لهؤلاء جميعًا: أنفقوا أموالَكم ووجِّهوها لتعليم وتمكين الشباب من المشاريع الصغيرة -المهنية التطبيقية- فإنَّ رجلًا واحدًا في بنجلادش واسمه: محمد يونس، استطاع أن يُنشأ بنكًا للفقراء، لدعمهم -وبدون كفلاء- في مشاريعهم الصغيرة، وبدأ بامرأة صاحبة مشروع واحد، كان طلبها أقل من 10 دولارات، حتى أضحى عدد العاملين في فروع البنك أكثر من 25.000 موظفًا، وعدد المستفيدين من الفقراء أصحاب المشاريع الصغيرة بمئات الآلاف، وأصحبت ميزانية البنك بالملايين، حتى إن حكومة بنجلادش استدانت منه مرات عدة.

وأخيرًا أختم بما أُوثر عن الإمام علي بن أبي طالب -رضي الله عنه-:
لحمل الصخر على قمم الجبال أحبُّ إليَّ مِن مِننِ الرجال
يقولُ الناسُ في الكسبِ عارٌ قلت: العارُ في ذُلِّ السؤال

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى