يوم قُصِفَت “تل أبيب”

كتب : إبراهيم مسلم
شكّلت معركة “حجارة السِّجّيل” عام 2012م تحولاً دراماتيكيّاً في أداء المقاومة وجرأتها، وهي تتّخذُ قراراً حاسماً يقضي بضرب عاصمة الكيان الصهيوني، يوم أقدم الاحتلال على العدوان المباغت على غزة واغتيال قائد أركان المقاومة، ومهندس صفقة “وفاء الأحرار”، أحمد الجعبري.
تلك المعركة مفصليّة في إدارة الصراع العسكري مع الكيان الصهيوني، فلأول مرة في تاريخ المقاومة الفلسطينية يتم قصف “تل أبيب” بالصواريخ.
لم تكن عملية اغتيال القائد الكبير أحمد الجعبري سوى إشباع الاحتلال رغبةَ انتقامه ممن أذلّ طغيانه، وفضح هشاشة بنيانه. وكيف لا؟ وهو من أقسم، لحظةَ الإفراج عنه من سجون الاحتلال، ألّا يغمض له جفن راحةٍ قبل أن يرى الأسرى أحراراً. وقد برّ بقَسَمه أيّما بِرّ، فصفقة “وفاء الأحرار” كانت من أنصع صفحات العزّ والفخار الفلسطينيَّين، وهي التي كانت صفقة تَحرَّرَت فيها ثلّة كريمة من أبطال شعبنا الفلسطيني.
وهي، إلى جانب ذلك، مثّلت انتصاراً أمنياً واستخبارياً ومعنوياً، ترك في الاحتلال أثراً عميقاً، وصدمة لا يزال يتردّد صداها حتى يومنا هذا.
إنّ معركة “حجارة السِّجّيل”، بالرغم من قصر مدتها التي لم تتجاوز سبعَ ليالٍ وثمانيةَ أيام حُسوماً، فإنّ العالم رأى جنود العدو الصهيوني فيها صرعى كأنَّهم أعجازُ نخلٍ خاوية. فأسطورة الجيش الصهيوني قهرتها المقاومة، وأنهت نظرية الجيش الذي لا يُهزَم، وضربت منظومته الأمنيّة في قلب عاصمته، وبزغ نجم المقاتل الفلسطيني الشرس، والذي يمتلك الكفاءة والقدرة على الرد على العدو، لتكون نهاية المعركة بإلزام العدو بوقف عدوانه بعد أن تلقّى درساً كان له ما بعده.
تعود الذاكرة إلى قبل ثلاثين عاماً، وبعد يومٍ واحدٍ مِن بدء “التحالف الدولي”، بقيادة أميركا، عدوانَه الجويّ على العاصمة العراقية بغداد. يومها، أقدم الرئيس العراقي صدام حسين على ضرب الكيان الصهيوني و”تل أبيب” بتسعة وثلاثين صاروخاً، تاركاً الصاروخ الأربعين لِمَن بعده، ومتسائلاً في تصريح له: مَن سيُطلق الصاروخ الأربعين؟ في إشارة إلى الأنظمة العربية، وفي استهزاء واضح بها، وبزعمائها الذين لم يحرّكوا ساكناً إلى يومنا هذا.
لكنّ المقاومة الفلسطينية اليوم، وهي تخوض معركة التحرير، تُراكم من قوتها العسكرية، وتُطوِّر ترسانتها الحربيّة. وتتمكن، بعقول فلسطينية في ظل الحصار العسكري والشامل، مِن قصف “تل أبيب”، وفرض حظر التجوال على الكيان الصهيوني، في معاركها الحاسمة.
فها هي، في إبّان معركة “سيف القدس” خلال العام الجاري، ألفين وواحد وعشرين، تضرب الكيان الصهيوني في غضون أيام معدودة بآلاف الصواريخ، وتقصف “تل أبيب” بالعشرات منها، في لحظة واحدة.
لقد صنعت المقاومة معادلة عسكرية، مفادها أنّ قصف “تل أبيب” أهونُ عليها مِن شربة ماء، بل إن غزةَ جعلت “تلَّ أبيب” “مَلَطّةً” لصواريخها.
إنَّهُ القلب الحديدي للمقاومة، وما خَفِيَ أعظم.