التوفيق عزيز …

كتب الدكتور: وائل الزرد داعية إسلامي
يوجد في القرآن الكريم ألفاظ لم ترد -بمعناها- إلا مرة واحدة، وقد أبدع الدكتور بلال السامرائي بجمع هذه الألفاظ في مؤلف واحد، وأسماه: “الألفاظ التي وردت مرة واحدة في القرآن الكريم” وقد وصلتني نسخة من الكتاب بعد مشقة، والحمد لله.
ومن هذه الألفاظ التي وردت في القرآن الكريم مرة واحدة، وقد لفت ذلك انتباهي، قوله سبحانه وتعالى {ومَا تَوفِيقِي إلَّا بِالله} والمعنى المراد مما سبق: التوفيق، ومن عجبٍ أن اللفظة {توفيقي} لم ترد في القرآن إلا مرة واحدة بمعناها المراد وهو التوفيق، وهذا يدل على ندرة التوفيق وعزته، وهذه اللفظة لم ترد في الكتاب الذي ذكرته قبل قليل للأسف.
قال ابنُ القيّم رحمه الله: “أجمعَ العَارِفون بِاللهِ أنَّ التوفيقَ هو أنْ لا يَكِلَكَ اللهُ إلى نفسِك، وأنَّ الخذلانَ هُو أنْ يُخْلِيَ بينَكَ وبينَ نَفسِكَ”.
التوفيق: يعني أن يَصطَفيَكُ اللهُ لنفسهِ، ويصطَنعكَ علَى عَينهِ، ويَختارَك مَن بَينِ خَلقِه، أن تَجدَ نفسَكَ مُيسرًا لليُسرَى، وأن تَجدَ للعَملِ الصَّالحِ حَلاوةً تَذوقُ طَعمهَا بِقلبِك ولسَانِك.
التوفيق: أن يتولَّى اللهُ أمرَك، وألا يكِلكَ لنفسِك طَرفةَ عينٍ، أن يُخرِجكَ اللهُ من حَولِك وقُوتكَ إلى حولِه وقوتِه، أن يَجعلَ مُرادَك مُرادَه، وهَواكَ فِي مَرضاتِه.
التوفيق: عزيزٌ ونادِر، لا يُعطى إلا لقِلةٍ منَ البَشر، يمنُّ اللهُ بهِ على من يشاءُ من عبادِه، فالمٌوفقُ من وفَّقَه الله، والمخذول من وكَلَهُ الله لنفسه، وأيُّ سماء تظلُّنا وأيُّ أرضٍ تٌقلُّنا إن تركنا الله لأنفسنا دون توفيق، إذًا والله لنعطشنَّ في صحراء العذوبة، ولنجوعنَّ في أرض الخصب، ولنعرينَّ في غُرف الكِساء، إذِ التوفيقُ من الأمور التي لا تُطْلَبُ إلا من الله، لأنه لا يقدر عليه إلا هو، فمن طلب التوفيقَ من غيره فهو محروم.
وما أجمل أن يشهد لك رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ب التوفيق، وقد ثبت هذا في صحح مسلم، حين جاءه أعرابيٌّ وأمسك بخطام ناقته، وسأل قائلًا: “يا رسول الله أخبرني بما يقربني من الجنة، وما يباعدني من النار، قال: فكف النبي ﷺ، ثم نظر في أصحابه، ثم قال: “لَقَد وُفِّق”، وأعظِم بها من شهادة على أن الرجل موفقٌ، فقد جاء يسأل عمَّا يقربه من الجنة ويُباعده من النار.
فيَا أخِي: إن أردتَ أن تكون من هؤلاء الموفقين، فأنصحك بأن تنشغل بالمُنعم شكرًا، ولا تُشغل بالنعمة فرحًا، وأن تُبادر للعمل ولو قلَّ علمُك، وأن تسرع بالتوبة ولا تُسوِّف، وانظر للصالحين المُوفقين فاقتدِ بأفعالهم ولا تغتر بمحبتهم -فقط-، وأن تُقبِلَ على الآخرة فتكون من أهلها، فالآخرة خيرٌ وأبقى، وهي خيرٌ من الأولى.
وإني واللهِ لك أيها القارئ من الناصحين، فأقول ومن واقع تجربة عملية وقراءة علمية، عليك بِبِرِّ الوَالِدَين، فإنه لا عِدْلَ له، فبه -وَربِّ الكَعبةِ- تفتح لك مغاليق الأبواب، وتُفرغ عليك قِربُ الخير، ولن تُحصي النعم من كثرتها، فاطرق أبواب التوفيق والنجاح معتصمًا بدعوات أمك وأبيك، فما أجمل من أن يرفع والداك أكفَّهما نحو السماء قائلين: [الله يرضى عليك، رضى من ربي ورضى من قلبي].
وختامًا: اعلم يرحمك الله أن أعظم التوفيق أن يرزقك الله الثبات على الحق في هذه الحياة، وأن ييسر لك عملًا صالحًا -تُقبض عليه- قبل الممات، فعن أنس -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله ﷺ: [إذَا أرَادَ اللهُ بعبدٍ خيراً استَعملَه فقيل: كيف يستعمله يا رسولَ الله؟ قال: يُوَفِّقُهُ لعَملٍ صالحٍ قبلَ المَوت]. رواه الترمذي وقال: هذا حديث حسن صحيح
فاللهم إنا نسألك توفيقًا لفعل الخيرات وترك المنكرات، ونسألك ثباتًا على الحق حتى نلقاك به.