مجتمع وناس

مقالي الجديد بعنوان: “الجَنَّة بِدها والنَّار بِدها”

الدكتور : وائل الزرد داعية إسلامي

الزلزال المدمر الذي ضرب تركيا وسوريا مؤخرًا، كان له وقعٌ كبيرٌ جدًّا على نفوس كل المُتابعين، خاصة أنه الزلزال الوحيد الذي جاء في لحظة انتشار واسع -وغير مسبوق- لقنوات التواصل الاجتماعي، والتي يوجد عليها ملاين من الناس، فقد حظي هذا الزلزال بمتابعة من معظم الموجودين على منصات التواصل، وكذلك حظي بتغطية مباشرة من شبكة قناة الجزيرة الإعلامية، وهي الأكثر انتشارًا في العالَم.


هذا الزلزال كان غريبًا نوعًا ما، فهو صورة مصغرة جدًّا جدًّا من زلزال يوم القيامة، بل وبلا شك لا يُقارن بزلزلة يوم القيامة، والتي قال الله عن طرفٍ منها {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ ۚ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ (1) يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَىٰ وَمَا هُم بِسُكَارَىٰ وَلَٰكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ} …
وكما أن زلزلة يوم القيامة ستجيئ بغتةً، كذلك جاء هذا الزلزال، وكما أن زلزلة يوم القيامة ستجيئ والناس على حالهم، بين طائع وعاصٍ، وبائعٍ ومشترٍ، وقائمٍ ونائم، وظالمٍ ومظلوم، ومؤمنٍ وكافر، كذلك جاء هذا الزلزال والناس على حالهم، دون سابق إنذار ولا إمهال، وإنما هي البغتة والمفاجأة، وقد جاء مظهرًا لنا صورًا من حال الناس قبل وبعد الزلزال، ومن هذه الصور التي صاحبت الزلزال ما يلي:


راضٍ وساخطٌ


رأينا من خرج من تحت الركام، قد أذهب الزلزالُ كلَّ ما يملك، من أهل ومال وبيت، ثم نجا -وحده- وهو يقول: “الحمد لله، والله إن القلب ليحزن وإن العين لتدمع، وإنا على ما أصابنا لمحزونون، ولكنا لا نقول إلا ما يرضى ربَّنا، إنا لله وإنا إليه راجعون”، وكذلك رأينا غيره، خرج من تحت الأنقاض متسخطًا مُتبرِّمًا، سابًّا شاتمًا، لا يرضى بقضاء ولا يُسلِّم لقدر، وإنما هي كلمات الكفر والفسوق والعصيان، المنقطعة من السماء، والتي لا نصيب لها بالرضا ولا بالتسليم لله فيما وقع في ملك الله، فقلت: “الجّنَّة بِدَّها والنَّار بِدَّها”.

حِجابٌ وسٌفٌور


رأينا امرأةً بقيت أيامًا تحت الرَّدم لحين ما وصلت إليها فرقُ الإنقاذ، ولمَّا فُتِح أمامها طريقُ النجاة، وإذا بها تطلب من فرق الإنقاذ حجابًا تستُر به نفسها، وهي تأبى أن تخرج متكشفة -ولو خرجت فهي معذورة- فالكرب شديد، ولكنها العفة والطهارة والالتزام، الذي تأبى أن تفارقه ولو فارقت الحياة، ورأينا كذلك بعضًا ممن ينقل أخبار الزلزال وصور الدمار: شابات متبرجات، لا يُعِرن أمر الله بالستر والحجاب اهتمامًا، ويرين الحجاب قطعة قماش لا تقدم ولا تؤخر، ويقُلن في لحظة استراحة: “يجب أن نستغل كل لحظة فيما يُفرحنا، قبل أن يفاجئنا الزلزال!” فقلت: الجّنَّة بِدَّها والنَّار بِدَّها”.


تجَّارٌ أبرار، وسُرَّاقٌ أشرار


رأينا تجارًا أبرارًا، يفتحون محلاتهم التي لم تتضرر، أمام كل المواطنين الناجين من الزلزال، ليأخذوا ما يشاؤون ويدعوا يشاؤون، دون أن يدفعوا ثمنًا ولا يُسألوا عن ثمن، وأصحاب المحلات يفعلون هذا بقلب راضٍ وبصدر منشرح، والناس يأتون لهذه المحلات يأخذون على قدر الحاجة، بلا هلع ولا جشع، فكان هؤلاء التجار من الابرار الأتقياء، وعلمنا كذلك بعضًا من السُّراق انتهز فرصة انشغال الناس بالخروج من تحت الركام، والبحث عن أهلهم وذويهم، علمنا أن سُرَّاقًا استغلوا هذه الفرصة وراحوا ينقبون مع الناس عن المجوهرات والأموال، بدون دين ولا ضمير ولا أخلاق، فقلت: الجّنَّة بِدَّها والنَّار بِدَّها”.


عجوز ناجٍ، وشابٌ لاهٍ


رأينا عجوزًا طاعنًا في السن، ما أن خرج من تحت الركام حتى طلب ماءً ليتوضأ، فقد فاته عددٌ من الصوات، وهرع بعض الشباب ليأتي بالماء، وساعد هذا العجوز في صب الماء له لييسر عليه الوضوء، وقام ال رجل ليدرك ما فاته من الصلاة، وقلبه مشتاق للوقوف بين يدي الله، وكأنه له سنوات ما صلَّى، ورأينا غيره من الشباب -المُنقذين- وغيرهم، لا يُبالي بالصلوات ولا بالفرائض، تمر عليه الأيام والشهور وربما ما وجَّهَ وجهَه قبل بيت الله الحرام للصلاة، فقلت: الجّنَّة بِدَّها والنَّار بِدَّها”


والصور لا تنتهي،،،


ولكنها كلها تؤكد أن [الجّنَّة بِدَّها والنَّار بِدَّها]

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى