دعوكم من المبالغات في المشايخ وأهل العلم!

كتبه: صلاح بن نور الدين نور ” أبو عبد الله”
(لا تسترذلوا الألقاب العلمية وتقللوا من شأنها فتهينوها)
لا شك ولا ريب أنه يوجد في بلادنا- غزة هاشم- أهل علم وطلاب علم وعدد من الباحثين والمؤلفين، ومع ذلك لا ينبغي تضخيم الأمور ووضعها في غير نصابها، فقد جعل الله تعالى لكل شيء قدرا، فالنفخ الزائد نتيجة الحب والتعلق مذموم، وقد أحسن من قال: الحب يعمي ويصم.
لهذا ينبغي أن نتورع عن الألقاب العلمية التي ننسبها للبعض دون أن يكونوا أهلا لها، العلاّمة والفقيه والمحدث والمجتهد، ويحك يا رجل ماذا تقول؟! لا تقل: فلان عالم، وقل: فلان من أهل العلم، وأذكر أن مشايخ الدعوة الذين يخرجون في سبيل الله في المساجد قد زاروني في بيتي ضمن زياراتهم المعروفة على أهل المسجد بعد العصر، فقال أحدهم: تكلم يا شيخ، قلت: تكلموا أنتم تفضلوا، فقال أحدهم: المشايخ علمونا أن نسكت إذا زرنا العلماء! قلت لهم: وأين العالم الذي تزورونه؟! وبعدها تبين لي أن كل متخصص في العلم أو حامل شهادة عليا يعتبرونه عالما. وقد اقترحت عليهم تغيير اسم العلماء إلى أهل العلم فاستحسنوه.
يا أخي العالم كلمة كبيرة جدا، هل العالم هو الحاصل على دكتوراة في الفقه المقارن؟! ويكون هذا الدكتور الذي تقصده يقبع تحت خط الفقر في الحديث فلا يعرف شيئا عن الأسانيد ولا الرجال ولا المصطلح. ولو سألته عن معنى حديث: قال لك: ما سمعته قبل ذلك. فهذا في الحقيقة متخصص في الفقه الأكاديمي أو في فقه مذهب بعينه ليس أكثر.
وكذلك تجد شخصا يشرح للناس أحاديث كتاب من كتب السنة كالبخاري مثلا، أو صحيح مسلم او سنن أبي داود، فيقال عنه: محدث؟! ويحك يا هذا؟! هل المحدث من شرح كتابا أو علّق على بعض الأحاديث ؟! إذن إن محدثي الأمة لكثير!! المحدث يا أخي كلمة كبيرة عظيمة؟! تورع الإمام أحمد أن يقولها في أناس لو جمع علم الأحياء جميعا إلى علمهم ما بلغوا معشار علمهم. المحدث هو الذي إن سألته عن حديث، قال لك:رواه فلان وفلان عن فلان ومن طريق فلان،وهو ضعيف لأن فيه علة قادحة وهي كذا. المحدث يا أخي هو يحيى بن معين، الذين قيل فيه: كل حديث لا يعرفه ابن معين فليس بحديث! المحدث يا أخي هو ابن خزيمة الذي قال: ائتوني بأي حديثين متعارضين حتى أؤلف بينهما؟ أين المحدث الذي تسأله عن أحاديث متعارضة ومشكلة فيروي ظمأك ويشفي غليلك؟! محدث لا يعرف الرجال ولا العلل ولا المتعارض ولا المشكل، ولم يُعرف له ممارسة عملية للحكم على الأحاديث، وحدود بحثه وسعيه وشرحه ما تجاوزت البيقونية وينادى في الناس: المحدث؟! هذا يقال عنه: متخصص في مصطلح الحديث أو له إلمام في علوم الحديث ولا يقال عنه: محدث! لا تسترذلوا الألقاب العلمية وتقللوا من شأنها فتهينوها.
هل تعلم أيها الفاضل أن كلمة المفتي ليست على حقيقتها إنما تقال مجازا، لأن المفتي في زماننا هو ناقل فتوى ليس أكثر، وقد أشار إلى هذا الدكتور وهبة الزحيلي في مقدمة موسوعته الفقه الإسلامي وأدلته.
رويدا رويدا أيها الأفاضل، وتواضعوا في الألقاب والمسميات التي هي أكبر منا ومنكم جميعا، العلم في هذا الزمان يرويه مقلد عن مقلد، وينقله ناقل عن ناقل، ويتداوله طالب عن طالب علم، إذا سمعت عن محدث فذاك هو الدارقطني وابن حجر، وإذا سمعت عن مجتهد فذاك هو الشافعي وابن عبد البر، وإذا سمعت عن فقيه فذاك هو الأوزاعي وأبو ثور، وإذا سمعت عن مفتي فذاك هو العز والبيهقي.
والخير موجود لا ينقطع ومن سار على الدرب وصل.
ولكل زمان أهله ورجاله وعلماؤه ويتغير ذلك بتغير الزمان والمكان. فلما ضعفت همم الناس وانتشر الجهل بينهم، صار المبتدئ بينهم عالما، والناقل مفتيا، وإن البغاث بأرضنا يستنسر . هذا وإلى الله المشتكى وهو المرتجى وعليه التكلان وبه المستعان.