الدعاء يوم الأربعاء بين الظهر والعصر مستجاب

كتبه: صلاح بن نور الدين نور ” أبو عبد الله”
-بحث حديثي وتحقيق علمي بعنوان:
( إتحاف النبلاء بتحسين حديث الدعاء يوم الأربعاء).
نص الحديث:
–عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَعَا فِي مَسْجِدِ الْفَتْحِ ثَلَاثًا: يَوْمَ الِاثْنَيْنِ، وَيَوْمَ الثُّلَاثَاءِ، وَيَوْمَ الْأَرْبِعَاءِ، فَاسْتُجِيبَ لَهُ يَوْمَ الْأَرْبِعَاءِ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ، فَعُرِفَ الْبِشْرُ فِي وَجْهِهِ ” قَالَ جَابِرٌ: ” فَلَمْ يَنْزِلْ بِي أَمْرٌ مُهِمٌّ غَلِيظٌ، إِلَّا تَوَخَّيْتُ تِلْكَ السَّاعَةَ، فَأَدْعُو فِيهَا فَأَعْرِفُ الْإِجَابَةَ “.
هذا الحديث أخرجه أحمد في مسنده قال: حَدَّثَنَا أَبُو عَامِرٍ، حَدَّثَنَا كَثِيرٌ يَعْنِي ابْنَ زَيْدٍ، حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ، حَدَّثَنِي جَابِرٌ يَعْنِي ابْنَ عَبْدِ اللهِ..(14563)(22/425). والبخاري في الأدب المفرد رقم (707)، باب الدعاء عند الاستخارة (293)، ص188. قال: حدثنا إبراهيم بن المنذر، قال: حدثنا سفيان بن حمزة قال: حدثني كثير بن زيد، عن عبد الرحمن بن كعب، قال: سمعت جابر بن عبد الله يقول:… الحديث. والبيهقي في شعب الإيمان (3591)،(5/387)، من طريق عَبْد الْمَجِيدِ بْن عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ أَبِي رَوَّادٍ، حَدَّثَنَا كَثِيرُ بْنُ زَيْدٍ، قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ، يَقُولُ: سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ.. الحديث.
وابن سعد في الطبقات (2/73) قال أخْبَرَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الْمَجِيدِ الْحَنَفِيُّ الْبَصْرِيُّ، أَخْبَرَنَا كَثِيرُ بْنُ زَيْدٍ، قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ.. الحديث. وهذا الحديث ضعفه بعض العلماء، وأعلوه بثلاث علل، اثنتان في سنده، والأخيرة في متنه: أما العلتان التي في سنده، فالأولى: أن في سنده كثيرا بن زيد، ليس بالقوي، وقد تفرد بروايته. الثانية: أن في سنده مجهولا، وهو عبد الله بن عبد الرحمن بن كعب. وأما العلة التي في متنه، أنه جاء فيه أن الرسول عليه الصلاة والسلام دعا في مسجد الفتح، ومسجد الفتح بُني في عهد التابعين!
وأما الرد على ذلك، فعلى النحو التالي:
أولا: ننظر في كلام النقاد في كثير بن زيد، توثيقًا وتضعيفًا.
الجارحون
قال أبو زرعة: صدوق فيه لين، وقال ابن معين: ليس بذاك، وقال ابن المديني: صالح ليس بقوي، وقد ضعّفه النسائي.
انظر هذه الأقوال في الجرح والتعديل لابن أبي حاتم(7/151)، الضعفاء والمتروكون لابن الجوزي(3/22). ميزان الاعتدال (3/404).
المعدّلون
روى ابن الدورقي عن ابن معين أنه قال: ليس به بأس، وروى ابن أبي مريم عنه أيضا أنه قال: ثقة. وهذا القول بالتوثيق مخالف لما جاء عن ابن معين أنه ضعفه. وقال أحمد بن حنبل: ما أرى به بأسا. وقد قال ابن عدي: لم أر بحديثه بأسا وأرجو أنه لا بأس به. وقد قال ابن حجر: صدوق يخطئ. وقد تعقّب ابن حجر شعيب الأرنؤوط وبشار معروف في تحرير التقريب وقالا: بل صدوق حسن الحديث كما قال البوصيري في مصباح الزجاجة. وقد قال الألباني: حسن الحديث ما لم يتبين خطؤه. وقال أبو إسحاق الحويني: حاصل البحث أن كثير بن زيد أقرب إلى القوة منه إلى الضعف.
انظر هذه الأقوال: ميزان الاعتدال(3/404)، تاريخ الإسلام(4/188)، الكامل في ضعفاء الرجال(7/207)، تحرير تقريب التهذيب(3/192)، إرواء الغليل(5/143)، نثل النبال بمعجم الرجال(3/71).
الخلاصة
بالنظر إلى أقوال الجارحين تجدهم قلة حتى ابن معين الذي اشتهر عنه تضعيف كثير، جاء عنه روايات أخر بالتوثيق، كما وأن عبارات التضعيف من المضعفين ليست قوية وشديدة، بل غاية ما فيها يوحي أن كثير بن زيد فيه بعض الضعف، والخلاصة أن حديثه لا ينحط عن رتبة الحسن، خاصة إذا لم يخالِف، وهنا في هذا الحديث لا يوجد مخالفة.
وأما الشيخ شعيب الأرنؤوط رحمه الله فقد ضعف هذا الحديث في تحقيقه للمسند ( ٤٥٢/٢٢). بسبب كثير بن زيد هذا، وقال: ليس بذاك القوي، ولكنه في تحرير التقريب قال: صدوق حسن الحديث! فجلّ من لا يسهو.
وأما العلة الثانية: وهي أن عبد الله بن عبد الرحمن بن كعب في عداد المجاهيل، فهذا صحيح، ولكن عبد الله هذا جاء في سند أحمد وحده من طريق أبي عامر، أما الأسانيد الأخرى فذكرت عبد الرحمن بن كعب بن مالك وهو تابعي ثقة من رجال الشيخين كما في تهذيب التهذيب(6/259).
فعند البخاري في الأدب المفرد، وابن سعد في الطبقات، والبيهقي في شعب الإيمان، جاء عبد الرحمن بن كعب بن مالك، وليس عبد الله المجهول، فقد خالف أبا عامر ثلاثة من الثقات وأهل الصدق، فعند البخاري سفيان بن حمزة، قال عنه أبو زرعة: صدوق، الجرح والتعديل (4/230). وكذا قال ابن حجر في التقريب. تحرير التقريب (2/49).
وعند البيهقي عبد المجيد بن عبد العزيز بن أبي روّاد، ثقة، وثقه يحيى كما في رواية الدوري(3/60)، وأحمد كما في الكاشف للذهبي(1/662)، والخليلي كما في الإرشاد(1/233).
وعند ابن سعد في طبقاته، عبيد الله بن عبد المجيد الحنفي البصري، ثقة كما في الكاشف(1/683)، وقد قال فيه ابن معين: ليس به بأس. الجرح والتعديل لابن أبي حاتم(5/324).
فهؤلاء الثقات الثلاثة خالفوا أبا عامر، فرووا عن كثير بن زيد عن عبد الرحمن بن مالك الثقة، وليس عن عبد الله بن عبد الرحمن بن مالك المجهول، وهذا يدل على شذوذ رواية أبي عامر بلا ريب. وبهذا يكون الحديث حسنا إن شاء الله تعالى.
ومن العلماء الذين حسّنوا الحديث، الإمام المنذري في الترغيب والترهيب، والهيثمي كما في مجمع الزوائد(4/12)، والألباني كما في صحيح الأدب المفرد(1/262).
وقد قال اللكنوي في الفوائد البهية في تراجم الحنفية، ص143: قال جلال الدين السيوطي في رسالة سهام الإصابة في الدعوات المستجابة: إسناده جيد. وقال نور الدين علي بن أحمد السمهودي في وفاء الوفا بأخبار دار المصطفى بعد عزوه إلى مسند أحمد: رجاله ثقات.
وأما العلة التي في متنه، وهي أن مسجد الفتح بُني في عهد التابعين! فهذا ليس بصحيح، لأن مسجد الفتح هو مكان اتخذه النبي صلى الله عليه وسلم وقت الأحزاب مصلى ومسجدا، فكان فيه خيمة النبي صلى الله عليه وسلم، أقام فيها أياما يصلي ويدعو، ويقود الجيش، ولعله بُني ورمم بعد ذلك في عهد التابعين، ويسمى أيضا مسجد الأحزاب لأن النبي صلى الله عليه وسلم دعا فيه على الأحزاب، ويسمى الفتح لأنه أجيبت فيه دعوة النبي على الأحزاب، فكانت فتحا في الإسلام. انظر تاريخ المدينة لأبي الحسن بن زبالة(ت 199ه). بتصرف يسير.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: ( وهذا الحديث يعمل به طائفة من أصحابنا وغيرهم، فيتحرون الدعاء في هذا، كما نقل عن جابر. ولم ينقل عن جابر رضي الله عنه أنه تحرى الدعاء في المكان، بل تحرى الزمان). اقتضاء الصراط المستقيم(2/344).
قال البيهقي رحمه الله: ( وَيُتَحَرَّى لِلدُّعَاءِ الْأَوْقَاتُ وَالْأَحْوَالُ وَالْمَوَاطِنُ الَّتِي يُرْجَى فِيهَا الْإِجَابَةُ. فَأَمَّا الْأَوْقَاتُ فَمِنْهَا: مَا بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ مِنْ يَوْمِ الْأَرْبِعَاءِ. وَمِنْهَا: مَا بَيْنَ زَوَالِ الشَّمْسِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ إِلَى أَنْ تَغْرُبَ الشَّمْسُ. وَمِنْهَا: الدُّعَاءُ فِي الْأَسْحَارِ). شعب الإيمان(2/375).
قال الإمام القرطبي رحمه الله: ( وَلِلدُّعَاءِ أَوْقَاتٌ وَأَحْوَالٌ يَكُونُ الْغَالِبُ فِيهَا الْإِجَابَةُ، وَذَلِكَ كَالسَّحَرِ وَوَقْتِ الْفِطْرِ، وَمَا بَيْنَ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ، وَمَا بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ فِي يَوْمِ الْأَرْبِعَاءِ، وَأَوْقَاتِ الِاضْطِرَارِ وَحَالَةِ السَّفَرِ وَالْمَرَضِ، وَعِنْدَ نُزُولِ الْمَطَرِ وَالصَّفِّ فِي سَبِيلِ اللَّهِ. كُلُّ هَذَا جَاءَتْ بِهِ الْآثَارُ). تفسير القرطبي(2/313).
قلتُ: وربما توهم بعض الناس أن استجابة الدعاء يوم الأربعاء بين الظهر والعصر لم تقع قصدا، وإنما جاءت هكذا دون خصوصية أوحصول ميزة وأفضلية لهذا الوقت.وهذا الكلام قوي ومتجه، إلا أن ما يدفعنا للقول بخصوصيته وأفضليته هو فهم الصحابي الجليل جابر بن عبد الله رضي الله عنه الذي كان يتقصد العمل بهذه السنة، ولا يسعنا إلا ما وسعه رضي الله عنه. وقد قال العلامة الألباني رحمه الله: ( لولا أن الصحابي رضي الله عنه أفادنا أن دعاء الرسول صلى الله عليه وسلم في ذلك الوقت من يوم الأربعاء كان مقصودا، والشاهد يرى ما لا يرى الغائب وليس الخبر كالمعاينة، لولا أن الصحابي أخبرنا بهذا الخبر، لكنا قلنا هذا قد اتفق لرسول الله صلى الله عليه وسلم أنه دعا فاستجيب له، في ذلك الوقت من ذلك اليوم. لكن أخذ هذا الصحابي يعمل بما رآه من رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما ووقتا ويستجاب له.
إذا هذا أمر فهمناه بواسطة هذا الصحابي وأنه سنة تعبدية لا عفوية).شرح صحيح الأدب المفرد(2/380)، حسين العوايشة.
وبهذا يتبين لك أيها الفاضل ثبوت هذا الحديث إن شاء الله تعالى، وأن القول بضعفه قول ضعيف.
والله تعالى أعلى وأعلم.