لماذا لم ينتخب الشعب التركي أردوغان ؟

كتبه د. وائل الزرد داعية اسلامي
أُصارحكم أنني استغربت كثيرًا من عدم فوز الرئيس أردوغان في الانتخابات الحالية، المنعقدة فتركيا، من أول مرة، واستغربت أكثر من النسبة الكبيرة التي لم تنتخبه من الشعب التركي، ورُحت أتساءل في نفسي: ما الذي فعله الرئيس أردوغان حتى لم يفز؟ أو ما الذي فعله الرئيس أردوغان حتى لم يُنتخب؟
ورجعتُ بذاكرتي إلى عظيم وكثرة الانجازات التي حققتها الحكومة التركية في ظل وجود الرئيس أردوغان في منصب الرئاسة، فوجدتها كثيرة جدًّا، ولستُ هنا بصدد ما الذي فعله الرجل -جزاه الله خيرًا- لشعبه وبلاده، وإنما يكفي أن نعرف -على الأقل- أنه أخرج بلاده من حيز الفقر المُنسي، والذي كان كفيلًا بأن يجعل تركيا بلدًا تابعًا ذليلًا لاملاءات الدول المستكبرة، حيث تقول المعلومات: لقد سدَّدت الحكومة التركية بوجود رجب طيب أردوغان رئيسًا مبلغًا يُقدر ب: 16 مليار دولار!
فقد تمكنت تركيا من تسديد جميع ديونها المستحقة لصندوق النقد الدولي، الذي كان لها معه ماض متوتر، مما يجعلها عضوا في نادي الدول غير المدينة للمؤسسة الدولية، وبذلك تصبح تركيا لأول مرة بلا ديون لصندوق النقد منذ 52 عاما!
وكما قلت لست بصدد ذكر ما فعل الرجل، فما يراه الناس في تركيا من فعل الرجل وحكومته عبر السنوات الماضية، أشهر من أن يُذكر، ولكن يبقى السؤال مطروحًا: لماذا لم ينتخب نسبة كبيرة من الشعب التركي الرئيس أردوغان؟
أرى -والله أعلم- أن هذا الأمر يرجع لأسباب منها:
1- بقاء الرئيس رجب طيب أردوغان لأكثر من فترة رئاسية متتابعة، حيث انتُخب الرجل رئيسًا عام 2014 لأول مرة، ثم بقي رئيسًا حتى مايو 2023 يعني أنه بقي رئيسًا ل9 سنوات متابعات، وهذا في المنطق الديمقراطي المعاصر، غير مستوعب، فمع كل الإمكانيات التي للرجل، ومع عظيم ما قدم لتركيا، غير أنه ليس نبيًّا معصومًا ولا ملكًا كريمًا، وفي حِسِّ المواطن المعاصر اليوم: أنه لا يوجد رئيس إلى يوم القيامة، ولماذا لا يسمح -هو ذاته- بتدافع الأجيال؟ ولماذا لا يسمح لغيره أن يخوض تجربة الرئاسة؟ ولماذا أعطى نفسه -كرئيس- صلاحيات أشبه ما تكون مطلقة؟
2- الضخ الإعلامي الكبير ضد شخص الرئيس أردوغان من المعارضة داخليًا، ومن الخصوم خارجيًّا، ولم يُخفِ هؤلاء مكرهم وكراهيتهم لإعادة انتخاب رجب طيب أردوغان رئيسًا، حتى إن الصحف العالمية نشرت على صدر صفحاتها الأولى، عدم رضا كثيرٍ من الدول الكبرى -وفي مقدمتهم أمريكا- من إعادة انتخابه رئيسًا، حيث سعَوا لشيطنة الرجل، فضخموا الأخطاء، وكثَّروا الزلات، وأذاعوا الهفوات، وأعدوا لذلك ملايين الدولارات، وفي النهاية نجحوا بشكل كبير، وتم لهم ما أرادوا من حيث عدم انتخاب الرجل رئيسًا من أول جولة على الاقل، ولا ندري ماذا تحمل الانتخابات الجولة الثانية!
3- الجيل الموجود حاليًّا من الشباب، لم يعش الحالة المأساوية التي كانت تحياها تركيا، وخاصة اسطنبول العاصمة، فقد استيقظ هذا الجيل الشاب على حالة من النظام والنظافة والحرية والقانون، ولكنه تفاجأ كذلك، بوجود مشكلة في الوظائف، والبطالة، وتردي الليرة التركية، وكل هذا حدث في عهد الرئيس أردوغان، وهذا الجيل لا يمتلك من الخبرة والعلم الكافي أن يُقارن ويوازن بين ما كانت عليه تركيا وما وصلت إليه، وليس عنده من الوقت أن يتابع ويعرف أن الحرب الاقتصادية التي شنتها بعض الدول على تركيا هي سبب رئيس فيما وصلت إليه الليرة التركية من تدني اليوم.
4- استقبال الرئيس أردوغان ل اللاجئين السورين، إبان الحرب المستعرة في سوريا، بين النظام السوري من جانب، والشعب الباحث عن الحرية، والكرامة، والعدالة الاجتماعية من جانب آخر، فقد استقبلت تركيا واسطنبول وحدها أكثر من 5 مليون لاجئًا سوريًّا، وهؤلاء جميعًا ملأوا شوارع اسطنبول، فسكنوا العمارات والشوارع، واشتغلوا في كل شيء، وبثمن زهيد، وفرح بهم -طبعًا- كثيرٌ من أصحاب المحلات والمصانع والمتاجر، لأن راتب العامل التركي يعادل راتب 5 من العمال السوريين، ومع الأيام اكتشف الأتراك أن هؤلاء السوريين قاسموهم رغيف خبزهم، وشاركوهم في رزقهم، وساهموا في ازدياد ظاهرة البطالة في تركيا وخاصة عن الشباب والجيل المعاصر، مما سبَّب هذا مع السنوات المتعاقبة -10 سنوات تقريبًا- نقمةً على الرئيس أردوغان، حيث حمَّل الشباب العاطل عن العمل، ومن ورائهم عائلاتهم، حملوا الرئيس المسؤولية عما آلت إليه أمور البلاد من بطالة قاتلة.
5- وأما السبب الأخير، فإنني أظن أن الذين لم ينتخبوا الرئيس أردوغان، لم ينتخبوه كراهية فيه، ولا لأنه فشل في تقدم وإزدهار تركيا، بل إن هؤلاء لم ينتخبوه لأنهم باتوا يبحثون عن عيشهم وحياتهم، بغض النظر عمن يحكمهم، ف صحيح أنهم يعيشون حالة من الأمن والتقدم والنظام، وأنهم باتوا آمنين على دينهم ومعتقداتهم، فلا رجل مهددٌ لأنه ذو لحية يرتاد المسجد، ولا امرأة مهددةٌ لانها ذات حجاب تذهب لمراكز تحفيظ القرآن، ولكن: الناس لا يعيشون بالوعظ، ولا يأمنون بالإرشاد، فهم بحاجة مع حالة الأمن إلى سد جوعتهم ووظيفة لحياتهم وطمئنينة لمستقبلهم، فمع تغني وعرض حزب العدالة والرئيس أردوغان لمنجزاتهم الضخمة امام الناخب التركي غير أن -غير المُنتخب لهم- يقول: أريد أن وظيفة لي ولولدي، أريد عملةً غالية، أريد وأريد وأريد الحياة…
أقول: في زحمة الانتخابات للأسف يَنْسَى الناس أو يَتنَاسَون أن الرجل لا يمثل نفسه، وإنما يمثل منهجًا قائمًا على إيجاد تركيا عزيزة في مَصافِّ الدول الكبرى، وينسَون الحرب التي يتعرض لها الرجل قديمًا وازدادت حديثًا من بعض الدول الكبرى، ويَنسَون أين كانت تركيا وأين أوصلها حزب العدالة والطيب أردوغان، ويَنسَون الآثار المدمرة التي ستحدث فيما لو انتُخب طرفٌ آخر، لا يمتلك رؤية مستقيمة متوازنة أمثال الرئيس: رجب طيب أردوغان.
أسألُ الله أن يَوفِّق الشعبَ التركيَّ -كلَّه- لمَا فِيهِ خَيرُ العِبادِ والبِلاد…